انتخابات “الإدارة الذاتية”.. إجراء “شكلي” يثير مخاوف أنقرة
مع اقتراب إعلان بدء انتخابات البلديات في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، بدأت الأصوات المنددة بالحدث، ومنها ما ذهب أبعد من التنديد، إذ اعتبرت تركيا أن الانتخابات تستهدف سلامة أراضيها.
بينما علقت الولايات المتحدة الأمريكية (وهي الداعم الرئيس لـ”الإدارة الذاتية”) بموقفها أيضًا، إذ قالت إن ظروف “الأزمة” في سوريا غير مواتية لإجراء انتخابات شمال شرقي سوريا في الوقت الراهن.
وجاء في إحاطة صحفية للنائب الرئيسي للمتحدث الصحفي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، الخميس 30 من أيار، أن الولايات المتحدة محافظة على موقفها من أي انتخابات تجري في سوريا “يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة”.
وخلال إجابته على أسئلة الصحفيين أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “رقم 2254″، أكد باتيل وجوب أن تكون أي انتخابات في سوريا “حرة ونزيهة”، مشيرًا إلى أن بلاده لاتعتقد أن هذه الشروط متوفرة شمال شرقي سوريا في الوقت الحاضر.
ونوّه إلى أن الولايات المتحدة نقلت وجهة نظرها حول الانتخابات إلى مجموعة من الجهات الفاعلة في شمال شرقي سوريا، في إشارة إلى “الإدارة الذاتية”.
أيضًا قبل أيام، دعا زعيم حزب “الحركة القومية” (MHP) التركي، دولت بهشلي، لعملية عسكرية مشتركة تجمع تركيا والنظام السوري للقضاء على حزب “العمال الكردستاني” (PKK) في مناطق شمال شرقي سوريا، وفق ما نقلته صحيفة “Cumhuriyet” التركية، وانتقد انتخابات البلديات، معتبرًا أنها مرحلة جديدة قادمة لتقسيم تركيا.
واعتبر أن الولايات المتحدة ترى في الحوار مع “الإرهابيين” أمرًا ذا أهمية استراتيجية في المكان.
الخميس أيضًا، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن تركيا تتابع عن كثب الأعمال العدوانية التي يقوم بها “التنظيم الإرهابي” ضد سلامة الأراضي التركية والسورية بحجة الانتخابات (في إشارة إلى “قوات سوريا الديمقراطية” التي تعتبرها أنقرة امتدادًا لـ”حزب العمال الكردستاني”).
هل تعتبر الانتخابات تهديدًا
لم تقتصر انتقادات الانتخابات على جهات دولية وحسب، إذ انتقدت جهات محلية منها موال لتركيا الانتخابات، في حين فضلت جهات أخرى تجاهل هذه التحولات، إذ لم يعلّق النظام السوري رسميًا على الانتخابات.
يعتقد الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أسامة شيخ علي، أن تركيا تنظر لتحركات “الإدارة الذاتية” باتجاه انتخابات محلية، على أنها جاءت بمشورة وطلب أمريكي، وهو ما تحدثت عنه وسائل الإعلام التركية مؤخرًا.
ومن المنظور التركي، تعمل “الإدارة الذاتية” على إجراء الانتخابات وإصدار القوانين والتغييرات بهدف ترسيخ وجودها في المنطقة، وفق الباحث المتخصص في النزاعات العرقية وفواعل مادون الدولة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال الخميس، “فعلنا كل ما يتعين علينا القيام به من قبل في مواجهة فرض الأمر الواقع، ولن نتردد في اتخاذ إجراء مرة أخرى إذا واجهنا نفس الموقف”، وفق ما نقلته قناة “TRTHABER” (تابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون التركية).
وقلل الباحث من أهمية الانتخابات، معتبرًا أنها لن تترك أثرًا في شمال شرقي سوريا، أو حتى على دول الجوار في حال انتهت بشكل طبيعي، مشيرًا إلى أنها “إجراء شكلي” تهدف لإظهار “الإدارة” على أنها تملك شرعية شعبية.
وتكمن المخاوف التركية من أن تستخدم “الإدارة الذاتية” ورقة الانتخابات لتلقي دعم غربي قد يضفي بعض الشرعية على وجودها في المنطقة، ما يؤدي إلى طرح نفسها كممثل لشريحة من أبناء شمال شرقي سوريا، خصوصًا أنها لم تحظَ بأي اعتراف محلي أو دولي أو إقليمي.
