اعتبر المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، أن سوريا لا تزال قطعة السلام المفقودة في الشرق الأوسط، رغم أن اتفاق غزة يشكل لحظة فارقة في دبلوماسية الشرق الأوسط الحديثة، عبر اجتماع قادة العالم في مصر لوقف إطلاق النار في غزة وبدء مفاوضات السلام.
وذكر براك في مقال نشره في صفحته عبر منصة “إكس” اليوم، الاثنين 20 من تشرين الأول، أنه بعد سنوات من “الحرب الممزقة والمنهكة”، تمثل سوريا رمزًا واختبارًا لمدى قدرة النظام الإقليمي الجديد على الصمود.
“رغم التقدم المحرز، فإن سوريا تفتقد للسلام”، بحسب تعبير براك، مضيفًا أنه “لا يُمكن لأي نسيج سلام أن يكتمل بينما إحدى أقدم حضارات العالم غارقة في الدمار”.
وأضاف أن قمة السلام في غزة لم تكن مسرحية رمزية، بل كانت بمثابة “افتتاحية لسيمفونية جديدة من التعاون القائم على تكامل الطاقة والترابط الاقتصادي والطموح الإنساني المشترك، ومع ذلك، فإن إيقاع الحوار يحتاج الآن إلى أن يمتد شمالًا إلى سوريا، وفي نهاية المطاف إلى لبنان”.
ويعتقد براك أن خطوات سوريا “الشجاعة” نحو اتفاقية حدودية (في إشارة إلى اتفاق أمني مع إسرائيل) والتعاون المستقبلي المأمول، تمثل الخطوات الأولى نحو تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل، ويجب أن يكون نزع سلاح “حزب الله” هو الخطوة الثانية.
“مع استقرار دمشق، تزداد عزلة (حزب الله)”، أضاف براك، مشددًا على أن سوريا ولبنان هما الركيزتان التاليتان لسلام بلاد الشام.
إلغاء العقوبات “استراتيجية”
أشار المبعوث الأمريكي إلى سوريا إلى أهمية رفع العقوبات الأمريكية من أجل دفع عجلة إعادة الإعمار، مضيفًا “قد أظهر الرئيس ترامب ومجلس الشيوخ شجاعة بالفعل، ويجب على مجلس النواب الآن أن يكمل عمل رجل الدولة بإلغاء العقوبات، إن إلغاء قانون قيصر لا يعني نسيان التاريخ، بل إعادة صياغته من جديد، واستبدال قاموس الانتقام بلغة التجديد”.
إن إلغاء العقوبات ليس مصادقة، إنه “استراتيجية”، قال براك، شارحًا، “يطلق العنان لقدرة الحلفاء والمستثمرين من القطاع الخاص على إعادة بناء شبكات الكهرباء وأنظمة المياه والمدارس والمستشفيات في سوريا”.
“إعلان ترامب رفع العقوبات وقرار إلغاء معظم العقوبات المفروضة على سوريا، اعتبارًا من 1 تموز الماضي”، لقد حول هذان الإجراءان المزدوجان السياسة الأمريكية من العقاب إلى الشراكة، مما أشار للمستثمرين والحلفاء على حد سواء إلى أن أمريكا تقف الآن لإعادة البناء، وليس للتقييد.
وبرر دوافع رفع العقوبات بأن سوريا بعد 8 من كانون الأول 2024، ومع تنصيب حكومة سورية جديدة، لم تعد “سوريا 2019” عندما أصدر القرار، ولا الحكومة التي حكمتها سابقًا، بل شرعت قيادتها في المصالحة، بعد استعادة العلاقات مع تركيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وأوروبا، بل وانخرطت في مناقشات حدودية مع إسرائيل.
وأوضح أنه لم تعد العقوبات المستمرة تعاقب الطغاة، بل تعاقب المعلمين والمزارعين وأصحاب المتاجر الذين يجب أن يدفعوا عجلة تعافي سوريا. لذا، فإن إلغاء العقوبات ليس استرضاء، بل هو واقع. إنه يوائم السياسة مع الحقائق على الأرض ومع تطلعات منطقة مستعدة لطي صفحة الماضي.
وقد ناشد 26 من كبار رجال الدين المسيحيين من سوريا الكونجرس إنهاء العقوبات، محذرين من أنها أصبحت الآن أحد الأسباب الرئيسة لتقلص الوجود المسيحي في وطنهم. ويمثل نداءهم صدى أخلاقيًا لموجة المد المتغيرة في المنطقة، بحسب براك.
وكان مجلس الأمن الدولي نظر في مشروع قرار من شأنه تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، وعلى الرئيس السوري، أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، بمسعى أمريكي وارتياح من قبل الصين للمشروع المقترح.
المشروع الذي اطلعت عليه صحيفة “ذا ناشيونال”، صاغته الولايات المتحدة الأمريكية، وجرى توزيعه على أعضاء مجلس الأمن الـ15 في 9 من تشرين الأول الحالي.
وقالت الصحيفة، في 13 من تشرين الأول، إن القرار من شأنه أن يسمح بتدفق الأصول المالية والأموال والموارد الاقتصادية إلى الحكومة المركزية السورية.
كما سلط النص، وفق “ذا ناشيونال”، الضوء على “التوتر الكامن” في قلب سياسة المجتمع الدولي تجاه سوريا: “كيفية إعادة التعامل مع حكومة تم نبذها بسبب وحشيتها مع مواصلة الضغط على الجماعات المسلحة التي لا تزال تعتبر منظمات إرهابية”، على حد تعبيرها.
براك متفائل بالاتفاق مع “قسد”
براك وفي مقابلة مع شبكة “روداو“، في 26 من أيلول الماضي، قال إن الحكومة الحالية في سوريا تعترف برغبة كل أقلية في احترام شعائرها الدينية وخصائصها الثقافية، إلا أن هذا الأمر “يتطلب هندسة سياسية: فكيف يمكن تصميم حكومة مركزية لا تتحول إلى فدرالية وتمنح هذه المكونات حقها وفرصتها؟ وأعتقد أن ذلك يحدث بالفعل”.
وتحدث براك عن بلورة لهيكلية تحدد كيفية دمج مختلف الفصائل والأقليات بطريقة آمنة وسليمة، وقال براك إن الحكومة السورية تسعى جاهدة لتحقيق ذلك، “وأنا متفائل أنه بمساعدةٍ ما، سيتمكنون من إنجازه”.
ولم يشر بشكل مباشر إلى تشكيل حكومة جديدة مع نهاية العام، بل “نوع من الهيكلية السياسية” التي تدمج جميع الفصائل والأقليات بطريقة “آمنة وسليمة”.
وأوضح براك خلال المقابلة أنه متفائل بخصوص اندماج “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في أنظمة الدفاع السورية الجديدة، وبشأن التطلعات الكردية لمزيد من الحكم الذاتي.
واعتبر براك أن الحكومة السورية الجديدة تعترف برغبة الأقليات في امتلاك نظام تعليمي ولغوي خاص بها واحترام شعائرها الدينية، مؤكدًا أن “لا أحد يريد لهذه المكونات أن يُنظر إليها كطبقة ثانوية”، والحكومة السورية تدرك ذلك وتقدّره.
وأشار المبعوث الأمريكي إلى أن “ما حدث في السويداء كان مبكرًا ومؤسفًا”، لكنه شدد على وجود جهود مشتركة لحل الأزمة.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي