باحثون يطورون ملابس ذكية قابلة للغسيل تقاوم الظروف المناخية

طور فريق من الباحثين بجامعة نوتنجهام ترنت البريطانية، بالتعاون مع معهد هيلمهولتز دريسدن-رونسدورف في ألمانيا، وجامعة بولزانو الحرة في إيطاليا، تقنية جديدة تتيح دمج مستشعرات مغناطيسية حساسة ومرنة داخل الأقمشة، ما يفتح الباب أمام جيل جديد من الملابس الذكية القابلة للغسيل، والتي يمكنها التفاعل مع الأجهزة الإلكترونية دون الحاجة إلى لمس مباشر.
وأوضحت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Communications Engineering، أن التقنية عبارة عن آلية دمج المستشعرات داخل الأقمشة بطريقة غير مرئية، بحيث يمكن تشغيلها من خلال استخدام خاتم أو قفاز يحتوي على مغناطيس صغير، ما يسمح للمستخدم بالتحكم في وظائف متعددة عبر حركات بسيطة دون الحاجة إلى لمس الأزرار التقليدية.
وتعتمد التقنية على دمج المستشعرات المغناطيسية داخل الأقمشة بطريقة تجعلها غير مرئية للمستخدم، إذ يمكن تمييز أماكن المستشعرات عبر صبغها أو تطريزها، ما يجعلها تعمل كأزرار مخفية يمكن التفاعل معها دون لمس.
التقنية تتميز بأنها قادرة على العمل في بيئات مختلفة، بما في ذلك تحت الماء، كما أنها مقاومة للظروف المناخية المختلفة، ما يجعلها مثالية للاستخدام في الملابس الرياضية أو الملابس المخصصة للأنشطة الخارجية.
وتتفوق المستشعرات على نظيراتها من المستشعرات التقليدية التي تعمل باللمس، لأنها لا تتأثر بالتشغيل غير المقصود الذي قد يحدث عند ملامسة الملابس للأسطح المختلفة، وهو ما يمثل خطوة كبيرة نحو ملابس ذكية أكثر عملية وموثوقية.
وتوقع خبراء أن يكون لهذه الأقمشة الإلكترونية تأثير كبير في كيفية التفاعل مع الأجهزة، في ظل التطور المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي والأجهزة القابلة للارتداء، فبدلاً من الحاجة لاستخدام الشاشات أو الأزرار، يمكن للمستخدم التحكم في الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر والساعات الذكية وأنظمة المنزل الذكي عبر إشارات غير مرئية تصدر من الملابس الذكية.
وهذا من شأنه أن يجعل التفاعل مع الأجهزة أكثر سهولة وانسيابية، خاصة في المواقف التي يكون فيها المستخدم مشغولاً، أو لا يستطيع لمس الجهاز بشكل مباشر.
وأفادت الدراسة بأن التقنية يمكن أن تُستخدم في مجموعة متنوعة من التطبيقات العملية، مثل التحكم في درجة حرارة الملابس، وهو ما يعد تطوراً مهماً في مجال الملابس المصممة للبيئات القاسية.
ويمكن أن تلعب التقنية دوراً في تحسين مزايا الأمان في الملابس الذكية، خاصة للعمال في المجالات الصناعية، إذ يمكن أن تساعد في تطوير ملابس أمان تفاعلية، كما يمكن أن يكون للتقنية تأثير كبير في تحسين تجربة الألعاب الإلكترونية عبر الملابس التفاعلية التي تستجيب لحركات المستخدم، ما يعزز من واقع الألعاب الافتراضية.
أما في مجال الأزياء، فإن إمكانية دمج تقنية الإضاءة التفاعلية في الأقمشة ربما تؤدي إلى نقلة نوعية في تصميم الملابس الذكية، إذ يمكن للمستخدم التحكم في إضاءة الـ LED داخل الملابس عبر إيماءات بسيطة.
ملابس ذكية قابلة للغسيل
وأجرى الباحثون تجارب عملية لتطبيق التقنية الجديدة، عبر استخدامها في تطوير سوار ذكي يسمح بالتحكم في بيئات الواقع الافتراضي، بالإضافة إلى تطوير حزام أمان ذكي لمراقبة سلامة قائدي الدراجات النارية.
ويُعتقد أن هذه هي المرة الأولى التي تشهد دمج مستشعرات مغناطيسية قابلة للغسيل داخل الأقمشة بشكل غير مرئي، وهو ما يمثل تطوراً كبيراً في مجال الأقمشة الذكية وتفاعل الإنسان مع التكنولوجيا.
وقال الباحث الرئيسي في جامعة نوتنجهام ترنت، باسندو لوجودا، إن هذا التصميم ربما يُحدث تغييراً جذرياً في كيفية استخدام الملابس الذكية، سواء في الحياة اليومية، أو في التطبيقات المتخصصة.
وأضاف أن “معظم الحساسات التقليدية التي تعمل باللمس يمكن أن تتأثر بملامسة الأسطح المختلفة، ما قد يؤدي إلى تشغيلها دون قصد، ولكن مع تقنية التفاعل دون لمس، يتم تقليل التآكل والتلف، ما يجعلها أكثر متانة وفعالية في الاستخدام اليومي”.
وأوضح أن التقنية الجديدة قابلة للغسيل، ومتينة، ولا تؤثر على شكل النسيج أو ملمسه، ما يجعلها مناسبة للملابس العادية، دون أن تؤثر على راحة المستخدم أو مظهر الملابس.
وقال الباحث في مجموعة الأقمشة الذكية المتقدمة في جامعة نوتنجهام ترنت، ثيو هيوز ريلي، إن دمج الإلكترونيات داخل الأقمشة لا يزال يشكل تحدياً في هذا المجال، لكن التطورات الحديثة ساعدت في التغلب على العديد من العقبات.
وأضاف: “الملابس الذكية أصبحت أكثر انتشاراً، ولكن الجمع بين التقنيات الإلكترونية والنسيجية ظل أمراً صعباً لفترة طويلة، لكن حالياً أصبح من الممكن تطوير أقمشة ذكية أكثر مرونة وقوة ومقاومة للغسيل والتآكل، مع الحفاظ على سهولة الاستخدام والموثوقية العالية”.
وقال أحد المشاركين في الدراسة، كالانا ماراسينجه، إن التقنية تفتح الباب أمام استخدام الأجهزة القابلة للارتداء في بيئات غير تقليدية، مثل تحت الماء، أو في الظروف الجوية القاسية.
تأتي هذه الدراسة في وقت يشهد فيه مجال الملابس الذكية تطوراً سريعاً، إذ يبحث العلماء والشركات التكنولوجية عن طرق جديدة لدمج التقنيات المتطورة داخل المنسوجات لجعلها أكثر ذكاءً ومرونة.
ووفق الباحثين، فإن مستقبل الملابس الذكية لن يقتصر على مجرد توفير الراحة أو تحسين تجربة المستخدم، بل ربما يمتد ليشمل تطبيقات أكثر تطوراً مثل تحليل البيانات الصحية، والتفاعل مع الأجهزة المنزلية، وحتى دعم تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية.
ومن المتوقع أن يكون لهذه التقنية تأثير واسع في المستقبل القريب، مع إمكانية تبنيها من قبل شركات تصنيع الملابس الذكية، ما قد يجعل ملابس المستقبل أشبه بأجهزة إلكترونية متنقلة توفر تجربة تفاعلية متكاملة للمستخدم.
ومع استمرار تطور الأبحاث في هذا المجال، توقع خبراء أن تشهد خلال السنوات القليلة المقبلة، انتشاراً واسعاً للملابس الذكية المزودة بهذه التقنية، ما يغير بشكل جذري الطريقة التي يتفاعل بها الإنسان مع التكنولوجيا.