تتصاعد حدة الخلافات بين الصين واليابان، على خلفية تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بشأن تايوان، وسط اتهامات وانتقادات متبادلة، بينما يسهم “غياب قنوات تواصل قوية ومستقرة” بين الجانبين، في تعميق الأزمة وتعطيل جهود احتوائها.
وألقت الأزمة بظلالها أيضاً على علاقات البلدين مع كوريا الجنوبية، إذ أعلنت بكين، الاثنين، تأجيل اجتماع ثلاثي لوزراء الثقافة. كما رفضت الصين مقترحاً يابانياً لعقد قمة ثلاثية في يناير المقبل، وفق وكالة “كيودو” اليابانية.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينج، الاثنين، إن بكين وسول وطوكيو، لم تتوصل إلى اتفاق بشأن الجدول الزمني لعقد الاجتماع، مشيرة إلى أن تصريحات تاكايتشي “قوّضت الأساس والأجواء للتعاون الثلاثي”.
وبدأ الخلاف في أوائل نوفمبر الجاري، بعدما قالت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي، إن أي صراع في مضيق تايوان قد يشكّل “تهديداً وجودياً لليابان”، ما يبرر وفقاً للدستور الياباني، نشر قوات عسكرية والانخراط في الصراع. واعتبرت الصين أن تاكايتشي “تجاوزت الخط الأحمر” بعد هذه التصريحات.
وامتد الخلاف الذي أعقب ذلك، وهو أكبر أزمة بين الصين واليابان منذ سنوات، إلى العلاقات التجارية والثقافية. وأثارت الصين القضية، الجمعة، أمام الأمم المتحدة، وتعهدت بالدفاع عن نفسها.
وفي ردها على الرسالة الموجهة إلى الأمم المتحدة، رفضت وزارة الخارجية اليابانية، السبت، اتهامات الصين ووصفتها بأنها “غير مقبولة على الإطلاق”، مؤكدة أن “التزام طوكيو بالسلام لم يتغير”.
وقالت ماكي كوباياشي، وهي متحدثة رفيعة المستوى باسم الحكومة اليابانية، في تصريحات لـ”بلومبرغ”، على هامش قمة مجموعة العشرين في جوهانسبرج: “أنا على علم بهذه الرسالة. الادعاء بأن بلادنا قد غيرت موقفها لا أساس له من الصحة تماماً”، ودعت إلى مزيد من الحوار لوقف تدهور العلاقات بين أكبر اقتصادين في آسيا.
وقالت تاكايتشي إنها تعلّمت الدرس، وستمتنع عن تحديد سيناريو محتمل يمكن أن تنشر فيه اليابان قوات في المستقبل، إلا أنها رفضت التراجع عن موقفها.
غياب قنوات التواصل
ووفق صحيفة “ساوث تشاينا مورنينج بوست” الصينية، فإن التصعيد السريع، سببه افتقار حكومة تاكايتشي لشخصيات لها علاقات قوية مع الحزب الشيوعي الصيني.
وبعد توليها المنصب، خرج من الحكومة حزب “كوميتو”، الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم السابق، وهو المعروف بدور الوساطة مع حكومة الصين. ويُنظر إلى “كوميتو”، المدعوم من منظمة “سوكا جاكاي” البوذية، على أنه لعب دوراً محورياً خلف الكواليس في تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الصين واليابان، وفق الصحيفة.
وكان الحزب بمثابة “كابح داخلي” لنهج الحزب الليبرالي الديمقراطي، “الأكثر تشدداً في الشؤون الخارجية لليابان”، وفق الصحيفة الصينية.
وقال ليان ديجوي، من جامعة الدراسات الدولية في شنغهاي، لـ”ساوث تشاينا مورنينج بوست”، إنه “خلال الأزمات السابقة، استطاع الحزب تسهيل الحوار مع بكين ومنع سوء الفهم الكبير”.
وأضاف: “أما الآن، فالحكومة والحزب الليبرالي الديمقراطي يفتقران إلى شخصيات يمكنها إدارة الاتصال مع الصين، ما يصعّب الموقف”.
وكانت شخصيات بارزة في الحزب الليبرالي الديمقراطي، تقود اتحاد البرلمانيين الياباني الصيني، الذي لعب دوراً مهماً في الاتصالات مع بكين. ولكن بعض هذه الشخصيات تقاعد، وآخرون لا يلعبون دوراً بارزاً في تقريب وجهات النظر، وفقاً للصحيفة.
