“بروكسل 9”.. تعهدات لا تسد الفجوة

– جنى العيسى
بقيمة تعهدات أقل بنسبة تقارب 29%، اختتم مؤتمر المانحين الدوليين بشأن سوريا الذي ينظمه الاتحاد الأوروبي اجتماعه السنوي في العاصمة البلجيكية، بروكسل، لكنه وللمرة الأولى حظي بتمثيل سوري بناء على دعوة رسمية لوزارة الخارجية السورية.
لاقت قيمة التعهدات المالية التي قدمتها الدول المانحة في المؤتمر الذي عقد في 17 من آذار الحالي، عدم قبول خاصة من قبل المنظمات الدولية والأممية العاملة في سوريا، إذ لا تسد إلا جزءًا قليلًا من احتياجات البلاد، خاصة في ظل المتغيرات التي فرضها سقوط النظام المخلوع، وأولوية الحاجة إلى إعادة الإعمار بدلًا من الاكتفاء بالمساعدات الإغاثية والإنسانية المؤقتة.
من الناحية السياسية، بدا موقف الاتحاد الأوروبي إيجابيًا تجاه الحكومة السورية، لكنه مشروط وحذر، فعلى سبيل المثال، لم يتم التطرق بشكل شفاف وواضح إلى أن أموال هذه المساعدات ستعطى للحكومة بشكل مباشر، كما لم يتم إبداء القابلية لإزالة العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا بسبب انتهاكات مارسها النظام السابق بشكل كامل وغير مشروط.
منذ عام 2017، ينظم الاتحاد الأوروبي مؤتمرات للمانحين في بروكسل لدعم سوريا، وكان مؤتمر هذا العام بعنوان: “الوقوف مع سوريا: تلبية احتياجات انتقال ناجح”.
تعهدات أقل من المأمول والحاجة
وصلت قيمة تعهدات الدول المانحة في مؤتمر “بروكسل” بنسخته التاسعة المخصص لدعم سوريا ودول المنطقة إلى 5.8 مليار يورو (6.3 مليار دولار أمريكي)، وهو مبلغ أقل من المبلغ المقدم في 2024، نتيجة عدم مساهمة الولايات المتحدة الأمريكية في الدعم هذا العام.
وكانت أمريكا تعهدت في “بروكسل 8” بـ545 مليون يورو، بحسب بيانات يوفرها الاتحاد الأوروبي.
المفوضة الأوروبية للبحر المتوسط، دوبرافكا سويكا، قالت، إن الدول المانحة تعهدت بما مجموعة 5.8 مليار يورو، هي 4.2 مليار من الهبات، و1.6 مليار يورو من القروض.
مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، قالت إن هذه التعهدات ستدعم سوريا في المرحلة الانتقالية الحاسمة، وتعالج الاحتياجات الماسة على الأرض.
من سيحصل على الأموال؟
في مؤتمرات “بروكسل” السابقة التي عقدت على مدار السنوات الثماني الماضية، كانت تعهدات الدول المانحة التي يتم الإيفاء بجزء منها فقط تصل إلى سوريا عبر منظمات أممية ووكالات تابعة لها عاملة على الأرض.
دعوة الحكومة السورية بشكل رسمي لحضور المؤتمر للمرة الأولى في تاريخه أنبأت بأن الأموال يمكن أن تصل إلى سوريا عبر الحكومة نفسها، التي تحتاج بدورها إلى هذه الأموال نظرًا للأولويات الملحة التي تنتظرها خاصة فيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، وهو ما لم يجرِ فعلًا.
للحصول على معلومات تتعلق بطريقة وصول أموال التعهدات إلى سوريا والجهات التي ستتسلمها هناك، بالإضافة إلى طبيعة الدور الرقابي الذي سيمارسه الاتحاد الأوروبي لناحية صرف الأموال، فضلًا عن القطاعات التي سيتم التركيز عليها في التمويل، تواصلت مع المكتب الصحفي لبعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، إلا أنها لم تتلقَ ردًا حتى ساعة تحرير التقرير.
في سياق متصل، نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل آلباريس، قوله إن الاتحاد الأوروبي سيقدم النسبة الكبرى من تعهداته في مؤتمر “بروكسل 9” على شكل مساعدات عينية عبر الوكالات الدولية ومنظمات إنسانية، وليس عبر الحكومة الانتقالية مباشرة.
أربع أولويات رئيسة
التعهدات المطروحة في مؤتمر “بروكسل 9” في حال إتمام دفعها بالكامل، وهو ما لا يحدث كل عام، لا تكفي حاجة البلاد، وفق ما أكده الباحث في الاقتصاد السياسي جوزيف ضاهر، ل.
