حذّر المبعوث الأميركي توم باراك من أن لبنان إذا لم يبادر سريعاً لترتيب أوضاعه، فسيتجاوزه الجميع من حوله، وذلك في سياق حديثه عن احتمال تحول “حزب الله” من جماعة مسلحة مدعومة من إيران، إلى كيان سياسي كامل داخل لبنان.

وأكدت تصريحات توم باراك على تنامي نفاد الصبر الأميركي تجاه الجمود السياسي في لبنان، والضغوط المتزايدة من أجل إعادة اصطفاف شاملة في المنطقة.

وفي رده على أسئلة “عرب نيوز” بشأن مستقبل “حزب الله” والحركية الطائفية وانهيار الاقتصاد اللبناني، وصف باراك الطريق إلى الأمام بأنه “بالغ الحساسية” بالنسبة لدولة “طالما أصابها الشلل بسبب الانقسامات السياسية”. 

ويُعد نزع سلاح الجناح العسكري لـ”حزب الله”، الذي تصنّفه واشنطن “منظمة إرهابية أجنبية”، محوراً أساسياً في النقاش، إلى جانب إمكانية إعادة دمجه في البلاد كـ”حزب سياسي بحت”. 

وفي سؤال بشأن ما إذا كانت الإدارة الأميركية قد تنظر في شطب “حزب الله” من “قوائم الإرهاب” في حال تخلى عن سلاحه قال: “هذا سؤال مهم”، مضيفاً: “ولا أتهرب من الإجابة، لكن لا يمكنني الإجابة عليه”.

واعترف بتعقيد القضية، مشيراً إلى أن واشنطن تصنّف “حزب الله” بشكل قاطع كـ”جماعة إرهابية”، في حين أن جناحه السياسي فاز بمقاعد في البرلمان ويمثل شريحة كبيرة من الطائفة الشيعية في لبنان، إلى جانب “حركة أمل”.

عملية نزع سلاح “حزب الله”

وقدّم باراك توصيفاً لـ”حزب الله” بأنه “يتكون من جزأين”، جناح عسكري “مدعوم من إيران” ومصنّف “كيان إرهابي”، وجناح سياسي يعمل ضمن النظام البرلماني اللبناني. وشدد على أن أي عملية لنزع سلاح “حزب الله” يجب أن تقودها الحكومة اللبنانية، وبموافقة كاملة من “حزب الله” نفسه.

وقال: “يجب أن تبدأ هذه العملية من مجلس الوزراء، عليهم أن يوافقوا على التفويض، وعلى حزب الله، الحزب السياسي، يجب أن يوافق على ذلك”. وأضاف: “ولكن ما يقوله حزب الله هو: حسنا، نحن نفهم أن قيام لبنان موحّد أصبح ضرورة”. واعتبر باراك أن سبب ذلك هو “أن سوريا موحدة بدأت تتشكل”.

وأشار باراك إلى أن هذا الدفع نحو الوحدة يأتي في ظل تغيرات في الحركية الإقليمية، لاسيما في أعقاب ما وصفها بسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب “الجريئة” تجاه إيران.

وقال: “مستقبل جميع الأطراف يعاد تشكيله في المنطقة”، مشيراً إلى أن هناك إعادة تموضع شاملة تجري في الشرق الأوسط، بدءاً من إعادة إعمار سوريا، ووصولاً إلى محادثات جديدة محتملة تشمل إسرائيل.

وأضاف: “لذلك، أعتقد أن حزب الله، الحزب السياسي، ينظر إلى الأمر ويقول بمنطقية: من أجل شعبنا، يجب أن يرتكز نجاح لبنان على توحيد السنة والشيعة والدروز والمسيحيين. الآن هو الوقت المناسب. كيف نصل إلى هناك؟ يجب أن تكون إسرائيل جزءاً من ذلك”.

وألمح باراك إلى أن الولايات المتحدة قامت بتيسير محادثات خلف الكواليس بين لبنان وإسرائيل، على الرغم من أن القوانين اللبنانية تحظر التواصل المباشر مع إسرائيل، وقال: “لقد شكلنا فريقاً تفاوضياً وبدأنا القيام بدور الوسيط. وأعتقد أن ذلك يجري على نطاق واسع”.