ويرى محللون أن وزير الداخلية يوشيماسا هاياشي، الرئيس السابق لاتحاد البرلمانيين الياباني الصيني، قد يلعب دوراً إيجابياً، لكن آخرين يقولون إن تركيزه الحالي داخلي أكثر منه خارجي.
ومن غير المرجح أن تتراجع تاكايتشي عن تصريحاتها، خصوصاً وأن شعبيتها ارتفعت إلى نحو 70%، بالإضافة إلى اعتمادها على تيار داعم لتايوان، وهو مرتبط برئيس الوزراء السابق شينزو آبي.
كما أن تاكايتشي تتحالف أيضاً مع “حزب الابتكار”، المعروف بميله نحو تايوان.
تلويح صيني بـ”عمل عسكري”
وكتبت السفارة الصينية لدى اليابان في منشور على منصة “إكس”، الجمعة، أن بكين سيكون لها الحق في القيام “بعمل عسكري مباشر” دون الحاجة إلى إذن من مجلس الأمن الدولي، إذا اتخذت اليابان أي خطوة نحو “تجدد العدوان”، في إشارة للاحتلال الياباني للصين في زمن الحرب العالمية الثانية.
في المقابل، رفضت اليابان التغاضي هذه التصريحات، وأشارت إلى أن بنود “الدولة المعادية” في ميثاق الأمم المتحدة عفا عليها الزمن الآن.
ورفضت كوباياشي التعليق على المخاطر المحتملة لاستفادة الصين من هيمنتها على المعادن الأرضية النادرة في الخلاف، لكنها أقرت باعتماد بلادها عليها.
وقالت: “الصين مصدر مهم لاستيراد العناصر الأرضية النادرة”، بينما أشارت إلى أن طوكيو تعمل على تقليل هذا الاعتماد على بكين.
ووفق قاعدة البيانات الإحصائية لتجارة السلع الأساسية التابعة للأمم المتحدة، فإن الصين أكبر سوق لصادرات اليابان بعد الولايات المتحدة، إذ اشترت ما قيمته نحو 125 مليار دولار من السلع اليابانية في عام 2024، وخاصة المعدات الصناعية وأشباه الموصلات والسيارات.
وقال وزير الخارجية الصيني وانج يي في بيان نشر على موقع وزارة الخارجية، الأحد، إنه من الصادم أن ترسل اليابان إشارة خاطئة علانية بشأن تايوان، معتبراً، أن اليابان “تجاوزت خطاً أحمر”، يجب عدم المساس به.
واتهم وانج وهو المسؤول الصيني الأعلى مستوى الذي يعلق علناً على هذه الأزمة، رئيسة الوزراء اليابانية، بمحاولة التدخل العسكري فيما يتعلق بتايوان.
وقال وانج إنه في الرد على خطوة اليابان “يجب على الصين الرد بحزم، ليس فقط لحماية سيادتها وسلامة أراضيها، بل وللدفاع عن الإنجازات التي تحققت بشق الأنفس بعد الحرب بالدماء والتضحيات”.
وأضاف أنه إذا استمرت طوكيو “في مسارها الخاطئ، وواصلت السير في هذا الطريق”، فإن جميع الدول والشعوب لها الحق في “إعادة النظر في جرائم اليابان التاريخية. والتصدي بحزم لعودة النزعة العسكرية اليابانية”.
تايوان على خط الأزمة
من جانبها، نددت وزارة الخارجية التايوانية، بالرسالة الصينية الموجهة إلى الأمم المتحدة. وقالت الوزارة في بيان، الأحد: “الرسالة لا تحتوي فقط على محتوى وقح وغير معقول، بل إنها تشوه حقائق تاريخية بشكل خبيث… وعلاوة على ذلك، فهي تنتهك مادة في ميثاق الأمم المتحدة تحظر التهديد باستخدام القوة أو استخدامها بالفعل في العلاقات الدولية”.
وتعتبر بكين تايوان إقليما تابعاً لها، ولم تستبعد استخدام القوة للسيطرة على الجزيرة، في حين ترفض حكومة تايوان ذلك، وتؤكد أن شعب الجزيرة وحده هو من يقرر مستقبله.
