“اليد” السورية التي دمّرها الفساد والإهمال

– هاني كرزي
عانت كرة اليد السورية من الإهمال والظلم والتسلّط من الأشخاص الذين قادوا اللعبة تحت سلطة النظام السوري السابق، ويأمل السوريون أن تحظى كرة اليد بالدعم والاهتمام لتطوير مستوى الأندية والمنتخبات، مع العهد الجديد في البلاد.
عمل النظام السوري السابق على تسخير منتخب سوريا لكرة اليد لخدمة أجنداته ومصالحه الشخصية، كما فعل مع منتخب كرة القدم، ولم يعد يمثل الشعب، ليقرر كثير من السوريين التخلي عن تشجيعه عقب انطلاق الثورة السورية.
بلا إنجازات
عجز منتخب سوريا الأول لكرة اليد عن تحقيق أي بطولات مهمة طوال تاريخه، وأفضل إنجاز حققه كان حصوله على المركز السادس في بطولة كأس آسيا لكرة اليد عام 2010، التي أقيمت في لبنان.
في تلك البطولة، تصدّر المنتخب السوري مجموعته، متفوقًا على السعودية والصين، وفي الأدوار اللاحقة، فاز على لبنان وخسر أمام البحرين وكوريا الجنوبية.
في مباراة تحديد المراكز من 5 إلى 8، خسر أمام قطر بفارق نقطة، بواقع 30-31، ليحقق حينها المركز السادس في كأس آسيا، الذي كان أفضل مركز حققه في تاريخه.
كانت أول مشاركة للمنتخب السوري في كأس آسيا لكرة اليد عام 1987، لكنه خرج حينها من الدور الأول بلا أي إنجاز.
خلال سنوات الثورة السورية، فشل المنتخب السوري الأول لكرة اليد في التأهل إلى بطولة كأس آسيا، حيث كان يشرف على رئاسة اتحاد كرة اليد ضباط من النظام السابق، الذين أغرقوا هذه الرياضة بالفساد و”الواسطات”، ما أدى إلى تراجعها.
إهمال وفساد
كرة اليد كانت الرياضة الشعبية الثالثة بعد كرة القدم والسلة في سوريا، وكانت تحظى بمتابعة جماهيرية، وكانت هناك دوريات من ثلاث درجات، وكل محافظة لديها فريقان أو ثلاثة في الدوري، بما فيها المناطق الريفية.
لكن عقب اندلاع الثورة السورية، تحكم النظام السوري السابق بكرة اليد عبر المكتب التنفيذي، إضافة إلى هجرة الكثير من اللاعبين والمدربين خارج سوريا، وعزوف آخرين عن ممارسة هذه الرياضة، ما تسبب في تراجعها بشكل كبير، بحسب حديث المدرب السوري لكرة اليد ياسر الكردي ل.
النظام السوري السابق سعى كذلك لتهميش بعض الأندية، وأبرزها نادي الشعلة لكرة اليد، الذي يعتبر من الأندية العريقة على مستوى سوريا، وحقق نتائج مهمة سابقًا، إلا أن خلافًا جماهيريًا حدث في مطلع تسعينيات القرن الماضي بين مشجعي فريق جبلة وفريق الشعلة أدى إلى تدخل فروع الأمن واعتقال العشرات من مشجعي الشعلة.
النادي تحوّل بعدها إلى منافسات الدرجة الثانية، وعانى من تهميش الاتحاد الرياضي العام، الذي يرتبط بشكل وثيق مع القيادات الأمنية.
بدوره، قال رئيس اللجنة المؤقتة باتحاد كرة اليد في سوريا، رافع بجبوج، إن كرة اليد تعرضت للإهمال وانتشار الفساد و”الواسطات” في تعيين المسؤولين الرياضيين خلال العقود الثلاثة الماضية، ما أدى إلى استبعاد الكفاءات الحقيقية، إذ إن حوالي 90% من الذين كانوا يشغلون مناصب قيادية في الرياضة، تم اختيارهم بناء على اعتبارات حزبية أو أمنية، وليس على أساس الكفاءة.
وأكد بجبوج ل، أن اللجنة المؤقتة اكتشفت عند تسلمها الإدارة الجديدة عقب سقوط الأسد، أن جميع الأجهزة والمستندات الرسمية مفقودة، ما تطلب البدء من الصفر، من خلال إعادة تسجيل قوائم الحكام والمدربين واللجان الفنية في المحافظات والأندية، لضمان تنظيم العمل داخل اتحاد كرة اليد.
غياب الدعم والصالات
كرة اليد السورية اصطدمت بالكثير من التحديات التي عاقت تطورها، حيث أثرت تلك العقبات على المدربين واللاعبين على حد سواء، وبالتالي انعكس ذلك على مستوى الأندية والمنتخبات السورية.
المدرب ياسر الكردي أكد أن عدم توفر الصالات من أبرز المشكلات التي تعاني منها كرة اليد في سوريا، وضرب مثالًا أنه في مدينة حمص توجد صالة واحدة تابعة لمديرية التربية، ويتقاسم التدريب فيها كل من فريقي الكرامة والوثبة، والأصعب من ذلك أن فرق كرة السلة تأخذ الحصة الكبرى من تلك الصالة، وبالتالي لا يبقى سوى وقت ضئيل للاعبي اليد لتلقي حصص تدريبية.