دور الجيش اللبناني

وأوضح المبعوث الأميركي أن جوهر أي اتفاق سيكون مسألة السلاح، ليس الأسلحة الخفيفة التي وصفها بأنها منتشرة في لبنان وليست ذات أهمية كبيرة، بل الأسلحة الثقيلة التي يمكن أن تشكل تهديداً لإسرائيل. وأضاف أن هذه الأسلحة “مخزنة في المرائب والمناطق تحت الأرض أسفل المنازل”.

وأشار باراك إلى أن عملية نزع السلاح ستتطلب تدخل الجيش اللبناني، الذي وصفه بأنه مؤسسة تحظى باحترام واسع، وذلك بدعم من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

وقال: “يجب تمكين الجيش اللبناني. ثم بهدوء مع حزب الله، يمكن أن يقولوا: هذه هي آلية إعادة السلاح.. نحن لن نفعل ذلك من خلال حرب أهلية”.

لكن قدرة السلطات اللبنانية على تنفيذ مثل هذا المخطط لا تزال محل تساؤل. وأعرب باراك عن أسفه لانهيار مؤسسات الدولة، وتعطل عمل المصرف المركزي، وتعثر قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وحالة الجمود المنهجي في البرلمان.

والاثنين الماضي، قال المبعوث الأميركي إنه راض عن استجابة الحكومة اللبنانية لمقترح نزع سلاح “حزب الله”، مشيراً إلى أن واشنطن مستعدة لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته السياسية والاقتصادية المزمنة.

وأضاف باراك خلال مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي ببيروت: “ما قدمته لنا الحكومة كان شيئا مذهلاً خلال فترة قصيرة جداً، وبطريقة معقدة جداً”.

ولاحقاً خلال مقابلة مع قناة LBCI اللبنانية، عندما سُئل عمّا إذا كان السياسيون اللبنانيون الذين يتعامل معهم يتجاوبون فعلاً، أم يربحون الوقت فقط، قال باراك: “الثقافة السياسية في لبنان تقوم على الإنكار والمراوغة والتملص”. وتابع: “هكذا كان الحال طوال 60 سنة، وهذه هي المهمة التي أمامنا، يجب أن يتغير هذا النهج”.

الشروط الأميركية للحكومة اللبنانية

وعندما سُئل عما إذا كانت الولايات المتحدة راضية فعلاً عن خطة الحكومة اللبنانية، قال: “العبارتان صحيحتان”، في إشارة إلى تصريحاته التي أشاد فيها بقيادة بيروت، وفي الوقت نفسه انتقد الإرث القائم على “المراوغة والتملص”.

وأضاف: “هم راضون عن الوضع القائم، إلى أن يغيروا موقفهم. لكن ما الذي سيتغير؟ الذي سيتغير هو أنهم سيصبحون في خبر كان”. ومع ذلك، عبّر باراك عن نبرة تفاؤل حذرة.

وقال: “أعتقد أن هذه الحكومة جاهزة. إنهم يتعاملون مع القضايا بجدية. نحن لا نعاملهم بلين، بل نقول لهم: هل تريدون مساعدتنا؟ هذه هي شروطها. لن نفرض عليكم شيئاً، وإذا لم ترغبوا بها، فلا بأس، سنعود إلى بلادنا”.

وشدد باراك على أن الوقت المتاح لأساليب التأجيل قد يكون شارف على نهايته، وقال: “إنه بلد صغير جداً بنظام طائفي قد يكون منطقياً وقد لا يكون”، مضيفاً: “الآن هو الوقت المناسب”.

بداية جديدة لسوريا

وفيما يخص سوريا، قال باراك إن رفع العقوبات الأميركية عن البلاد شكل “بداية جديدة” من الناحية الاستراتيجية، لكنه شدد على أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى بناء دولة أو فرض الفيدرالية في المنطقة.

ووصف الشرق الأوسط بأنه “منطقة صعبة في لحظة تاريخية مذهلة”، مشيراً إلى أن قرار إدارة ترمب برفع العقوبات في 13 مايو كان يهدف إلى منح الشعب السوري “نافذة أمل جديدة”، بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية.

