بدائل حيوانية لحليب الأطفال تسبب أمراضًا لأطفال “الركبان”
لا تهدأ طفلة محمد الخالدي ذات الثلاث سنوات من البكاء المتواصل بعد انقطاع حليب الأطفال عن مخيم الركبان على الحدود السورية- الأردنية، إثر حصار فرضته قوات النظام السوري منذ ما يقارب ثلاثة أشهر منعت من خلاله دخول الأدوية والمواد الغذائية.
كان محمد يشغل قبل أيام منصب رئيس المجلس المحلي في المخيم، وهو معني بالمطالبة بالمواد الأساسية للسكان، لكنه يقف كما جميع السكان عاجزًا عن تأمين غذاء ابنته الرضيعة، في وقت لا تتوفر فيه البدائل الصحي، أو الحلول.
ويتزامن حصار المخيم مع استمرار إغلاق الأردن للنقطة الطبية في عام 2020 إثر جائحة “كورونا” واعتبار الأردن الرسمي القضايا المتعلقة بالمخيم “شأنًا سوريًا داخليًا”.
“الركبان” الذي يقع في منطقة “55 كيلومترًا” تديرها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، يعاني وضعًا معيشيًا وينحدر باستمرار منذ سنوات، ولم يشهد سوى تدخلات خجولة لمنظمات سورية، وأخرى دولية، في حين ينأى التحالف الدولي بنفسه عن وضع 8000 شخص يقيمون فيه.
محمد الخالدي قال ل، إنه قبل فترة وجيزة، كان حليب الأطفال شحيحًا في سوق المخيم، ما تسبب بارتفاع سعر العلبة منه إلى 150 ألف ليرة سورية (نحو عشرة دولارات).
تواصلت مع طبيب متخصص بأمراض الأطفال، يقيم بمحافظة درعا جنوبي سوريا، نظرًا لعدم وجود أي أطباء متخصصين في “الركبان”، الطبيب قال إن مخاطر تناول حليب الأبقار والماعز تكمن في عدم قدرة الطفل على تحمّل تركيزه، وقد يؤدي تناوله لإصابة الأطفال بالتهاب الأمعاء نتيجة تلوث حليب الحيوانات.
وأضاف الطبيب، الذي تحفظ على ذكر لاسمه لمخاوف أمنية، أن تسخين الحليب الحيواني بشكل جيد يجب أن يكون خطوة أساسية قبل تقديمه للأطفال، وقد لا يحمل الطفل قابلية لتحمل الحليب حتى بعد تسخينه، وخاصة إذا كان في الشهور الستة الأولى من عمره.
ومن مخاطر الحليب الحيواني على الأطفال بحسب الطبيب، أنه قد يؤدي للإصابة بالحمى المالطية.
ولم يختلف الحال لدى ماجد القاعد وهو من سكان “الركبان”، إذ لجأ لشراء حليب الماعز لحفيده البالغ من العمر ثمانية أشهر، لكن الطفل أبى أن يتناوله، إذ اعتاد خلال الفترة الماضية على تناول حليب الأطفال الصناعي.
وأضاف أن الطفل أصيب بالتهاب في الأمعاء ما دفع الأسرة لشراء حليب الأبقار، لكن هذا الحليب غير متوفر في “الركبان” بشكل جيد، فلا يوجد سوى بضع أشخاص يربون الأبقار في المنطقة.
وبعد انقطاعه بشكل كامل لجأ محمد الخالدي لحليب الماعز كبديل للحليب الصناعي، لكن طفلته أصيبت بالتهاب في الأمعاء وتراجع وزنها وساءت صحتها على خلفية ذلك.
وأضاف أن حليب زوجته لم يكن يشبع الطفلة لذلك كانت العائلة تستعين بالحليب الصناعي كمكمّل غذائي للطفلة قبل انقطاعه إثر الحصار المفروض على المخيم.
