امتثالًا لنصيحة أم تسجيل موقف.. ما أسباب صمت الأسد في قمة المنامة
لم يلقِ رئيس النظام السوري، بشار الأسد، كلمة في الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الـ33 التي اختتمت الخميس 16 من أيار في العاصمة البحرينية المنامة، ما أثار تساؤلات عن السبب.
وفي مشاركته الثانية بمؤتمرات القمم العربية بدورتها الاعتيادية بعد إعادة مقعد سوريا إلى جامعة الدول العربية، اكتفى الأسد على غير عادته بالصمت.
وكانت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام ذكرت، في 15 من نيسان الحالي، أن الأسد لن يلقي كلمة في القمة العربية، وسيركز على البحث والنقاش في الملفات المطروحة مع القادة المشاركين في القمة.
وأجرى الأسد على هامش القمة لقاءات مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة.
الأسد يخشى العزلة
لا يمكن تفسير امتناع الأسد عن إلقاء كلمة في قمة المنامة دون استحضار صدى كلمته التي ألقاها في قمة الرياض الاستثنائية التي عقدت في منتصف تشرين الثاني 2023، كما يرى الدبلوماسي السابق، وعضو اللجنة الدستورية السورية بشار الحاج علي.
وأوضح الحاج علي ل، أن كلمة الأسد حينها قوبلت بامتعاض واضح من القادة العرب أو من بعضهم على الأقل، وخاصة أن الأسد تقمص دور “المحاضر” في حديثه عن الحرب والسلام مع إسرائيل، معتبرًا أن “الأسد أراد أن يُعطي انطباعًا أنه يحاول تجنب التصعيد أو الدخول في جدالات قد تؤدي إلى مزيد من العزلة، في الوقت الذي يتطلع فيه لتحقيق تقدم في مسار علاقاته مع الدول العربية”، لافتًا إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها اقتصاد النظام.
وبالنظر إلى سلوك النظام و”عناده” المعروف، لا يستبعد الحاج علي أن يكون الأسد قد تلقى نصيحة بعدم إلقاء كلمة من رئيس أو ملك عربي “لعدم استفزاز الحضور في القمة، ما يعكس حساسية الموقف الإقليمي تجاه الأزمة السورية”.
وبحسب القراءة السابقة يُرجح أن تكون البحرين المستضيفة للقمة هي من قدمت النصيحة للأسد، رغبة منها في إنجاح مساعيها الدبلوماسية “الهادئة” والهادفة إلى إعادة العلاقات العربية مع النظام السوري إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة السورية، وخاصة مع عدم تمرير الإدارة الأمريكية مشروع قانون “مناهضة التطبيع مع نظام الأسد“، القانون الذي كان يعرقل كل المحاولات الهادفة إلى ذلك.
أما التفسير الثاني الأقرب للدقة من وجهة نظر الدبلوماسي السوري، فيقوم على فرضية أن الأسد أراد من خلال الصمت تجنب تسليط الضوء على عدم التزام نظامه بمتطلبات الحل السياسي وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، وخاصة القرار “2254” والمبادرة العربية التي مهدت الطريق أمام النظام للجلوس مع دول عربية كانت ترفض التطبيع معه.
وأشار الحاج علي إلى تراجع زخم المسار العربي مع النظام السوري، مدللًا على ذلك بإلغاء الاجتماع الثاني لـ”لجنة الاتصال العربية” الخاصة بسوريا.
في 15 من آب 2023، أجرت لجنة الاتصال الوزارية العربية اجتماعها الأول والوحيد حتى الآن، بمشاركة وزراء خارجية مصر والعراق والسعودية والأردن ولبنان والنظام السوري، وجرى الاجتماع في القاهرة بمشاركة الأمين العام لجامعة الدول العربية.
تسجيل موقف
وفيما لا يمكن الجزم بالأسباب الدقيقة التي دفعت الأسد إلى تفضيل الصمت في القمة، أعطى الكاتب والمحلل السياسي درويش خليفة، ل، تفسيرًا آخر، وهو أن الأسد أراد تسجيل موقف ردًا منه على إلغاء أو تعليق انعقاد الاجتماع الثاني لـ”لجنة الاتصال العربية” الخاصة بسوريا، الذي كان مقررًا قبل أيام في العاصمة العراقية بغداد.
وقال خليفة، إن القائمين على قرار اللجنة أرجعوا ذلك إلى الظروف الإقليمية في إشارة إلى الحرب على غزة، معتبرًا أن “النظام السوري غير مقتنع بالمبررات تلك، وهو يعتقد أن الاجتماع كان مجدولًا وفي غاية الأهمية”.
لكن، ما يبدو واضحًا، بحسب خليفة، أن تأجيل اجتماع بغداد جاء بسبب استمرار تدفق المخدرات والأسلحة نحو الأردن انطلاقًا من الحدود السورية، وخاصة أن تشكيل لجنة الاتصال العربية جاء وفق مقترح أردني، طرحته عمّان على مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في أيار 2023.
ووفق الكاتب، فإن النظام السوري كان يعقد الآمال على اجتماع بغداد، وتحديدًا بسبب العلاقات “المتميزة” التي تجمع النظام السوري بالحكومة العراقية.
على صعيد متصل، انتشرت روايات تقول إن الأسد مُنع عربيًا من إلقاء الكلمة في القمة، لكن القانون الداخلي للجامعة العربية الذي يُعطى كل دولة عضو تمت دعوتها الحق في الكلام بنفس القدر لباقي الأعضاء، ينفيها.
وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) قالت إن الأسد لم يلقِ كلمة “انطلاقًا من ثبات الرؤية السورية تجاه المستجدات التي تشهدها المنطقة، إذ سبق أن حدد وعلى مدى سنوات عديدة رؤيته لمختلف القضايا العربية بما فيها العروبة والقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي وإصلاح الجامعة العربية، والتي انطلقت أساسًا من ضرورة تعزيز العمل العربي المشترك، وتطوير آلياته بما يناسب العصر لتجنب المخاطر التي تتهدد المصالح العربية”.
البيان الختامي
وكان البيان الختامي للقمة بخصوص سوريا مكررًا، حيث دعا البيان إلى الحل في سوريا وفق قرار مجلس الأمن “2254”، ورفض أي تدخل في شؤونها الداخلية وأي محاولات لإحداث تغييرات ديموغرافية فيها.
البيان أكد كذلك على دور “لجنة الاتصال العربية” والمبادرة العربية لحل الأزمة وضرورة تنفيذ بيان عمّان، وعلى ضرورة ايجاد الظروف الكفيلة بتحقيق العودة الكريمة والآمنة والطوعية للاجئين السوريين إلى بلدهم.
وكان وزراء الخارجية العرب قد اتفقوا على إعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية في مطلع أيار 2023، بعد مرور أكثر من عقد على القطيعة العربية مع النظام، على خلفية اندلاع الثورة وطريقة تعامل النظام القمعية معها.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي