– عمر علاء الدين

خلال جلسة تشاورية بدأتها “الهيئة الوطنية للمفقودين” في دمشق وحضرتها، في 5 من تموز الحالي، تحدثت مها سلطان محمد عن والدها المعتقل منذ 2013، وشقيقيها المعتقلين في عام 2014، إضافة إلى ستة من أولاد أعمامها المعتقلين.

شاركت مها في الجلسة أملًا في إيصال صوتها لكل من يستطيع المساعدة بشأن أبيها وأخويها والتحقق من مصيرهم.

شارك في تلك الجلسة العديد من ذوي الضحايا والمفقودين والمغيبين قسرًا، وأدارها الدكتور جلال نوفل، عضو الفريق الاستشاري في “الهيئة الوطنية المفقودين”.

وشدد المشاركون والمشاركات على ضرورة أن تأخذ العدالة مجراها، ومحاسبة المتورطين في الإخفاء القسري لأكثر من 100 ألف شخص خلال الحرب في سوريا، وفق تقديرات عدد من المنظمات المهتمة بهذا الأمر، أبرزها الآلية الأممية المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا.

مها قالت ل، إنها بعد التحرير (سقوط نظام الأسد في 8 من كانون الأول 2024)، شاركت بكل الفعاليات المطالبة بالعدالة وكشف المصير للأشخاص المفقودين.

وتحاول مها إقناع نفسها أنه بعد ستة أشهر من سقوط النظام، لم يعد لهؤلاء الأشخاص (ذووها المفقودون) وجود، “لكن هنا يُطرح السؤال، في حال وفاتهم، أين رفاتهم؟ أين المتورطون بإخفائهم؟ وهل تجري المحاسبة؟”، تتساءل مها.

وتطالب بالشفافية والمحاسبة، معبرة عن شكرها لـ”الهيئة” لمشاركتها أهالي المفقودين والمعتقلين والمغيبين قسرًا بالنشاطات والإنجازات.

وقالت، “إضافة إلى أننا أصحاب الحق في المطالبة، من الممكن أن يبنى تدخل كامل على مستوى سوريا، بناء على توصيات ومداخلات ذوي الضحايا”.

وأشادت مها بهذه الخطوة معبرة عن أملها بأن تشارك “الهيئة الوطنية للمفقودين” كل ما تقوم بإنجازه مع أهالي الضحايا.

بوصلة العمل

عضو الفريق الاستشاري في “الهيئة الوطنية للمفقودين” ومستشارتها الإعلامية زينة شهلا، قالت بدورها، إن عائلات المفقودين والمفقودات هم بوصلة عمل “الهيئة”، وصلبها، مشيرة إلى عدم إمكانية “الهيئة” بالقيام بأي خطوة دون الرجوع للعائلات، والتعرف إلى احتياجاتهم ومطالبهم وتوقعاتهم والأشياء التي ينتظرونها من “الهيئة الوطنية للمفقودين”.

وفي حديث إلى، شددت شهلا على أهمية توضيح ما تقوم به “الهيئة” في المرحلة المقبلة من نشاطات وإنجازات، وتوضيح أساليب التواصل والإبلاغ عن حالات، ورغم أن هذا الملف يحمل شحنة إنسانية وعاطفية، فإن “الهيئة” تعمل “بشكل مهني وعلمي”، على حد تعبير المستشارة الإعلامية.

وبحسب شهلا، فإن “الهيئة الوطنية للمفقودين” معنية بالبحث عن كل المفقودين من السوريين وغير السوريين داخل سوريا، والمفقودين السوريين خارجها، كما أن “الهيئة” ستتعاون مع كل الهيئات والكيانات الدولية أو المحلية الحكومية وغير الحكومية التي تستطيع تقديم أي نوع من أنواع الدعم سواء قواعد بيانات أو دعم بالتوثيق، والدعم التقني المتعلق بالكشف عن الحمض النووي وغيره، وكل ذلك تحت سيادة الدولة السورية.

ومن الصعب، وفق ما قالته المستشارة الإعلامية، وضع جدول زمني لخطة البحث عن المفقودين والمفقودات، قائلة إنه بالنظر إلى تجارب دول أخرى، ففي بعض الحالات، للأسف بقي ملف المفقودين مفتوحًا لـ30 أو 40 عامًا، معربة عن تمنيها بأن تصل “الهيئة” لجميع الإجابات حول المفقودين في أسرع الوقت، إلا أنها وصفت هذا الأمر بـ”غير المنطقي”.

وأضافت، “نتحدث عن مئات آلاف المفقودين وكمية هائلة من الداتا (البيانات) والوثائق والأماكن التي يجب البحث فيها، إضافة إلى خبرات تقنية ليست موجودة بالكامل في سوريا”.

وبسؤالها عن العدد الحقيقي للمفقودين في سوريا إذا وصلت “الهيئة” إلى عدد حقيقي، ذكرت شهلا أن أي جهة لا تمل

ك معلومات عن العدد الحقيقي للمفقودين في سوريا، خصوصًا أن حالات الإبلاغ عن مفقودين في تزايد مستمر، إذ إن هناك عائلات لم تقم سابقًا بالإبلاغ عن مفقوديها لأسباب أمنية وسياسية، باتت تبلغ اليوم.