وتقسّم العائلات حليب الأبقار المتوفر بمقدار نصف كيلو لكل عائلة، ثم يضاف له الماء بغرض زيادة الكمية وتقليل كثافته كحليب للأطفال.
ولم تقتصر معاناة الأسر على الحليب، إذ بات السوق يعاني من نقص بحفاظات الأطفال والمنظفات، ما دفع ربات الأسر لاستخدام قطع القماش بديلًا عن الحفاظات ما أدى لإصابة الأطفال بحساسية جلدية.
الأرز المطحون بديلًا
لجأ خالد المرّة لطحن الأرز ونقعه بالماء لتغذية طفلته البالغة من العمر شهرين، فالحليب الحيواني، الذي يضطر لإضافة الكثير من الماء له بغية تقليل كثافته، يؤدي إلى إصابة الطفلة بالإسهال.
ممرضة تعمل في النقطة الطبية بالمخيم، قالت ل إن النساء يلجأن للنشاء والأرز المطحون لتغذية أطفالهم، نظرًا لغياب البدائل الصحية.
وأضافت أن المعاناة تكمن في عمر الطفل تحت سن الستة أشهر، وتزداد مع النساء اللاتي يعانين من صعوبة في الإرضاع الطبيعي، أو نقص في الحليب لدى الأم وخاصة أن الوضع الصحي للنساء ليس جيدًا، نظرًا لسوء التغذية بالمخيم، ما يؤثر على كميات الحليب لدى الأمهات.
ويواجه قاطنو المخيم كوارث وأزمات متتالية، أبرزها النقص الحاد في مياه الشرب، وغياب فرص العمل، والتشديد على دخول المساعدات والمواد، أبرزها الطحين، ما دفع السكان مرارًا إلى جمع فتات الخبز المخصص للأعلاف، واستخدامه طعامًا بعد نقعه بالماء، مع الكشك أو الحمّص.
وسبق أن قدم التحالف الدولي وعودًا لسكان مخيم الركبان بإطلاق خطة مستعجلة لإنقاذ سكان المخيم، إضافة إلى خطة أخرى طويلة الأمد يجري العمل عليها، عقب مظاهرات أطلقها سكان المخيم للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، وفق ما قالته صفحة المخيم عبر “فيس بوك”.
ومنذ أكثر من شهر، أطلق سكان في مخيم “الركبان” على الحدود السورية- الأردنية اعتصامًا احتجاجًا على الأوضاع التي يعيشونها، في الوقت الذي قطعت فيه قوات النظام الطرق المؤدية للمخيم مجددًا.
غياب الأمل
قلل ماجد القاعد من أهمية الوعود التي قدمها التحالف الدولي لحل المشكلات المعيشية في مخيم “الركبان” إذ اعتبر أن هذه الوعود مكررة، وكانت تطلقها منظمات في الكثير من الأحيان، وجهات أخرى مرتبطة بالتحالف، لكن الحلول كانت تقتصر على علبتين من الفاصولياء وبعض الغذائيات، ولا تحوي أدوية أو مواد غذائية أساسية وحليب الأطفال.
رئيس المجلس المحلي سابقًا، محمد الخالدي، قال من جانبه إن الطرح ليس جديدًا، فسبق وأطلقت منظمات شعارات لـ”كسر الحصار عن المخيم” لكنها وزعت مخصصات للسكان مرة واحدة خلال عام كامل.
وكانت المساعدات كافية لكل عائلة حصلت عليها لمدة أسبوع لا أكثر، ولم يتوقع أن تشمل الوعود المطروحة حاليًا مساعدات حقيقة تتجاوز ما قدم سابقًا.
ومن وجهة نظر الخالدي، فالوعود لم تقدم جديدًا، إذ لطالما وعد التحالف بتحسين أوضاع سكان المخيم عقب كل احتجاجات أو اعتصام، لكنها لم يسبق أن انعكست على أرض الواقع.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي