باحثون: 52% من مقاطع اضطراب فرط الحركة على تيك توك “مضللة”

قال باحثون إن أكثر من نصف الادعاءات المتعلقة بأعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) في مقاطع الفيديو الشائعة على منصة “تيك توك” لا تتماشى مع المعايير السريرية، وفق نتائج دراسة نشرتها دورية “بلوس وان” (PLOS One).
وأظهرت الدراسة التي تسلط الضوء على التحديات المرتبطة باستخدام منصات التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات حول الصحة النفسية، أن تصورات الشباب البالغين لقيمة هذه المقاطع تختلف بشكل كبير عن تصورات خبراء علم النفس
مواقع التواصل الاجتماعي والصحة النفسية
أدى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي إلى تسهيل الوصول إلى المعلومات حول الصحة النفسية، بما في ذلك اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وهو اضطراب عصبي يؤثر على الانتباه، والنشاط الحركي، والاندفاعية، ويُقدر أنه يصيب نحو 3 إلى 7% من البالغين.
وعلى عكس المصادر التقليدية للتثقيف النفسي، تركز مواقع التواصل الاجتماعي على تجارب الأفراد الذين يعانون من هذه الاضطرابات بأنفسهم، مما يمنح المحتوى طابعاً شخصياً، يعكس التجربة الحياتية الواقعية.
يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تيك توك، أداة قوية لنشر المعلومات عن الصحة النفسية، وتقليل الوصمة الاجتماعية، وربط الأفراد بمجتمعات داعمة.
ومع ذلك، فإن عدم وجود رقابة على جودة المحتوى، أو آليات التحقق قد يثير القلق بشأن انتشار المعلومات غير الدقيقة أو المضللة.
اضطراب فرط الحركة
حلَّل الباحثون، في دراسات منفصلة، المحتوى الخاص باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على تيك توك، ركزت على خصائص المحتوى الأكثر شيوعاً، وكيفية تفاعل الشباب مع هذا المحتوى، وتأثيره على فهمهم لذلك الاضطراب.
تيك توك منصة تواصل اجتماعي تتيح للمستخدمين نشر مقاطع فيديو قصيرة، وقد شهدت شعبية هائلة في السنوات الأخيرة، مع أكثر من 50 مليون مستخدم نشط يومياً.
تيك توك وجيل Z
وما يميّز منصة تيك توك أنها أصبحت مصدراً أساسياً للبحث عن المعلومات، خاصة بين الأجيال الشابة مثل جيل الألفية وجيل “زد” (Gen Z)، إذ يفضّل كثيرون استخدامها على محركات البحث التقليدية مثل جوجل.
وبالنسبة للأفراد الذين يسعون للحصول على معلومات حول اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، توفر تيك توك فرصة للتواصل مع آخرين يعانون من نفس الأعراض، ما يمنحهم شعوراً بالفهم والانتماء.
كما أن المنصة تُسهّل الوصول إلى محتوى عن الصحة النفسية بطريقة مجانية، وهو أمر مهم للأشخاص الذين يواجهون صعوبات في الوصول إلى الموارد الطبية المتخصصة.
لكن طبيعة تيك توك، التي تعتمد على مقاطع قصيرة وسريعة، تجعل من الصعب تقديم معلومات دقيقة ومتوازنة عن الاضطرابات النفسية، كما أن خوارزميات المنصة مصمَّمة لجذب انتباه المستخدمين وإبقائهم على التطبيق لأطول فترة ممكنة، ما قد يؤدي إلى تعزيز “التحيز التأكيدي”، إذ يتعرض المستخدمون بشكل متكرر لمحتوى يتماشى مع آرائهم المسبقة، مما يعزز لديهم الشعور بأن هذه المعلومات صحيحة، حتى لو كانت غير دقيقة.
وأظهرت الدراسات أن هناك فجوة بين المعلومات التي يقدمها خبراء الصحة النفسية والمحتوى المنتشر على تيك توك. ووجدت مراجعات بحثية أن المعلومات الخاطئة منتشرة عبر منصات التواصل الاجتماعي في موضوعات متعددة، بما في ذلك التطعيمات، والأمراض المزمنة، واضطرابات الأكل.
وفي ما يخص اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وُجد أن 52% من مقاطع الفيديو التي تتناول هذا الاضطراب تحتوي على معلومات غير دقيقة أو مضللة، وغالباً ما يعتمد المحتوى المتعلق بذلك الاضطراب على تجارب شخصية، وليس على أدلة علمية.
وبينما لا يدّعي معظم صانعي المحتوى أنهم متخصصون في الصحة النفسية، فإن عدم تقديم سياق علمي دقيق قد يؤدي إلى سوء فهم طبيعة الاضطراب، وعلى سبيل المثال، قد يتم تقديم بعض الأعراض على أنها سمة ثابتة لدى جميع المصابين، دون الاعتراف بأن أعراض الاضطراب تختلف من شخص إلى آخر، أو قد يتم اقتراح استراتيجيات علاجية غير مدعومة علمياً.
استنتاجات غير دقيقة
ويمكن أن يؤثر محتوى تيك توك على الطريقة التي يدرك بها المستخدمون الاضطرابات، بما في ذلك إمكانية تشخيص أنفسهم بأنفسهم بناءً على المعلومات التي يتلقونها.
رغم أن التشخيص الذاتي قد يمنح الأفراد إحساساً بالتحكم في صحتهم النفسية، إلا أنه قد يؤدي أيضاً إلى استنتاجات غير دقيقة حول حالتهم الصحية، خاصة إذا استند إلى معلومات غير علمية.
وتقول الدراسة إن إحدى المخاوف الرئيسية هي أن المستخدمين قد يخلطون بين الأعراض العادية والسلوكيات التي تعد جزءاً من اضطراب فرط الحركة، وقد يعتقد شخص ما أن لديه الاضطراب فقط لأنه يواجه صعوبة في التركيز من حين لآخر، بينما يمكن أن يكون ذلك أمراً طبيعياً، ولا يشير بالضرورة إلى اضطراب نفسي.
من ناحية أخرى، قد يؤدي انتشار المعلومات غير الدقيقة إلى تقليل الثقة في الأطباء والمتخصصين، ويُفضّل بعض الأفراد البحث عن نصائح على الإنترنت بدلاً من التوجه إلى العيادات النفسية، وأظهرت دراسات أن بعض المستخدمين يتأثرون سلباً بالمعلومات غير الدقيقة، مما يدفعهم إلى تجنب العلاجات المثبتة علمياً لصالح أساليب غير مدروسة، أو حتى ضارة.
التفكير السلبي
تشير النتائج الأولية إلى أن الأفراد الذين يستهلكون محتوى حول ذلك الاضطراب على تيك توك، بشكل متكرر، يكونون أكثر عرضة للاعتقاد بأن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أكثر شيوعاً مما هو عليه في الواقع، كما أنهم أكثر ميلاً لتقييم منصة تيك توك كمصدر موثوق للمعلومات، حتى لو كان محتواها غير دقيق.
حلَّل الباحثون محتوى 100 مقطع فيديو شهير على تيك توك تحت وسم (#ADHD)، ووجدوا أن أقل من نصف الادعاءات المتعلقة بأعراض الاضطراب في هذه المقاطع كانت متوافقة مع “الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية”، وهو المعيار العالمي المستخدم من قبل الأطباء لتشخيص الاضطرابات النفسية.
بعد ذلك، استطلع الباحثون آراء 843 طالباً جامعياً حول عاداتهم في مشاهدة مقاطع ADHD وتصوراتهم تجاه هذه المقاطع، وتم عرض خمسة مقاطع فيديو صنَّفها الأخصائيون النفسيون على أنها الأكثر توصية، وخمسة مقاطع تم تصنيفها على أنها الأقل توصية.
وأفاد الطلاب، الذين تم تشخيصهم باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، سواء بشكل رسمي أو ذاتي، بأنهم يشاهدون مقاطع فيديو تحمل وسم (#ADHD) بشكل متكرر أكثر مقارنة بالطلاب الذين لا يعانون من هذا الاضطراب.
كما أظهرت الدراسة أن الطلاب الذين يشاهدون هذه المقاطع بكثرة كانوا أكثر ميلاً لتوصية الآخرين بها، سواء كانت المقاطع مصنَّفة من قبل الأخصائيين النفسيين على أنها عالية الجودة، أو منخفضة الجودة.
كما وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يتابعون كميات كبيرة من المحتوى المتعلق باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على “تيك توك” يميلون إلى المبالغة في تقدير مدى انتشار هذا الاضطراب، حيث قدَّروا انتشاره بنسبة تصل إلى عشرة أضعاف الواقع، كما أظهروا تفكيراً أكثر سلبية تجاه أعراضهم الخاصة.
يصف الباحثون هذه الدراسة كنقطة انطلاق لأبحاث مستقبلية، تستكشف كيفية تصوير اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على منصات التواصل الاجتماعي، إذ يمكن أن يساعد فهم الفجوات بين تصورات الأخصائيين النفسيين والشباب البالغين في تطوير جهود أفضل لخدمة الأشخاص الذين يعانون من ذلك الاضطراب.