نجح فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا ديفيس الأميركية، في تطوير جهاز عصبي يمكن زرعه في الدماغ، يتيح ترجمة الإشارات العصبية إلى أصوات على الفور، ما يمكّن مرضى التصلب الجانبي الضموري من التواصل صوتياً بكفاءة غير مسبوقة، دون الحاجة إلى استخدام النصوص أو الاعتماد على مفردات محدودة.

ويعتمد الجهاز الجديد، الذي يوصف بأنه أول خطوة حقيقية نحو تحويل كامل للقدرات الصوتية البشرية إلى صيغة رقمية، على إنتاج الأصوات مباشرة من الإشارات العصبية المسجلة في الدماغ، بحسب دراسة نشرتها مجلة Nature العلمية.

وقالت الباحثة المتخصصة في الأطراف العصبية والمشرفة على الدراسة، الدكتورة مايتري وايراكجار: “هدفنا الأساسي هو تطوير طرف عصبي مرن للنطق، يمكّن المرضى المصابين بالتصلب الجانبي الضموري (ALS) من التحدث بطلاقة، والتحكم في إيقاع كلامهم، والتعبير عن أنفسهم بصورة أكثر ثراء من خلال التحكم في التنغيم الصوتي”.

تقدم غير كاف

ورغم التقدم الذي أحرزته الواجهات الدماغية الحاسوبية، إلا أن أغلبها اقتصر على تحويل الإشارات العصبية إلى نصوص تُعرض على شاشة، دون القدرة على تحويلها إلى أصوات حقيقية.

وأشار عالم الأعصاب وأحد كبار المشاركين في الدراسة، الدكتور سيرجي ستافيسكي، إلى تجربة سابقة قادها فريق في جامعة ستانفورد عام 2023، إذ تمكنت مريضة مصابة بالتصلب الجانبي الضموري من النطق من خلال تحويل إشارات دماغها إلى نصوص بنسبة دقة بلغت 75%.

ولكن رغم أهمية النتيجة، لم تكن كافية لتحقيق تواصل طبيعي.

وفي عام 2024، أحرز فريق جامعة كاليفورنيا ديفيس، تقدماً لافتاً برفع دقة الترجمة من الدماغ إلى النص إلى 97.5%. ومع ذلك، بقيت هناك قيود تتعلق بالتأخير الزمني واعتماد النظام على مفردات محدودة – إذ لم يدعم أكثر من 1300 كلمة – ما حدّ من مرونته في المواقف اليومية.

نحو نظام صوتي فوري

وللتغلب على هذه القيود، طوّرت وايراكجار نظاماً يُترجم الإشارات العصبية مباشرة إلى أصوات بدلاً من الكلمات، بشكل فوري، وشملت الدراسة مريضاً يُشار إليه باسم T15، يبلغ من العمر 46 عاماً، ويعاني من شلل حاد ناجم عن التصلب الجانبي الضموري.

وكان المريض يستخدم فأرة كمبيوتر تعمل بحركة الرأس للتحكم بالمؤشر على الشاشة، قبل مشاركته في التجربة الجديدة.

وزرعت الباحثة 256 قطباً كهربائياً دقيقاً في منطقة داخل دماغ المتطوع، وهي منطقة مسؤولة عن التحكم بعضلات الأحبال الصوتية، وسجّلت الأقطاب نشاط الخلايا العصبية بأعلى دقة ممكنة، لتُنقل بعد ذلك إلى خوارزمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي تُعرف بـ”المُفكك العصبي”، التي حللت الإشارات لاستخراج خصائص النطق، مثل الطبقة والتنغيم والنبض الصوتي.

وفي المرحلة التالية، جرى تمرير الخصائص إلى نظام توليد صوت يُعرف بـ”فوكودر”، صُمم خصيصاً لمحاكاة صوت المريض كما كان عليه قبل فقدانه القدرة على الكلام، وتميّز النظام بزمن استجابة لا يتجاوز 10 مللي ثانية، أي أن تحويل الإشارات إلى صوت كان فورياً تقريباً.

من أبرز مزايا النظام الجديد أنه لا يعتمد على معجم كلمات مُحدد، ما يتيح للمريض التعبير عن أي كلمة يريدها، سواء أكانت مدرجة في قاموس أم لا، بما في ذلك الكلمات الوهمية أو تعبيرات مثل “أه”، “همم”، و”إمم”. كما يستطيع المريض التحكم في نغمة صوته، ما يسمح له بإلقاء الأسئلة بصيغة صوتية مميزة وحتى غناء ألحان بسيطة.

ورغم هذا التقدم، واجهت التقنية بعض التحديات في وضوح الكلام، فعند اختبار الجهاز من خلال تقديم تسجيل صوتي لمستمعين وطلب مطابقة محتواه مع واحد من 6 خيارات مكتوبة، حقق النظام نسبة فهم كاملة بلغت 100%، ولكن عند إخضاعه لاختبار تفريغ مفتوح دون خيارات مسبقة، بلغت نسبة الخطأ 43.75%، ما يعني أن المستمعين استطاعوا فهم أكثر من نصف الكلمات فقط.

مع ذلك، يُعد هذا تحسناً كبيراً مقارنة بوضوح صوت المريض دون استخدام الجهاز، إذ بلغت نسبة الخطأ حينها 96.43% في نفس الاختبار.

وقال ستافيسكي: “نحن لم نصل بعد إلى مرحلة تمكننا من إجراء محادثات مفتوحة تماماً، لكن هذه النتائج تمثل إثباتاً قوياً للفكرة”.

 التجارب السريرية

وأعرب الباحثون عن تفاؤلهم بإمكانية تحسين الأداء من خلال زيادة عدد الأقطاب الكهربائية، وأوضح ستافيسكي: “هناك حالياً العديد من الشركات الناشئة التي تطوّر واجهات دماغية تحتوي على أكثر من 1000 قطب. وإذا نظرنا إلى ما أنجزناه بـ250 قطباً فقط، فبإمكاننا تخيل ما قد نحققه باستخدام 1000 أو 2000”.

شاركها.