يبدو الرسم البياني الذي يمثل سعر صرف العملة اليابانية أكثر هدوءا من الرسم البياني لليرة التركية، ولكن وراءه أيضا قصة اقتصادية طويلة ومتواصلة.

اليابان تحيّر العالم

على مدار الثلاثين عاما الماضية، عانى ثالث أكبر اقتصاد في العالم من تباطؤ النمو، وتراجع التركيبة السكانية، وانخفاض أسعار الفائدة إلى الصفر، والتي كادت أن تصبح سمة مميزة.

وفي هذا الصدد، يقول الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة ألتشولر شاهام للخدمات المالية، يوسي ميناشي: “اليابان اقتصاد غريب، لقد كانوا أول من خفّض أسعار الفائدة إلى الصفر في العالم في أوائل الألفية الثانية وآخر من استمرّ على هذا المنوال لفترة طويلة بعد أن بدأ العالم كله برفع أسعار الفائدة، حتى عندما كان العالم يعاني من التضخم، لم يتمكنوا ببساطة من تحقيق ذلك”.

ويضيف: أن الأمر لا يقتصر على السياسة النقدية فحسب، “المشكلة في اليابان أعمق إنها مزيج من التركيبة السكانية والنفسية، لا توجد موجات هجرة، ولا يكاد يُلاحظ أي تغيير في نمط الحياة، ويتزايد عدد السكان، إنها دولة لا يأتي فيها جيل شاب ليحل محل الجيل الأكبر سنا، والطلب المحلي لا يكفي لتحقيق النمو”.

وهكذا، أصبح “العقد الضائع” لليابان في التسعينيات عقدا آخر، إذ يقول ميناشي: “يحاولون مرارا وتكرارا تحفيز الاقتصاد، لكن ذلك لا يُجدي نفعا، فعندما لا يكون هناك عدد كافٍ من الشباب، لا يوجد من يُموّل الجيل المُتقاعد، إنها ليست مجرد قضية اجتماعية، بل هي مسألة اقتصادية، يعتمد نموذج الرعاية الاجتماعية الغربي بأكمله على وجود شريحة سكانية شابة كبيرة قادرة على دفع الضرائب وتمويل النظام، أما في اليابان، فهذا غير موجود”.

ويُشير ميناشي، إلى سبب آخر لانعدام أهمية الين اليوم، إلى جانب حالة الاقتصاد الياباني، وهو تراجع شعبية استراتيجية تداول الفائدة المربحة (Carry Trade)، وهي استراتيجية تداول كانت شائعة في الماضي، حيث يقترض الشخص بعملة ذات فائدة منخفضة ويستثمر المال في عملة أخرى ذات فائدة أعلى، بهذه الطريقة، تمتع المستثمرون بأرباح فارق سعر الفائدة، طالما ظلت أسعار الصرف مستقرة.

لسنوات، كان الين الياباني أساسا شائعا لهذه الاستراتيجية، بفضل نظام أسعار الفائدة الصفرية طويل الأمد في اليابان، كما يوضح.

ويتابع: “لكن في السنوات الأخيرة، تراجعت أهمية هذه الطريقة، فقد ازدادت تقلبات السوق، وتقلصت فروق أسعار الفائدة، ولم يعد الين يُعتبر عملة الملاذ الآمن التي يلجأ إليها الناس عند تقلبات أسواق رأس المال، كما كان في السابق”.

وخلاصة القول، مع أن انخفاض الأسعار عاما بعد عام وانعدام فوائد الرهن العقاري قد يبدو حلما جميلًا للكثيرين منا في الوقت الحالي، إلا أن الدرس المستفاد من تجربة اليابان هو أن هذا الحلم أقرب إلى كابوس، وأن التضخم الصحي، الناتج عن زيادة الطلب لا عن انخفاض العرض أو تركيز الاقتصاد، هو أيضا علامة على اقتصاد سليم وقوي، والأهم من ذلك، اقتصاد نامٍ.


اليابان تحيّر العالم: اقتصاد بلا نمو ولا تضخم.. فكيف تحولت لهذا الشذوذ

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.