وقال باراك: “رسالة الرئيس ترمب هي السلام والازدهار”، مضيفاً أن تغيير السياسة يهدف إلى منح النظام السوري الناشئ فرصة لإعادة الإعمار. واعتبر أن رفع العقوبات “منحت الشعب أملاً. هذا كل ما حدث فعلاً في تلك اللحظة”.

وأوضح أن التدخل الأميركي الأصلي في سوريا كان بدافع محاربة تنظيم “داعش”، وليس بهدف تغيير النظام أو التدخل الإنساني، ولكنه أقر بأن المنطقة تدخل مرحلة جديدة. وقال: “نحن لسنا هناك لبناء دولة، نحن هناك لتوفير فرصة، والأمر متروك لهم لاغتنامها”.

وجدّد التأكيد على موقف واشنطن الرافض لنموذج فيدرالي لسوريا، قائلاً إن البلاد “يجب أن تبقى موحدة بجيش واحد وحكومة واحدة”. وأضاف: “لن تكون هناك ست دول، ستكون هناك سوريا واحدة”، مستبعداً احتمال إنشاء مناطق حكم ذاتي للأكراد أو العلويين أو الدروز.

ويأتي هذا التصريح في ظل توتر متجدد بين الجماعات الكردية والحكومة المركزية السورية، خصوصاً بشأن مستقبل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة أميركياً.

وطلب البنتاجون تخصيص 130 مليون دولار في موازنة عام 2026 لمواصلة دعم “قوات سوريا الديمقراطية”.

وقال باراك: “قوات سوريا الديمقراطية هي نفسها وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية الشعب مشتقة من حزب العمال الكردستاني “، في إشارة إلى الحزب الذي تصنفه كل من تركيا والولايات المتحدة كـ”منظمة إرهابية”.

وأضاف: “نحن مدينون لقوات سوريا الديمقراطية بأن نتعامل معهم بعقلانية .. لكن ليس كدولة أو كيان مستقل بذاته”.

وشدد على أن الولايات المتحدة لا تفرض شروطاً، لكنها في الوقت نفسه لن تدعم الانفصال. وأضاف: “لن نظل هناك إلى الأبد كمن يتولى رعايتهم”.

“حزب العمال الكردستاني”

وأكد باراك أن واشنطن تتابع عن كثب إعلان المجموعة الأولى من مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” تدمير أسلحتهم في شمال العراق، واصفًا ذلك بأنه “مبادرة سخية” وقد تحمل دلالة مهمة.

وقال: “قد يكون هذا أول خطوة نحو حل طويل الأمد للمسألة الكردية في تركيا”، لكنه حذّر من أن هناك تساؤلات لا تزال قائمة بشأن علاقة  “قوات سوريا الديمقراطية” المستمرة بقيادة “حزب العمال الكردستاني”. وأضاف: “عليهم أن يقرروا: هل هم سوريون؟ أم أكراد أولاً؟ هذه قضيتهم”.

وأشار المبعوث الأميركي إلى أن الرؤية النهائية تتضمن “تطبيعاً تدريجياً بين سوريا وإسرائيل، ربما في إطار روح اتفاقيات أبراهام”. وقال: “الشرع كان صريحاً في قوله إن إسرائيل ليست عدواً”، مضيفاً: “ثمة محادثات بدأت، خطوات أولى صغيرة”.

وأوضح أن على دول مثل لبنان والأردن والعراق وتركيا أن تشارك أيضاً في عملية تطبيع أوسع نطاقاً.

وأكد باراك أن الاستراتيجية الأميركية الحالية تتيح فرصة ضيقة لكنها حقيقية لتحقيق الاستقرار. وقال: “لا توجد خطة بديلة. نحن نقول: هذه هي الطريق. وإذا لم تعجبكم، قدموا لنا طريقاً آخر”.

وشدد على أن الولايات المتحدة مستعدة للمساعدة لكنها لم تعد مستعدة للعب دور “ضامن الأمن للعالم”، وأضاف: “سنساعد وسنواكب، لكن هذه فرصتكم لكتابة قصة جديدة”.

شاركها.