الهند وباكستان خيارات عسكرية قائمة ومخاوف حرب نووية تتصاعد

يثير التوتر المتصاعد بين الهند وباكستان، على خلفية هجوم على فوج سياحي بالشطر الهندي من إقليم كشمير، في 22 أبريل، مخاوف من اتساع الصراع إلى حرب شاملة بين الدولتين النوويتين، في ظل تهديد نيودلهي بالرد على إسلام أباد التي أعلنت استعدادها لإجراء “تحقيق شفاف” لتحديد المسؤولين عن الهجوم، لكنها في الوقت نفسه أكدت أنها ستحمي أراضيها في حال تعرضها لهجوم.
وتشير تقديرات سياسية في نيودلهي، إلى أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، مُضطر للرد، وأن الرد سيكون قريباً، وسط توقعات أن يكون الهجوم مفاجئاً وموضعياً في الشطر الباكستاني من كشمير، وأن تحاول نيودلهي إقناع واشنطن بتأييد الرد، وفي الوقت نفسه منع باكستان من الرد.
التوقعات بلجوء الهند إلى الولايات المتحدة، ربما كان وراء تصريح وزير الدفاع الباكستاني، خواجة محمد آصف، الذي قال: “إذا صعّدت الهند من وتيرة أعمالها، فنحن مستعدون، ولن نخضع لأي ضغط دولي لحماية أرضنا”.
الهجوم المسلح الذي وقع في منطقة باهالجام في الشطر الهندي من كشمير، أودى بحياة 25 سائحاً ومواطنٌ كشميريٌّ، وأصاب كثيرين، أعقبته ردود فعلٍ عنيفة بين نيودلهي وإسلام آباد، خاصة أن الهند عادة ما تتهم جارتها بـ “دعم الإرهاب العابر للحدود”، وأعلنت نيودلهي عزمها اتخاذ العديد من الخطوات الدبلوماسية ضد باكستان، وهددت بـ”ملاحقة المهاجمين حتى أقاصي الأرض” و”معاقبتهم بقسوة”، على الرغم من حثّت الأمم المتحدة ودول أخرى، الدولتين الجارتين على التحلي بأقصى درجات ضبط النفس وتجنب أي تدهور.
التصريحات السياسية أعقبتها مناورة عسكرية ضخمة حركت فيها الهند سفنها الحربية المزودة بصواريخ بعيدة المدى، في بحر العرب، لإظهار استعدادها لتوجيه ضربات دقيقة بعيدة المدى، وهو ما يؤشر على تواصل التوتر،
تُعدّ منطقة باهالجام من أكثر الأماكن جذباً للسياح، وعادةً ما تعجّ بالزوار الراغبين في الاستمتاع بجمال الوادي الهادئ.
ووفقاً للسلطات الهندية، أطلق 5 أو 6 مسلحين النار لمدة 10 دقائق تقريباً في 3 مواقع في مرج بايساران بالمنطقة، بعدما وصلوا إلى مواقع الهجوم من الغابات المجاورة، مزوَدين ببنادق رشاشة.
وشكّل الهجوم صدمة للهند، لأنه استهدف مدنيين، هذه المرة، بعدما اعتاد المسلحون الكشميريون استهداف القوات المسلحة الهندية دون سواها.
وسقط بين الضحايا نيبالي واحد، وكشميري واحد، والبقية ينتمون إلى 15 مقاطعة مختلفة في الهند.
وأعلنت “حركة مقاومة كشمير”، المعروفة أيضاً باسم جبهة المقاومة (TRF)، والتي تعتبرها الهند جماعة “إرهابية” وتتهمها بتلقى مساعدة من باكستان، مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع بالتزامن مع زيارة مودي إلى السعودية، ما اضطره إلى قطع الزيارة والعودة سريعاً في الصباح الباكر، وفي المساء ترأس اجتماعاً لمجلس الوزراء، وبعد الاجتماع أعلنت نيودلهي عن تدابير دبلوماسية عدة ضد باكستان.
تدابير انتقامية متبادلة
الإجراءات التي أعلنت نيودلهي، مساء الأربعاء الماضي، عزمها اتخاذها شملت إغلاق المعبر الحدودي الرئيسي مع باكستان، وتعليق العمل بمعاهدة بالغة الأهمية لتقاسم المياه بين البلدين، وطرد العديد من الدبلوماسيين الباكستانيين، وإلغاء تأشيرات جميع المواطنين الباكستانيين، وطلبت منهم مغادرة البلاد خلال 48 ساعة.
وصباح الثلاثاء، أغلقت الهند أكثر من نصف المقاصد السياحية في الشطر الخاضع لسيطرتها من كشمير، اعتباراً من اليوم الثلاثاء، في محاولة لتشديد الإجراءات الأمنية بعد الهجوم.