وأضاف الكردي أن عدم توفر الصالات الرياضية، كان يضطر الفرق للتدرب في المدارس، أو ضمن صالات مكشوفة وغير مجهزة بأرضية مناسبة، ما يتسبب في إصابة اللاعبين بكسور وجروح، أو تعرضهم للأمراض بفعل عوامل الطقس.
نقص الدعم إحدى المشكلات الأساسية التي أثرت كذلك على كرة اليد السورية، حيث قال المدرب الكردي، إن اللاعب مطالب بساعات تدريب طويلة وبالتالي لا يمكن له إضاعة كل هذا الوقت دون أن يكون لديه راتب، فكثير من اللاعبين أصبحوا يتغيبون عن التدريبات لانشغالهم بتأمين دخل لهم، بينما لو كان لدى اللاعب راتب جيد، فإنه سيفرّغ كل وقته للتدريب وتطوير مستواه.
ملاذ الشيخ لاعب كرة يد، تحدث عن معاناة اللاعبين من غياب الدعم، فلا يحصلون على المعدات اللازمة للتدريب من ألبسة وأحذية وكرات، إضافة إلى عدة توفر صالات للتدريب وبناء الأجسام، وعدم تقديم رواتب للاعبين، ما دفع الكثيرين لترك اللعبة.
وأضاف الشيخ ل، “ليس لدينا منتخب رجال أو شباب قادر على المنافسة في كرة اليد في ظل غياب المقومات الأساسية لدعم هذه الرياضة، بينما نجد دولًا أخرى قطعت أشواطًا كبيرة نحو العالمية، وعلى رأسها مصر حيث يحتل منتخبها المركز الخامس على مستوى العالم.
خطوات لمستقبل أفضل
تحديات كثيرة تعرقل تطور كرة اليد السورية، ومع بدء عهد جديد في الرياضة السورية، تعالت الأصوات المطالبة باتخاذ خطوات جدية للنهوض بهذه الرياضة.
وقال رئيس اللجنة المؤقتة باتحاد كرة اليد في سوريا، رافع بجبوج، إن بعض الصالات الرياضية غير مؤهلة للتدريب وبحاجة لإعادة تأهيل، لكن الواقع الاقتصادي الحالي يجعل إعادة تأهيل المنشآت الرياضية تحديًا كبيرًا، ما يفرض على الاتحاد العمل ضمن الإمكانيات المتاحة حاليًا.
وأشار إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تغييرات كبيرة في هيكلة الاتحاد، وسيتم الاعتماد على الشباب وتطويرهم فنيًا وإداريًا، مع الحفاظ على الخبرات القديمة، إضافة إلى تنظيم دورات تدريبية للحكام والمدربين.
وشدد رئيس اللجنة على أنه ستتم دراسة إمكانية تطبيق نظام احتراف جديد يضمن حياة كريمة للاعبين والمدربين، لكن هذا يعتمد على الإمكانيات المالية للأندية، إذ إن معظم أندية كرة اليد تُعتبر فقيرة ماليًا.
ولفت بجبوج إلى أنه سيتم الاهتمام بالفئات العمرية الصغيرة مثل الأشبال والناشئين، حيث سيتم بناء جيل جديد قادر على إعادة بريق كرة اليد السورية، إضافة إلى مراقبة مستوى اللاعبين المغتربين، والعمل على استدعاء الأفضل منهم لدعم المنتخبات السورية.
في السياق ذاته، طالب المدرب السوري ياسر الكردي بتأمين مراكز تدريبية وتجهيزات كاملة من كرات وألبسة وأحذية، وصرف رواتب جيدة للمدربين واللاعبين، والاهتمام بتطوير الفئات العمرية الصغيرة.
وأضاف الكردي أن هناك كوادر متميزة على مستوى المدربين واللاعبين، وفي حال أصبح هناك دعم مادي جيد وتأمين الصالات والأمور اللوجستية، حينها يمكن للمنتخبات السورية المنافسة في كأس آسيا لكرة اليد، في ظل وجود الإصرار والشغف والخبرة والموهبة لدى الرياضيين السوريين.
وشدد الكردي على أنه من أجل تأسيس جيل ينافس في كرة اليد، يجب إقناع اللاعبين بحب هذه الرياضة وتعريفهم بها.
من جهته، قال لاعب كرة اليد ملاذ الشيخ، الذي شارك مع أندية الكرامة ودير عطية ودوما، إن عدم وجود مردود مادي حتى للإعلاميين لتغطية النشاطات الرياضية، أثر على شعبية اللعبة، لذلك يجب أن يكون للإعلام دور كبير في تسليط الضوء على كرة اليد السورية.
ودعا الشيخ إلى تكثيف الدورات التدريبية لتأهيل المدربين والحكام، والعمل بجدية على استدعاء اللاعبين المغتربين، الذين يسهمون في تقديم إضافة لكرة اليد السورية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي