حذر خبراء ومحللون من تداعيات خطيرة، إقليمية ودبلوماسية، للهجوم الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، الثلاثاء، في استهداف لقيادات من حركة “حماس”، كانوا يناقشون مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوقف إطلاق النار في غزة.
وأثار الهجوم الإسرائيلي موجة من الإدانات الإقليمية والدولية، وطرح تساؤلات حول مستقبل الوساطات السياسية في المنطقة.
وبينما لم تؤكد المصادر الرسمية سقوط قيادات من الحركة، فإن الحدث بحد ذاته اعتُبر انتهاكاً صارخاً لسيادة دولة خليجية، وتهديداً مباشراً لمسار السلام الهش في الشرق الأوسط، بالإضافة وتصعيداً خطيراً، يهدد الاستقرار الإقليمي ويعقّد مسار التفاوض.
بن صقر: السعودية تدعم قطر بلا تحفظ
وصف رئيس مركز الخليج للأبحاث عبد العزيز بن صقر الهجوم بأنه “عمل إجرامي” و”اعتداء سافر يخالف كل الأعراف والقوانين الدولية”، مؤكداً أن المملكة العربية السعودية تقف إلى جانب قطر حكومةً وشعباً، وتدعم أي خطوات تتخذها الدوحة للرد على هذا الانتهاك.
وأشار بن صقر، في حديث مع “الشرق”، إلى أن الهجوم تم بـ”عنجهية” و”علم أميركي”، رغم أن “قطر تحتضن أهم قاعدة أميركية في المنطقة”، على حد قوله.
واعتبر رئيس مركز الخليج للأبحاث ذلك أمراً مؤسفاً، وتساءل عن الأهداف الحقيقية وراء توقيت العملية، خاصة أن قطر بذلت جهوداً كبيرة في السنوات الماضية لتحقيق حلول سلمية بين أطراف متنازعة.
وأضاف أن “إسرائيل استهدفت حماس في دولة تبذل جهوداً في الوساطة من أجل التوصل إلى حلول سلمية، وهو أمر غير مقبول”، مشيراً إلى أن مقترح ترمب، الذي يتحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا يتضمن أي ضمانات حقيقية، بل يعتمد فقط على “التسليم الفوري” للمحتجزين الإسرائيليين.
وتوقع أن تتحرك السعودية دبلوماسياً على أعلى مستوى لتأكيد الإدانة الدولية للاعتداء الإسرائيلي على قطر، لكنه رجح أن يواجه مجلس الأمن صعوبات بسبب الدعم الأميركي لإسرائيل والذي سيتجلى في استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يمس تل أبيب.
كما أشار إلى أن إسرائيل لا تستطيع إنهاء حماس، وحماس لا تستطيع مقاتلة إسرائيل وحدها، في ظل كل هذا الدعم المقدم لإسرائيل.
وأوضح أنه “لو كانت إسرائيل وحدها، ربما كانت هناك إمكانيات مختلفة للتعامل معها، لكن الدعم الأميركي بالمساندة والسلاح والاستخبارات والدبلوماسية والفيتو والدعم الدولي، كل ذلك أعطى إسرائيل شعوراُ بالقوة لتنفيذ عملياتها، مع الأسف الشديد”.
كما شدد على أن ميثاق مجلس التعاون الخليجي يعتبر أي اعتداء على دولة خليجية اعتداءً على الجميع، ما يستدعي موقفاً جماعياً.
وفيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، أشار إلى أن هناك تساؤلات جدية حول مصداقية واشنطن، خاصة في ظل تبريرها المتكرر للاعتداءات الإسرائيلية في غزة ولبنان وسوريا، وحتى على السيادة الإيرانية والقطرية.
وقال بن صقر إن الموقف الأميركي لم يعد مقبولاً لدول الخليج التي التزمت بتحقيق استثمارات كبيرة في الولايات المتحدة، وتساءل: “ما الخطوة التالية؟ هل هناك غياب لمفهوم السيادة والقانون الدولي؟”، وأضاف: “ربما تضطر بعض الدول لاتخاذ قرارات لا تتوقعها الولايات المتحدة أو الأطراف الأخرى”.
