تدرس رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي مراجعة المبادئ الراسخة لعدم امتلاك الأسلحة النووية، في خطوة قد تشكل تحولاً كبيراً في سياسة طوكيو الأمنية وسط بيئة إقليمية متوترة ومعقدة، وفق ما نقلته وكالة “كيودو” للأنباء عن مصادر حكومية يابانية.
وتُعد اليابان الدولة الوحيدة التي تعرضت لقصف نووي، وتمسّكت بثلاثة مبادئ تقوم على “عدم امتلاك الأسلحة النووية أو إنتاجها أو السماح بإدخالها”، غير أن طوكيو ترى حالياً أن المبدأ الثالث يضعف فعالية الردع النووي الذي توفره الولايات المتحدة، بحسب المصادر.
وكانت تاكايتشي قالت أمام البرلمان الياباني في 7 نوفمبر الجاري، إن استخدام القوة ضد تايوان التي تطالب بها الصين “قد يبرّر رداً عسكرياً من طوكيو”. وأكدت اليابان منذ ذلك الحين أن موقفها من تايبيه، التي تبعد 100 كيلومتر فقط عن أقرب جزيرة يابانية “لم يتغير”.
استراتيجية الأمن القومي
وتجري دراسة مراجعة المبادئ في وقت تخطط فيه حكومة تاكايتشي، الساعية إلى تعزيز القدرات الدفاعية لليابان، لتحديث استراتيجية الأمن القومي طويلة المدى وبرنامج بناء القدرات الدفاعية للمرة الأولى منذ عام 2022، وسط تنامي القلق من الأنشطة العسكرية لكل من الصين وكوريا الشمالية وروسيا، وجميعها دول نووية.
وعلى الرغم من التمسك بدستورها الذي يدعو إلى السلام ويرفض الحرب، فقد خفّفت اليابان خلال العقد الماضي قيودها الدفاعية المفروضة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وتعتمد طوكيو على الردع النووي الأميركي للحماية، وهو ما يقول بعض المنتقدين إنه يتنافى مع المبادئ النووية الثلاثة، بحسب وكالة “كيودو”.
ومن المتوقع أن يثير سعي اليابان إلى تغيير السياسة النووية ردود فعل محلية ودولية، نظراً إلى تعارضه مع الجهود الهادفة إلى تحقيق عالم خالٍ من الأسلحة النووية، وهي رغبة عميقة لدى الناجين المسنّين من القصف النووي في اليابان.
وقد أعلن رئيس الوزراء الأسبق، إيساكو ساتو، المبادئ الثلاثة لأول مرة في البرلمان عام 1967، لتتحوّل لاحقاً إلى عقيدة وطنية. وفاز ساتو بجائزة نوبل للسلام عام 1974 تقديراً لإعلانه وإسهاماته في تعزيز السلام.
ووفقاً للمصادر الحكومية، ليس لدى تاكايتشي نية لمراجعة المبدئين المتعلقين بعدم امتلاك وإنتاج الأسلحة النووية، نظراً لكون اليابان طرفاً في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي تصفها بأنها حجر الأساس لنظام نزع السلاح النووي الدولي.
السفن الأميركية
لكن رئيسة الوزراء تشعر بالقلق من أن الالتزام بمبدأ عدم السماح بإدخال الأسلحة النووية إلى اليابان قد يعيق دخول السفن الأميركية المسلحة نووياً إلى الموانئ، وهو ما قد يضعف الردع النووي في حال وقوع حدث طارئ، وفقاً للمصادر.
ويرى بعض المسؤولين في الحكومة أن استراتيجية الأمن القومي الجديدة يجب أن تتجنب النص على التزام اليابان بالمبادئ الثلاثة، أو أن تعتمد صياغة مختلفة بشأن مبدأ إدخال الأسلحة النووية.
ومن المتوقع أن يبدأ الحزب الليبرالي الديمقراطي قريباً محادثات تهدف إلى تحديث استراتيجية الأمن القومي، بهدف تقديم مقترح بحلول الربيع المقبل.
وستمهد المناقشات الطريق أمام الحكومة لمراجعة وثائق استراتيجية الأمن بحلول نهاية العام المقبل.
ونصت الاستراتيجية المعتمدة عام 2022 على أن اليابان “ستلتزم بالسياسة الأساسية المتمثلة في الحفاظ على سياسة موجهة حصرياً نحو الدفاع الوطني، وعدم التحول إلى قوة عسكرية تُشكل تهديداً للدول الأخرى، والالتزام بالمبادئ الثلاثة لعدم امتلاك الأسلحة النووية”.
وتجنّبت تاكايتشي، التي أصبحت رئيسة للوزراء في 21 أكتوبر الماضي، التعليق في البرلمان على ما إذا سيستمر الالتزام بالمبادئ الثلاثة في وثائق السياسة الأمنية الجديدة، قائلة إن الوقت غير مناسب للتعليق على الأمر.
وقد خضعت المبادئ الثلاثة لتدقيق مكثف قبل أكثر من عقد، وذلك عندما أقرت لجنة بوزارة الخارجية اليابانية بوجود اتفاق سري بين اليابان والولايات المتحدة خلال حقبة الحرب الباردة، أتاح لطوكيو السماح للسفن الأميركية المسلحة نووياً بزيارة الموانئ اليابانية دون إجراء مشاورات مسبقة محددة.
وقال وزير الخارجية السابق كاتسويا أوكادا، الذي عمل على كشف الاتفاق خلال الفترة التي لم يكن فيها الحزب الليبرالي الديمقراطي في السلطة، أمام البرلمان عام 2010 إنه “يجب اتخاذ قرار” بشأن الظروف الأمنية الوطنية التي تسمح لسفينة تحمل أسلحة نووية بدخول ميناء ياباني.
