أعلن الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة “إكس”، إطلاق النسخة التجريبية الأولى من “جروكيبيديا” Grokipedia، وهي موسوعة معلوماتية رقمية على غرار ويكيبيديا، تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

المنصة الجديدة، التي تم تطويرها باستخدام نظام الذكاء الاصطناعي جروك من شركة xAI المملوكة لماسك، تهدف، بحسب وصفه، إلى توفير مصدر معرفي يبتعد عما يعتبره “تحيّزاً يسارياً” في منصة ويكيبيديا.

 ويأتي هذا المشروع ضمن سلسلة تحركات يقوم بها ماسك لإعادة تشكيل أدوات التقنية المعاصرة بما يتوافق مع رؤيته الشخصية.

وأُطلقت “جروكيبيديا”، الاثنين الماضي، دون إعلان رسمي أو توضيحات من الشركة، بعد تأجيل الموعد الذي كان محدداً مسبقاً للإطلاق. فقبل أسبوع من إطلاقها، أعلن ماسك تأجيل الإطلاق حتى نهاية الأسبوع ذاته، مشيراً إلى أن فريقه “بحاجة للمزيد من الوقت للتخلص من الدعاية”.

المنصة ظهرت بواجهة بسيطة تحمل اسم Grokipedia v0.1، تتوسطها خانة بحث، وبعد ساعة من الإطلاق، تعطلت مؤقتاً ثم عادت للعمل في مساء اليوم نفسه.

“توجه يميني” في المنصة الجديدة

تتشابه واجهة “جروكيبيديا” مع ويكيبيديا من حيث التصميم العام، حتى أنها تتضمن الوضع الداكن، وتضم نحو 885 ألف مقالة، مقارنةً بأكثر من 8 ملايين مقالة في النسخة الإنجليزية من ويكيبيديا. 

غير أن عدداً من المقالات في “جروكيبيديا” يظهر توجهاً يمينياً في معالجة بعض الموضوعات، فعلى سبيل المثال، تبدأ مقالة “النوع الاجتماعي” على “جروكيبيديا” بالقول: “النوع يشير إلى التصنيف الثنائي للبشر كذكر أو أنثى بناءً على الجنس البيولوجي”، في حين تبدأ المقالة في ويكيبيديا بـ”النوع هو مجموعة الجوانب الاجتماعية والنفسية والثقافية والسلوكية للرجولة أو الأنوثة أو النوع الثالث”.

أما فيما يخص تعريف “نظرية الاستبدال الكبير”، فتقدم “جروكيبيديا” النظرية بوصفها تفسيراً ديموجرافياً لارتفاع معدلات الهجرة وتأثيرها على المجتمعات الأوروبية، وتستند إلى أرقام صادرة عن الأمم المتحدة، في المقابل، تصف ويكيبيديا هذه النظرية بأنها “مؤامرة قومية بيضاء مفندة علمياً”، وتربطها بأفكار عنصرية ولا علمية.

في مقال عن نيك فوينتيس، الناشط السياسي الأميركي المثير للجدل، تصفه ويكيبيديا بأنه “معلق يميني متطرف”، وتعدد أوصافاً له تشمل “العنصري والمعادي للسامية”، بينما ترى “جروكيبيديا” أنه “معلق وناشط محافظ”، وتفصل مسيرته السياسية ودوافعه القومية، دون الإشارة إلى التوصيفات السلبية التي تضمنتها نسخة “ويكيبيديا”.

معلومات “غير دقيقة”

مقالة إيلون ماسك في “جروكيبيديا” تختلف جذرياً عن نظيرتها في ويكيبيديا، إذ تصف إنجازاته بطريقة مفعمة بالحماسة، وتؤكد أن توجهه في مجال الذكاء الاصطناعي يركز على “السلامة من خلال تطوير يستند إلى الحقيقة بدلاً من التنظيم الصارم”. وتقتبس المقالة من موقع شركة xAI لتدعيم هذه الرؤية.

وفي القسم المخصص لرؤيته المستقبلية، تنقل الموسوعة، أن ماسك يرى أن “حماية الوعي البشري من المخاطر الوجودية” يجب أن تكون أولوية، بما في ذلك “بناء حضارة متعددة الكواكب ذاتية الاستدامة”.

إلا أن المقال يضم معلومات غير دقيقة، مثل الإشارة إلى أن السياسي الأميركي، فيفيك راماسوامي، تولى “دوراً بارزاً” في وزارة الكفاءة الحكومية DOGE بعد مغادرة ماسك، في حين أن راماسوامي غادر هذه الهيئة قبل أن تصبح جزءاً من إدارة ترامب. وقد استند المقال إلى مصادر مثل BBC وAl Jazeera رغم عدم احتواء تقاريرهما على تلك المعلومة.

ثغرات تقنية

يعتمد محتوى “جروكيبيديا” على النموذج اللغوي ذاته المستخدم في روبوت الدردشة جروك ضمن منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، مما يعني أنه قادر على الوصول إلى أحدث منشورات المستخدمين وتحليلها لتحديث المقالات تلقائياً. إلا أن هذه التقنية أثارت في السابق جدلاً واسعاً بسبب أخطاء كارثية ارتكبها روبوت جروك.

من بين أبرز الحوادث السابقة، أن روبوت ماسك، روّج لنظرية مؤامرة حول “إبادة البيض” في جنوب إفريقيا، وأنتج صوراً غير لائقة، وقدم تشخيصات طبية خاطئة بثقة عالية.

وقد ألقى ماسك اللوم في هذه الأخطاء على “أعطال برمجية”، مؤكداً أنه تم إصلاحها لاحقاً.

من الإعجاب إلى الخصومة

في عام 2017، غرّد ماسك قائلاً: “أنا أحب ويكيبيديا، فهي تتحسن بمرور الوقت”، إلا أن موقفه تغيّر في السنوات الأخيرة، إذ اتهمها بـ”التحيز الليبرالي” خاصةً في طريقة عرض سيرته الذاتية.

وفي وقت سابق من العام الجاري، دعا إلى “إيقاف تمويل ويكيبيديا حتى تستعيد توازنها”.

وانضم ماسك بذلك إلى قائمة منتقدي الموسوعة الشهيرة من التيارات اليمينية، بما فيهم أحد مؤسسي ويكيبيديا، والذي رأى أن الموقع يتبنى عدسة ليبرالية في موضوعات مثل تغير المناخ واللقاحات والحرب الإسرائيلية على غزة.

وصرّح ستيفن هاريسون، الصحفي المتخصص في شؤون ويكيبيديا، أن “كل أنظمة الذكاء الاصطناعي الكبرى تعتمد على محتوى ويكيبيديا مفتوح المصدر”، مضيفاً: “المفارقة أن ماسك يبني مشروعه على جهود آلاف المتطوعين الذين ينتقدهم باستمرار”.

أما الشريك المؤسس لويكيبيديا، جيمي ويلز، فأبدى شكوكه في جودة المشروع الجديد قائلاً: “نماذج الذكاء الاصطناعي ليست مؤهلة لكتابة مقالات موسوعية دقيقة. سيكون هناك الكثير من الأخطاء”.

شاركها.