مشاورات الهيئة الوطنية للمفقودين مع ذوي الضحايا تهدف لخلق مساحات آمنة للبوح عن مخاوفهم - 5 تموز 2025 (/عمر علاء الدين)

مشاورات الهيئة الوطنية للمفقودين مع ذوي الضحايا تهدف لخلق مساحات آمنة للبوح عن مخاوفهم – 5 تموز 2025 (/عمر علاء الدين)

ثوابت لا حياد عنها

رئيس “الهيئة الوطنية للمفقودين”، محمد رضا جلخي، وصف في كلمة له خلال الجلسة التشاورية مع أهالي الضحايا، مهمة البحث عن المفقودين بـ”الكبيرة والمعقدة”.

وأشار جلخي إلى أن هذه المهمة لا يمكن إنجازها إلا بالصبر، وبالثقة المتبادلة، وبدعم من الجميع، العائلات والحكومة والمجتمع المدني والشركاء الدوليين، قائلًا، “نحتاج إلى وقت وإلى موارد وإلى عمل جماعي دؤوب حتى نصل إلى نتائج ملموسة”.

ووعد جلخي أهالي المفقودين المشاركين بما وصفها بـ”ثوابت لا حياد عنها”:

شفافية كاملة

كل معلومة وكل خطوة ستُشارك مع أهالي المفقودين أولًا.

أولوية مطلقة لاحتياجات العائلات، سواء من الدعم النفسي، أو المشورة القانونية، أو المشاركة الفعلية في صنع القرار.

وطلب جلخي من أهالي الضحايا أمرين، الأول “لا تسمحوا لليأس أن يكسر بوصلتنا، فصبركم هو الشريان الذي يُبقي هذا الطريق حيًا”، والثاني، “احكوا قصصكم مرارًا وتكرارًا، لأن القصة التي لا تُروى تموت مرتين، ونحن هنا لنتأكد أن قصصكم ستُروى، وتُسمع، وتُحترم”.

مها سلطان محمد، التي فقدت والدها وأخويها، هي عضو في “خيمة الحقيقة” الموجودة في مخيم “اليرموك” بدمشق، وهي فلسطينية الأصل، وتحاول إيصال صوت الفلسطينيين الذين تعرضوا للانتهاكات والاعتقالات، قائلة، “مثلنا مثل إخوتنا السوريين، نحن ولدنا هنا وعشنا هنا، شاركنا الألم الذي عاشه إخوتنا”.

ووثقت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” وجود أكثر من 3300 معتقل ومفقود من الفلسطينيين المقيمين في سوريا.

دعم وتوصية

رئيسة “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا”، كارلا كينتانا، رحبت بمرسوم الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بتشكيل “الهيئة الوطنية للمفقودين” في سوريا، وتعيين الدكتور رضا رئيسًا لها، في 17 أيار الماضي.

كينتانا قالت في حديث سابق إلى، إن “إنشاء الهيئة الوطنية خطوة فعالة نحو قضية المفقودين وعلاقتها بالمصالحة الوطنية وبناء السلام. إنه اعتراف بالألم الذي تشعر به العائلات على أحبائها المفقودين والجرح الذي لا يزال مفتوحًا بكل بيت في سوريا”.

وأضافت، “في إطار ولايتنا الإنسانية، تدعم المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين جهود سوريا للبحث عن جميع المفقودين دون استثناء، لقد فُقد أشخاص في سوريا خلال أكثر من 50 عامًا من حكم النظام، بما في ذلك 14 عامًا من الحرب”.

ما “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا”

تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 من حزيران 2023، وهي كيان تابع للأمم المتحدة، جاء “استجابة للنداءات العاجلة من أفراد أسر الآلاف من الأشخاص المفقودين في سوريا لاتخاذ إجراءات لتحديد مصيرهم ومكان وجودهم”.

وينص القرار التأسيسي لـ”المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين” على ما يلي:

  • توضيح مصير ومكان وجود جميع الأشخاص المفقودين في سوريا.
  • توفير الدعم الكافي للضحايا، بمن في ذلك الناجون والناجيات وأسر المفقودين.

وتشير جهود منظمات المجتمع المدني ومجموعات الضحايا على مدى سنوات عديدة إلى أن أعداد المفقودين تتجاوز 100,000 شخص، بحسب رئيسة “المؤسسة المستقلة”.

وتابعت أن “المؤسسة المستقلة” يمكنها تقديم الدعم الفني ومنهجيات الطب الشرعي المتقدمة وخطط البحث المحددة، وتعزيز البنية التحتية الوطنية وقدرات الموارد البشرية اللازمة للبحث، وتقديم الدروس المستفادة السابقة من التجارب الدولية المختلفة، وتنسيق الدعم الدولي للجهود الوطنية، وغيرها من الجهود.

وخلال حديثها ل، قدمت رئيسة “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا”، كارلا كينتانا، عدة توصيات لـ”الهيئة الوطنية للمفقودين” هي:

البحث عن المفقودين في سوريا مهمة هائلة لا يمكن لأحد أن يقوم بها بمفرده، ومن الضروري التعاون مع جميع الهيئات الفاعلة والجهات المعنية ذات الصلة. يجب أن تتضافر جهود الجميع لدفع هذا الأمر إلى الأمام.
إشراك العائلات ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل على هذا الأمر منذ سنوات أمر حيوي في عملية البحث عن المفقودين في سوريا.
لـ”المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين” دور مهم في تقديم المعرفة والخبرة الخاصة والعمل معًا لدعم الجهود الوطنية.

المصدر: عنب بلدي

شاركها.