ولفت إلى أن إسرائيل لا ترغب في أي تقدم يخص الدولة الفلسطينية، بما في ذلك التعاطي مع مشروع الإعلان السعودي الفرنسي، مشيراً إلى الجهود السعودية المستمرة، وآخرها زيارة وزير الخارجية إلى إيطاليا.
وأكد أن المملكة العربية السعودية متمسكة بطرحها في موضوع حل الدولتين، بينما إسرائيل تتحدث فقط عن حكم ذاتي فلسطيني محدود، وليس بمعنى السلطة الكاملة، مشيراً إلى أن الأمر في نهاية المطاف متروك للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، ليقرروا كيفية الحل الذي يريدون الوصول إليه، رغم غياب الضمانات الحقيقية.
الهيل: إسرائيل تمارس “زعرنة ممنهجة”
من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والإعلام في جامعة قطر، علي الهيل، أن الهجوم الإسرائيلي “فشل فشلاً ذريعاً”، مدللاً على ذلك بعدم اغتيال أي من قيادات حركة حماس التي كانت مستهدفة في هذا الهجوم الإسرائيلي على قطر.
وأكد أن خيارات قطر السياسية مفتوحة، بما في ذلك دعوة مجلس الأمن لعقد اجتماع طارئ.
ويرجح الهيل، في حديثه مع “الشرق”، أن “الضوء الأخضر الأميركي لتنفيذ هذا الهجوم جاء نتيجة ضغوط داخلية من لوبيات داعمة لإسرائيل مثل AIPAC”.
كما أشار إلى أن إسرائيل تمارس سياسة “زعرنة ممنهجة” في سوريا ولبنان واليمن، وتفلت من العقاب بفضل الدعم الأميركي.
ويقول الهيل إن وجود مكتب حماس في قطر تم بتوافق قطري أميركي، وأن واشنطن لا تزال تدعم جهود الدوحة في الوساطات الإقليمية والدولية.
واعتبر أن الهدف من الهجوم الإسرائيلي على قطر هو عزل الحراك العسكري داخل غزة عن قياداته السياسية الخارجية، لإبقاء القرار العسكري منفرداً في ملفات مثل تبادل الأسرى أو وقف القتال، مع إرسال إسرائيل رسالة بأن لا خطوط حمراء لديها.
واريك: غموض في الرواية الأميركية
أما توماس واريك، كبير المستشارين في المجلس الأطلسي والمستشار السابق في الخارجية الأميركية، فقد وصف تصريحات البيت الأبيض في هذا الشأن بأنها “غامضة”، مشيراً إلى أن ترمب علم بالعملية من الجيش الأميركي وليس من إسرائيل، ما يطرح تساؤلات حول مصدر المعلومات، وما إذا كانت قطر قد نقلتها لحماس.
وأضاف لـ”الشرق” أن ترمب بدا “غير سعيد” بالانقسامات في مسار التفاوض، لكنه عبّر عن تضامنه مع قطر، دون أن يثني على حماس.
خليل: مستقبل المفاوضات مظلم
وفي السياق ذاته، يرى مندوب مصر السابق لدى الأمم المتحدة معتز أحمدين خليل أن مستقبل المفاوضات الرامية إلى وقف الحرب في غزة بات “مظلماً”، ليس فقط بسبب الغارة، بل بسبب الأسلوب الإسرائيلي المدعوم أميركياً بلا رادع، بحسب تعبيره.
وحذر من تهديد أكثر خطورة إذا حاولت إسرائيل تكرار الأمر في دول أخرى تستضيف قادة من حماس. كما وصف الرد الأميركي بأنه “باهت”، مشيراً إلى أن ترمب يبدو وكأنه “يردد ما يقوله نتنياهو”، في علاقة أميركية وصفها بأنها باتت “تبعية” لإسرائيل وليس العكس.