وأفادت وثيقة حكومية اطلعت عليها “رويترز” بأن حكومة منطقة جامو وكشمير، قررت إغلاق 48 من 87 وجهة سياحية في كشمير، وتعزيز الأمن في باقي الوجهات، دون أن تُحدد فترة زمنية للإغلاق
وتعهّد رئيس الوزراء الهندي، ووزير الدفاع راجناث سينج، برد قوي للغاية، ليس فقط ضد مرتكبي الهجوم، بل أيضاً ضد العقول المدبرة وراء “الأعمال الشنيعة” على الأراضي الهندية.
وقال، في كلمة ألقاها خلال تجمع سياسي في بيهار عقب الهجوم: “حان الوقت لتدمير ما تبقى من ملاذ الإرهابيين، واليوم، من أرض بيهار، أقول للعالم أجمع: ستحدد الهند هوية كل إرهابي وتتعقبه وتعاقبه هو وداعميه. سنلاحقهم حتى أقاصي الأرض. لن يكسر الإرهاب روح الهند أبداً”.
ورداً على التهديد، قالت إسلام آباد: “أي تهديد لسيادة باكستان وأمن شعبها سيُقابل بإجراءات صارمة في جميع المجالات”.
وأعلن مسؤولون باكستانيون، إجراءات مضادة في اليوم التالي، منها طرد العديد من الدبلوماسيين الهنود المقيمين في إسلام آباد، وإغلاق حدود واجاه مع الهند، وإلغاء جميع تأشيرات المواطنين الهنود، وإغلاق المجال الجوي أمام جميع الطائرات الهندية، وإصدار أوامر لجميع الهنود، باستثناء الحجاج السيخ، بالمغادرة في غضون 48 ساعة، وتعليق جميع الأنشطة التجارية مع الهند.
وقالت باكستان، في بيان: “في غياب أي تحقيق موثوق، أو أدلة قابلة للتحقق، فإن محاولات ربط الهجوم بباكستان، هي محاولات تافهة، وتفتقر إلى العقلانية ومنطق الهزيمة”، محذرة من أي محاولة من جانب الهند لوقف إمدادات المياه من نهر السند ستكون “عملاً حربياً”.
وقدمت وزيرة الخارجية الباكستانية، آمنة بلوش، إحاطة للدبلوماسيين في إسلام آباد، بشأن تصاعد التوتر مع الهند، ورفضت ما سمته “حملة التضليل الهندية ضد باكستان”، وقالت إن مثل هذه الأساليب ستعيق طريق السلام والاستقرار في المنطقة”، محذرة من “محاولات الهند تصعيد التوتر”، مؤكدة استعداد بلادها لمواجهة أي مغامرة غير محسوبة”، بحسب بيان للوزارة.
وقال وزير الدفاع، خواجة محمد آصف، إن الهند “تخوض حرباً محدودة الشدة ضدنا، وإذا صعّدت من وتيرة أعمالها، فنحن مستعدون. ولن نخضع لأي ضغط دولي لحماية أرضنا”.
هل سيكون هناك قتال كبير مرة أخرى؟
عدد من المحللين يرى أن السؤال ليس هل سترد الهند عسكرياً، بل متى، وكيف سيكون؟
ولا يستبعد مراقبون، تحدثوا إلى “الشرق”، أن يكون هناك “رداً قوياً” من الهند، مشيرين إلى أنه من الصعوبة على الحكومة الهندية أن تتصرف بأقل من ذلك الآن.
ورجحوا أن ترد باكستان، كما ردت على الإجراءات الهندية التي أعقبت الهجوم “لكن خطر سوء التقدير قائم دائماً من الجانبين”، بحسب المحلل البارز المقيم في دلهي والخبير في العلاقات الهندية الباكستانية، نيشانت شارما.
وسبق أن أعلنت حكومة مودي، تنفيذ ضربة عسكرية في كشمير الخاضعة لإدارة باكستان في عام 2006، بعدما هاجم مسلحون القوات الهندية في أوري، لكن باكستان نفت ذلك.
وفي 2019، نفذت القوات الجوية الهندية، ضربة جوية، رداً على هجوم نفذه مسلحون على رتل عسكري هندي في منطقة بولواما بمنطقة جامو كشمير، أودى بحياة أكثر من 40 جندياً هندياً، وقالت نيودلهي حينها إنها استهدفت مخابئ لمسلحين.
وفي وقت لاحق، ردت القوات الجوية الباكستانية عليها، ودمرت إحدى المقاتلات الهندية وأسرت طياراً هندياً.
ويرى مراقبون أنه بسبب هاتين المواجهتين، هناك ضغط كبير على حكومة الهند للتحرك ضد باكستان، خاصة بعد هجوم عام 2019، واعتبر شارما، في تصريحات لـ”الشرق”، أن “ما حدث، حتى الآن، هو نوع من الانتقام الدبلوماسي، لكن هذا لن يتقبله الهنود لأنهم يريدون رؤية شيء أكبر”.
رد هندي مفاجئ
وتتجه كل الأنظار الآن إلى كيفية رد نيودلهي، وسط مخاوف من حدوث تصعيد عسكري.
ووصف السياسيٌّ البارزٌ وسفيرٌ الهند السابق لدى باكستان، ماني شاكر أيار، في تصريحات لـ”الشّرق”، رئيس الوزراء الهندي مودي، بأنه “شخصٌ يُحب الرد، لكن هذه المرة، ستكون باكستان مستعدة أيضاً، لذا سيحدث ذلك ولكن في الوقت المناسب. سيكون عنصراً مفاجئاً، وهو ما لن تكون باكستان مستعدة له أيضاً”.
وأضاف: “جميع الأنشطة الدفاعية والدبلوماسية الحالية تشير إلى أن الهند تستعد للرد، لكن الهند لا ترغب في خوض حرب شاملة.. سيفعل رئيس الوزراء الهندي شيئاً لمجرد إظهاره للرأي العام”.
وتوقع البعض أن يكون الرد خلال أيام بعد الانتهاء من دراسة الخيارات العسكرية المتاحة، بما في ذلك القدرات التي تسمح لنيودلهي بالرد من داخل حدودها.
ونقلت صحيفة “ذا إنديان إكسبريس” الهندية، عن مصدر وصفته بأنه رفيع المستوى في حكومة مودي قوله: “سيكون هناك رد عسكري، ونحن مستعدون.. نحن نناقش فقط طبيعة الضربة.. لدينا خيار استهداف الإرهابيين من داخل أراضينا”.
وبشأن طبيعة رد الهند المُحتمل، قال الخبير في العلاقات الهندية الباكستانية، أوما شانكار سينج، في تصريحات لـ”الشرق”: “حتى الآن فعلت الهند ما أرادت فعله، ولا أعتقد أنها ستذهب إلى أبعد من ذلك في هذه اللحظة”.
وأوضح: “كانت الضربة الهندية في عام 2016 والضربة الجوية في بالاكوت عام 2019 (على مواقع قالت نيودلهي إنها لمسلحين في الشطر الباكستاني من كشمير) بمثابة عناصر المفاجأة لباكستان، وهذه المرة تستعرض باكستان عضلاتها مسبقاً، وبالتالي هناك خطر من أن ترد، وربما تحاول تحويل الأمر إلى حرب شاملة”.
وأعرب سينج، عن اعتقاده بأن “الهند ستجمع كل الأدلة الملموسة عن الهجوم، ثم تحاول إقناع دول مثل الولايات المتحدة بأنها ستهاجم، وتطالبها بمنع باكستان من الرد”.
ومنذ الهجوم، أجرى مودي اتصالات هاتفية مع أكثر من 12 زعيماً عالمياً، كما أطْلعت وزارة الخارجية دبلوماسيين من 100 بعثة في العاصمة الهندية على آخر المستجدات.
لكن وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، لا يهدف هذا الجهد إلى حشد الدعم لتهدئة المواجهة الخطيرة، بل يبدو أن نيودلهي تُعدّ العدة لعمل عسكري ضد جارتها.
وتابع سينج: “أعتقد أن الرد سيستغرق بعض الوقت، وسيتم استخدام بعض الدول كأدوات لتجنب الأعمال الانتقامية من باكستان. لا يمكن لأحد التنبؤ بالتوقيت، لأن الهند تريد اتخاذ جميع الاحتياطات”.
استعدادات باكستان
المحلل الباكستاني والخبير في الشؤون الاستراتيجية، سلطان هالي، يرى أن هذا هو النهج الهندي القديم، موضحاً: “استخدموا في الماضي الأسلوب نفسه، وها هم يكررونه، لا يمكنهم إيقاف مياه باكستان لوجود معاهدة لا يمكن إلغاؤها من جانب واحد، وليس لديهم بنية تحتية تُمكّنهم من وقف تدفق الأنهار”.
ويعتقد هالي، أن “ساحات المعارك لن تُسفر عن حل، والهند لا تريد حرباً ثالثة، لأن هناك حربان وقعتا بالفعل بين البلدين في عهد مودي، ولأن باكستان ربما تُحوّلها إلى حرب شاملة وتُحمّل الهند كامل المسؤولية، لذا هناك خطرٌ إن حدث ذلك”.
واستبعدت الصحافية الباكستانية قرة العين شيرازي، الخبيرة في الشؤون الخارجية، في تصريحات لـ”الشرق”، أن يؤدي هذا التوتر إلى حرب ثالثة، فحكومة مودي تُصدر تصريحات قاسية منذ فترة طويلة.. كلاهما دولتان نوويتان.. لكن إذا هاجمت الهند، فسترد باكستان. سيكون رداً متكافئاً، وليس حرباً شاملة.. حدث هذا في الماضي، لذا ربما يتكرر هذه المرة أيضاً”.
ويتفق نيشانت شارما يتوافق، مع رؤية شيرازي، إذ يرى أن “الهند لن تلجأ إلى حرب شاملة”، ومع ذلك، فإن أي ضربات عسكرية من الهند ربما تُثير رد فعل انتقامي من باكستان، التي ترى لن تُلام على رد فعلها.