توتر ينذر بتصعيد
لطالما ردت تركيا على مخاوفها القادمة من الشمال السوري بتحركات عسكرية تستهدف البنى التحتية والعسكري في المنطقة، أحدثها كان في كانون الثاني الماضي، سبقه تصعيد مشابه في نهاية 2023 الماضي، وآخر مطلع العام نفسه.
الباحث أسامة شيخ علي، رجح أن تلجأ تركيا لتصعيد مشابه لما حدث سابقًا من خلال استهدافات عسكرية محدودة بالمنطقة، تزامنًا مع اقتراب موعد الانتخابات.
وأضاف أن فكرة وجود عملية عسكرية برية مستبعدة في الوقت الراهن، نظرًا لما تحتاجه من توافقات دولية، لكنه رجح أن تشن تركيا سلسلة استهدافات جوية في المنطقة.
ووفق شيخ علي، تلجأ تركيا لإطلاق تهديدات سياسية لدفع الناس للابتعاد عن مقار “الإدارة الذاتية” وجناحها العسكري “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، كما تهدف لثني السكان عن المشاركة بانتخابات البلديات بالمنطقة.
وشدد الباحث على أنه في حال لم تتخذ تركيا أي خطوة مضادة للانتخابات المنتظر إطلاقها بالمنطقة، لن يكون هناك أي أثر يذكر مع انتهائها في حزيران المقبل.
ومنذ بضعة أيام، عادت الاستهدافات التركية للتصاعد شمال شرقي سوريا، كان أحدثها اليوم، الجمعة 31 من أيار، إذ قصفت طائرات مسيرة تركية سيارات عسكرية لـ”قسد” في القامشلي، مخلفة قتلى وجرحى وفق ما أعلنت عنه الأخيرة رسميًا.
وفي كانون الثاني الماضي، صعّدت تركيا من حدة استهدافاتها لشمال شرقي سوريا، وركزت قصفها على مواقع خدمية وبنى تحتية، إلى جانب مواقع عسكرية لـ”قسد”.
ما خيارات “قسد”
التصعيد الذي شهدته المنطقة مطلع العام الحالي، لم يشكل رادعًا لـ”قسد”، التي أعلنت عقب انتهاء التصعيد في المنطقة عن تنفيذها عمليات ضمن مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا، ردًا على الاستهدافات التركية لمناطق سيطرتها.
وقالت “قسد” إنها ردت على التصعيد التركي في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا عبر سلسلة من العمليات التي استهدفت مناطق سيطرة “الجيش الوطني” شمالي حلب.
الآلية نفسها في الاستجابة لأي تصعيد تركي يراها الباحث أسامة شيخ علي نموذجًا على خيارات “قسد” في مواجهات أي تصعيد محتمل بالمنطقة.
ويعتقد الباحث أن “قسد” لا ترغب بالتصعيد خصوصًا مع أحاديث مطروحة على الطاولة التركية لتوسيع العمليات الهجومية على مواقع لحزب “العمال الكردستاني” شمالي العراق، بالتالي لا تريد أن تكون مشمولة بهذا التصعيد.
ويرى الباحث في خيارات “قسد” أنها قد تستهدف مواقع عسكرية لـ”الجيش الوطني” أو أماكن انتشار القواعد التركية شمالي سوريا، دون إحداث أضرار.
وإلى جانب الخيار العسكري المحدود، يعتقد شيخ علي أن “الإدارة الذاتية” لن توقف آليات “العلاقات العامة” التي تحاول بناءها مع دول غربي، ومحاولات الظهور على أنها تعمل لبناء المنطقة، وإحداث تغيير ديمقراطي فيها، وإظهار أن تركيا تمنع ذلك.
وتركز “الإدارة” منذ سنوات على أن تركيا تحاول منع أي تحول في “العملية الديمقراطية” لديها، وفق الباحث.
وفي 29 من أيار الحالي، قالت “الإدارة الذاتية“، إن طرحًا تركيًا للتحالف مع النظام السوري ضدها، كونها “منظمة انفصالية”، ما هو إلا “تشويه للحقائق”، مشيرة إلى أن علاقتها بـ”الحكومة السورية” وانتخابات البلديات في مناطقها هي “شؤون داخلية”، لا علاقة لتركيا بها.
واعتبرت وفق بيان، أن التهديدات التركية “تستهدف السيادة السورية والتعايش السلمي الذي حققه سكان المنطقة”.
وناشدت القوى الدولية لتقف ضد سياسات تركيا التي تستهدف مناطق سيطرتها، ودعت “الإدارة” أيضًا مكونات المنطقة للعمل على إنجاح الانتخابات.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي