في البحر الكاريبي، تهب رياح مواجهة جديدة بين واشنطن وكاراكاس، حيث يشن الجيش الأميركي ضربات يقول إنها تستهدف قوارب تُستخدم في تهريب المخدرات، بينما تعتبرها فنزويلا “عدواناً عسكرياً يستهدف مدنيين لم يكونوا في حالة حرب”.

وتركز الإدارة الأميركية خطابها على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي تصفه بأنه “زعيم استبدادي”، وقد وُجهت إليه في الولايات المتحدة عام 2020 اتهامات بالاتجار بالمخدرات.

وسمح الرئيس الأميركي دونالد ترمب لوكالة الاستخبارات المركزية CIA بتنفيذ عمليات داخل فنزويلا، كما تدرس إدارته توجيه ضربات برية مع سعي بعض مساعدي ترمب إلى الإطاحة بمادورو، وفق صحيفة “نيويورك تايمز”.

وقالت الصحيفة،  إن الهجمات الأميركية على القوارب لم تقتصر على الأهداف الفنزويلية، إذ بدأت تداعياتها تتسع لتشمل دولاً أخرى، وعلى رأسها كولومبيا.

بأوامر من ترمب، بدأ الجيش الأميركي في شن هجمات على سفن في البحر الكاريبي في مطلع سبتمبر الماضي، وتؤكد الإدارة الأميركية، أن العمليات جرت في المياه الدولية، وأن الركاب الذين كانوا على متن تلك السفن ينتمون إلى عصابات لتهريب المخدرات.

ضربات متصاعدة

واستندت الإدارة الأميركية إلى معلومات استخباراتية لدعم مزاعمها، لكنها لم تقدم أي أدلة تثبت تلك الاتهامات، بحسب “نيويورك تايمز”.

وبحسب التقديرات الرسمية، فإن 7 ضربات أميركية أودت بحياة 32 شخصاً.

وفي 2 سبتمبر الماضي، أعلن ترمب أن الضربة الأميركية الأولى استهدفت قارباً، وأودت بحياة 11 شخصاً، مشيراً إلى أنهم ينتمون إلى عصابة “ترين دي أراجوا” الفنزويلية التي صنفتها إدارته “منظمة إرهابية”.

وفي 15 سبتمبر الماضي، أشار ترمب إلى أن الضربة الثانية أودت بحياة 3 أشخاص، ووصفهم بأنهم “إرهابيون من فنزويلا يتاجرون بالمخدرات”، دون أن يحدد المجموعة التي ينتمون إليها.

وفي المقابل، قال الرئيس الكولومبي، جوستافو بيترو لاحقاً، إن أحد الضحايا كان صياداً كولومبياً، متهماً الولايات المتحدة بـ”القتل”.

وأعلن ترمب، في 19 سبتمبر، أن الجيش هاجم قارباً ثالثاً في الكاريبي، ما أسفر عن سقوط 3 أشخاص من دون أن يقدم تفاصيل إضافية، بينما قالت السلطات في جمهورية الدومينيكان لاحقاً إنها صادرت كميات من مخدر الكوكايين من موقع الحادث.

وبعدما نفّذ الجيش الأميركي في الثالث من أكتوبر الجاري ضربته الرابعة، التي أودت بحياة 4 أشخاص، قال الرئيس الكولومبي، إن القارب كان يقل مواطنين كولومبيين.

وفي الرابع عشر من الشهر نفسه، نفّذ الجيش الأميركي الضربة الخامسة التي أودت بحياة 6 أشخاص في المياه الدولية، لكنها وقعت “قرب السواحل الفنزويلية”، وفقاً لترمب.

وقال أقارب شاب يبلغ من العمر 26 عاماً من ترينيداد وتوباجو إن “الضربة أودت بحياته هو وجاره”.

أما الضربة السادسة، التي نُفذت في 16 أكتوبر، فقد استهدفت غواصة شبه مغمورة، ما أودى بحياة شخصين، وفقاً للرئيس الأميركي، بينما أنقذت البحرية اثنين من الناجين وأعادتهم إلى كولومبيا والإكوادور.

وفي الضربة السابعة في 17 أكتوبر، قتل الجيش الأميركي 3 رجال اتهموا بتهريب المخدرات لصالح جماعة جيش التحرير الوطني (E.L.N)، وهي حركة تمرد ماركسية كولومبية صنفتها وزارة الخارجية الأميركية “منظمة إرهابية” عام 1997.

 وقال وزير الدفاع الأميركي، بيت هيجسيث، الأربعاء، إن الجيش الأمريكي قتل خمسة يشتبه في أنهم مهربو مخدرات في ضربات استهدفت سفينتين بشرق المحيط الهادئ.

وذكر هيجسيث، أن الجيش هاجم سفينة في شرق المحيط الهادئ وقتل شخصين، الثلاثاء، وبعد ساعات، أشار إلى أن الجيش هاجم سفينة أخرى في شرق
المحيط الهادئ، الأربعاء، مما أسفر عن قتل ثلاثة أشخاص.

لماذا يشن ترمب عمليات عسكرية في الكاريبي؟

وبرّرت إدارة ترمب الهجمات على القوارب باعتبارها “دفاعاً عن النفس”، فيما تشهد الولايات المتحدة ارتفاعاً في الوفيات الناجمة عن تناول جرعات زائدة من المخدرات، غير أن موجة الوفيات الأخيرة تُعزى أساساً إلى مادة “الفنتانيل” القادمة من المكسيك، في حين تُعد أميركا الجنوبية مصدراً رئيسياً للكوكايين الذي يُنتَج معظمه في كولومبيا.

ودفعت الإدارة الأميركية بقدرات بحرية ضخمة إلى منطقة الكاريبي، تفوق بكثير ما تتطلبه مهمة تدمير زوارق صغيرة، بينما تبحث في شن عملية تهدف إلى الإطاحة بالرئيس الفنزويلي، الذي تصفه بأنه “زعيم عصابة مخدرات”.

ويؤيد هذا التوجّه، عدد من الشخصيات البارزة في الإدارة، من بينهم وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، ماركو روبيو، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، جون راتكليف.

كيف ردت فنزويلا؟

من جانبه، وصف الرئيس، نيكولاس مادورو، الضربات بأنها “جريمة شنيعة”، و”هجوم عسكري على مدنيين لم يكونوا في حالة حرب، ولم يشكلوا تهديداً عسكرياً لأي دولة”.

وأضاف: “إذا كانت الولايات المتحدة تعتقد أن ركاب القوارب مهربون للمخدرات، فعليها اعتقالهم لا قتلهم”.

كما حذر مادورو من أنه سيرد على أي عمل عسكري أميركي بـ”مقاومة مسلحة”، بينما أعلنت حكومته في منتصف أكتوبر الجاري أنها أطلقت تعبئة عسكرية واسعة، وبدأت تدريب المدنيين على القتال الدفاعي تحسباً لأي غزو أميركي محتمل.

هل الهجمات الأميركية قانونية؟

يشكك عدد كبير من المتخصصين في قوانين استخدام القوة في مزاعم إدارة ترمب التي تقول إنها تملك الحق القانوني في سقوط أشخاص يُشتبه بتورطهم في تهريب المخدرات كما لو كانوا مقاتلين أعداء في حرب.

وعادةً ما تعاملت الولايات المتحدة مع عمليات تهريب المخدرات عبر البحر كمسألة إنفاذ قانون، من خلال اعتراضات خفر السواحل، لكن إدارة ترمب أكدت أن عمليات القتل قانونية.

وفي رسالة إلى الكونجرس بعد الضربة الأولى، وصف ترمب الهجوم بأنه “دفاع عن النفس”.

وفي إشعار آخر إلى الكونجرس بشأن ضربة 15 سبتمبر، قال البيت الأبيض إن ترمب “قرر” أن الولايات المتحدة باتت في “حالة نزاع مسلح رسمي” مع عصابات تهريب المخدرات التي صنفها فريقه كـ”منظمات إرهابية”.

ورفضت الإدارة الأميركية تلبية الطلبات المقدمة لها لتقديم الأساس القانوني أو التحليل الذي يدعم استنتاجها بأن الوضع يرقى إلى “نزاع مسلح”، بما في ذلك توضيح الكيفية التي تربط بها بين جرائم تهريب المخدرات والأعمال القتالية المسلحة.

هل يحتاج ترمب إلى موافقة الكونجرس الأميركي؟

لم يمنح الكونجرس أي تفويض لخوض نزاعٍ مسلح ضد عصابات تهريب المخدرات. وبصرف النظر عمّا إذا كان من القانوني استهداف المشتبه بتورطهم في التهريب وقتلهم دون محاكمة، تبقى مسألة ما إذا كان أي رئيس يحتاج إلى تفويض من الكونجرس لتنفيذ عمليات عسكرية، ومتى يُطلب ذلك التفويض، “موضع جدل” واسع في الأوساط السياسية والقانونية.

ويرى خبراء في وزارة العدل الأميركية من الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) أن أي رئيس، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، يملك صلاحية تنفيذ ضربات محدودة تخدم المصلحة الوطنية من تلقاء نفسه، طالما أن طبيعة العمليات ومدتها ونطاقها لا ترقى إلى مستوى “الحرب” بالمعنى الدستوري.

لكن مع تحول الضربات المنفردة إلى حملات عسكرية طويلة المدى، تزداد الضغوط على البيت الأبيض للحصول على موافقة الكونجرس.

ويقضي قانون سلطات الحرب، الصادر خلال حقبة حرب فيتنام في منتصف القرن الماضي، بضرورة إنهاء أي انتشار عسكري بعد 60 يوماً إذا لم يكن النزاع قد حصل على تفويض من الكونجرس.

ما هي القدرات الأميركية المنتشرة في المنطقة؟

وأشارت وكالة “أسوشيتد برس”، الأربعاء، إلى أن الجيش الأميركي عزز وجوده العسكري في البحر الكاريبي والمياه المقابلة لسواحل فنزويلا بشكل غير معتاد منذ الصيف الماضي، حين بدأت إدارة ترمب بنقل معداتها إلى المنطقة ضمن ما تصفه بـ”حربها ضد الإرهاب المرتبط بالمخدرات”.

وتنتشر في المنطقة، 8 سفن حربية تابعة للبحرية الأميركية، تضم 3 مدمرات، و3 سفن إنزال هجومية، وطراداً، وسفينة قتال ساحلية صغيرة صُممت للعمليات القريبة من الشواطئ.

وتُشكل سفن الإنزال الثلاث مجموعة جاهزية برمائية ترافقها وحدة مشاة بحرية استطلاعية، ما يعني أن على متنها أيضاً مجموعة متنوعة من المروحيات التابعة للمارينز، وطائرات “أوسبري” ذات الإقلاع العمودي، ومقاتلات “هارير” القادرة على نقل أعداد كبيرة من الجنود أو تنفيذ ضربات على أهداف برية وبحرية.

ورغم أن المسؤولين الأميركيين، لم يقدموا أرقاماً محددة، فإن المدمرات والطرادات عادة ما تُزود بصواريخ “توماهوك” المجنحة، القادرة على ضرب أهداف تبعد مئات الأميال عن موقع الإطلاق.

كما تعمل غواصة البحرية الأميركية (USS Newport News) في نطاق أوسع من أميركا الجنوبية، وهي مزودة بصواريخ مجنحة وقادرة على إطلاقها.

وأرسل سلاح مشاة البحرية الأميركي سرباً من مقاتلات (F-35B Lighting II) المتطورة إلى مهبط طائرات في بورتو ريكو، بعد أن رُصدت وهي تهبط في الجزيرة منتصف سبتمبر الماضي.

كما رُصدت طائرات (MQ-9 Reaper) المُسيرة التابعة لسلاح الجو الأميركي، القادرة على الطيران لمسافات طويلة، وحمل ما يصل إلى 8 صواريخ موجهة بالليزر، وهي تنطلق من بورتو ريكو في التوقيت نفسه، بحسب صور الأقمار الصناعية التجارية ومتابعي الأنشطة العسكرية والمصورين الصحافيين.

وأُفيد على نطاق واسع بأن البحرية الأميركية تُشغل أيضاً طائرات الدورية البحرية (P-8 Poseidon) في المنطقة.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، نشرت القوات الجوية الأميركية صورة لطائرة (AC-130J Ghostrider)، وهي طائرة هجومية مزودة بمدافع ثقيلة قادرة على إطلاق نيران دقيقة على أهداف أرضية، أثناء وقوفها على مدرج في بورتو ريكو.

كما شهدت المنطقة مرور عدد كبير من الطائرات العسكرية الأميركية مؤقتاً ضمن عمليات مختلفة، منها تحليق مجموعة من قاذفات (B-52 Stratofortress) الأسبوع الماضي، فيما وصفته وزارة الحرب “البنتاجون” بأنه “عرض هجومي للقاذفات”، وفق الصور المنشورة على الإنترنت.

ويُقدر عدد البحارة ومشاة البحرية الأميركيين المنتشرين في المنطقة بأكثر من 6 آلاف عنصر، استناداً إلى السفن التي أكدها مسؤولو الدفاع.

ولم يعلن “البنتاجون” أرقاماً محددة بشأن عدد الطائرات المُسيرة أو الطائرات أو أفراد الأطقم الأرضية في المنطقة، ما يجعل تأثيرهم في العدد الإجمالي غير معروف.

شاركها.