النظام يتجاهل احتجاجات السويداء ويستغل حراك إدلب
لم تحرك أصوات المتظاهرين وحناجرهم في مدينة السويداء جنوبي سوريا المطالبة برحيل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أقلام وعدسات وسائل الإعلام التابعة للنظام، التي تواصل تجاهلها لما يحدث مع وصول الاحتجاجات السلمية إلى شهرها التاسع.
في المقابل، تواصل تلك الوسائل إلى جانب المقربة من النظام تغطية حراك سلمي مناهض لـ”هيئة تحرير الشام” في مدينة إدلب، إضافة إلى تداول تسجيلات مصورة من قبل شخصيات موالية للنظام للمظاهرات في الشمال السوري مع عبارات تتماهى مع سردية النظام عن المنطقة من وجود “فوضى وإرهاب”.
يغمض عينيه عن السويداء
بحسب رصد للتقارير والأخبار المنشورة عبر الصحف الرسمية الثلاث، “الثورة” و”البعث” و”تشرين”، بالإضافة إلى وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، وجريدة “الوطن” المقربة من النظام، فإن تغطية الاحتجاجات في السويداء غائبة بشكل كامل، واقتصرت تغطيات الوسائل المذكورة على قضايا خدمية وزارعية في المحافظة.
هذا التجاهل يستمر منذ 16 من آب 2023، حين دعا عدد من أهالي بلدة القريّا جنوبي السويداء إلى وقفة احتجاجية في ضريح قائد الثورة السورية الكبرى، سلطان باشا الأطرش، حمل نص الدعوة عبارة “عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهرًا سيفه”، احتجاجًا على رفع أسعار المحروقات بنسبة تقارب 300%.
وسرعان ما تحولت الوقفات الاحتجاجية إلى إضراب عام، وقطع طرقات، ومطالب بإسقاط النظام السوري والعيش بكرامة والحرية والديمقراطية لا تحت حكم العسكر وحزب “البعث”.
وبارك المظاهرات رموز ومشايخ السويداء، ووصل الحديث عنها إلى المنابر الأوروبية، منها ما تحدث به المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، خلال إحاطة قدمها لمجلس الأمن حول الأوضاع في سوريا، بأن الحل السياسي هو الطريق الشامل الذي يمكن أن يحقق ذلك سيادة سوريا ووحدتها، بعد كلامه عن احتجاجات السويداء.
كما أشاد المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، بشجاعة أهالي السويداء ودرعا المطالبين بالعدالة والحرية والمواطنة، معلنًا وقوفه مع المطالبين بالحوار السلمي وإطلاق سراح المعتقلين وتحقيق تطلعاتهم المشروعة.
وأطلقت قوات أمنية النار على محتجين، في أيلول 2023، دون وقوع إصابات حينها، لكن في شباط الماضي، توفي المدني جواد الباروكي متأثرًا بجروح نتجت عن إطلاق قوات الأمن السورية النار لتفريق مظاهرة في مدينة السويداء.
الأنظار على إدلب
تواكب جريدة “الوطن” المقربة من النظام الحراك السلمي المناهض لسياسة “تحرير الشام” في إدلب، كما ينشر مراسلون عسكريون وشخصيات موالية صورًا وأخبارًا عن المظاهرات، مفادها أن ما يحدث في إدلب هو نتيجة “فوضى لا ثورة” وأن من يحكم الشمال السوري تنظيمات “تكفيرية”.
المصور الحربي في قناة “سما” الموالية محمد ضبع، ينشر بشكل شبه يومي عن المظاهرات الحاصلة في إدلب، وحتى عن الدعوات لها، مع استغلاله الأحداث لتعزيز رواية النظام بأن “لا ثورة” في سوريا.
ومنذ 26 من شباط الماضي، يستمر الحراك المطالب بإسقاط “أبو محمد الجولاني” قائد “تحرير الشام”، ورفض سياسة التفرد بالقرار، ويقوده ناشطون مدنيون، ويؤيده عسكريون وشرعيون، خاصة بعد عمليات تعذيب في سجون “الهيئة” ظهرت إلى العلن حينها.
وقوبلت المظاهرات بوعود وإصلاحات واجتماعات مكثفة لـ”الجولاني” و”الإنقاذ” و”مجلس الشورى العام”، منها عفو عام عن المعتقلين بشروط واستثناءات، وتشكيل لجان للاستماع إلى الأهالي، وإلغاء رسوم عن الأبنية وإعفاء جزء منها وفق شروط.
بعد ذلك، جاءت حزمة من الوعود وبدأ العمل على تنفيذها، وهي إعادة تشكيل “جهاز الأمن العام” ضمن وزارة الداخلية في “الإنقاذ”، وتشكيل مجلس استشاري أعلى للنظر في السياسات العامة والقرارات الاستراتيجية في المنطقة.
“حالة معزولة”
لم يلجأ النظام إلى استخدام العنف بشكل واسع في مواجهة المظاهرات، لكنه اعتمد سلوك الزعزعة الأمنية إضافة إلى المراهنة على عامل الوقت أملًا بخفوت المظاهرات في السويداء وفق تقرير لمركز “عمران للدراسات“، أعدته الباحثة صبا عبد اللطيف.
وترى الباحثة أن النظام تعامل مع الحراك بشكل أمني، حيث لم تكن لديه رغبة في الوصول إلى خيار المواجهة الشاملة، وذلك عبر التعامل مع الحراك كحالة محلية معزولة عن البيئة الوطنية السورية الشاملة لثلاثة أسباب هي:
- الحفاظ على توازن القوة العسكرية بين الفصائل المحلية المؤيدة للحراك والمقربة من المرجعيات الدينية من جهة، وبين الميليشيات المقربة من إيران التي تعمل في تجارة المخدرات والزعزعة الأمنية ومناهضة للحراك من جهة أخرى.
- عدم رغبة النظام في إثارة حالة من الغضب في صفوف أقلية “الموحّدين الدروز” ذات الامتداد الإقليمي في سوريا ولبنان وفلسطين.
- الحفاظ على صورة “حامي الأقليات” التي يحب النظام تصديرها للعالم، إلا أن هذه السياسة قد تتغير مع الوقت ومع مدى قدرة النظام على استيعاب وضبط الحراك بالحد الأدنى، خاصة بعد إرسال رتل عسكري للمخابرات الجوية مؤخرًا، إثر اعتقال أحد ضباط النظام من قبل المتظاهرين، وهذا يعتبر مؤشرًا للتصعيد ولإمكانية تغيّر سياسات النظام تجاه الحراك.
مرتبط
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
المصدر: عنب بلدي