تتراوح تكلفة إعادة الإعمار في سوريا بين 250 و400 مليار دولار، ولا يزال أكثر من نصف السكان السوريين نازحين داخل البلاد وخارجها، ويعيش 90% من السكان تحت خط الفقر، ويعتمد 16.7 مليون شخص، أي ثلاثة من كل أربعة أشخاص في سوريا، على المساعدات الإنسانية بحلول عام 2024، وفقًا لأرقام صادرة عن الأمم المتحدة.
في هذا السياق، اعتبر جوزيف ضاهر، أن أي فاعل سياسي يخلف نظام الأسد يواجه مهمة جسيمة، في حين أن احتياجات السكان والبلاد تستمر في التزايد.
بالإضافة إلى المشكلات الهيكلية الاقتصادية للبلاد والعقوبات، فإن إجراءات التقشف (إنهاء الدعم وتسريح موظفي الدولة) للسلطة الحاكمة الجديدة تزيد من تكلفة حياة السكان واحتياجاتهم.
جوزيف ضاهر
باحث في الاقتصاد السياسي
في ظل انخفاض قيمة التعهدات مقارنة بمؤتمر “بروكسل 8″، يرى ضاهر أن الأولوية في سوريا من الناحية الاقتصادية يمكن اختصارها بأربعة محددات رئيسة تتمثل بـ:
- زيادة تحويل المساعدات الطارئة إلى مساعدات إعادة الإعمار.
- رفع العقوبات المفروضة على البلاد وتنشيط الاقتصاد.
- إعادة بناء البنى التحتية للبلاد، وخاصة موارد الكهرباء والطاقة، وشبكات النقل، ومؤسسات الصحة والتعليم.
- الاستثمار في القطاعات الإنتاجية للاقتصاد، وخاصة الصناعة والزراعة، ودعم الإنتاج الوطني.
تكلفة التقاعس أعلى من تكلفة الاحتياجات
عقب إعلان قيمة التعهدات في “بروكسل 9″، حذرت “لجنة الإنقاذ الدولية” من أن التعهدات التي انخفضت بنسبة 29% عن تعهدات العام الماضي، لن تكفي لسد فجوة التمويل المتزايدة التي لا تزال تعوق الاستجابة الإنسانية بشدة، موضحة أن قيمة هذه التعهدات لن تكفي لدعم السوريين في التعافي وإعادة الإعمار بعد عقود من الدمار.
بدورها، دعت الأمم المتحدة الدول المانحة إلى عدم التقاعس في دعم سوريا لأن تكلفة التقاعس أكبر من تكلفة الدعم، وقال منسق الأمم المتحدة المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، في 20 من آذار الحالي، إن تكلفة التقاعس “أعلى بكثير من تلبية الاحتياجات الفورية ومتوسطة الأجل للشعب السوري”.
وأضاف عبد المولى أن سوريا تقف عند “نقطة تحول” مع بداية عهد جديد من “الأمل في السلام والأمن”، محذرًا مما خلفته الأعمال العسكرية على مدار 14 عامًا، إذ يحتاج اليوم 16.5 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية في سوريا.
“تحت المجهر”
في جلسة مغلقة لوزراء الاتحاد الأوروبي قبيل مؤتمر “بروكسل” مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، شدد الوزراء على أن الاتحاد عزم على مساعدة النظام الجديد “بشرط أن تساعدنا الحكومة الانتقالية بأفعالها وخطواتها العملية وتدابيرها الملموسة لاحترام جميع الأقليات وحمايتها، وإرساء أطر تشريعية واضحة تضمن احترام الحريات الأساسية، خاصة حقوق المرأة”.
ورغم التوقعات الإيجابية التي كانت تنتظر “بروكسل 9” من الناحية السياسية، يرى البعض أن التطورات الأمنية الأخيرة في الساحل السوري، دفعت الاتحاد الأوروبي إلى “وضع النظام السوري الجديد تحت المجهر”، كما قالت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، أمام مجلس وزراء الخارجية، ومراقبة الإجراءات التي يتخذها قبل الإقدام على أي خطوة في اتجاه تقديم المزيد من المساعدات ورفع العقوبات الاقتصادية.
الباحث السياسي في مركز “أبعاد للدراسات” فراس فحام، قال ل، إن استمرار العقوبات الأمريكية سيبقى عائقًا لطرح مشاريع إعادة إعمار حقيقية من طرف الأوروبيين، لأن أوروبا لا تريد المزيد من التوتر مع الإدارة الأمريكية.
خشية الأمريكيين تبرر للاتحاد الأوروبي، وفق فحام، عدم تبني سياسة دعم واضحة لإعادة إعمار سوريا، موضحًا أنه بدلًا عن ذلك يتجه الأوروبيون إلى منح تمويل لدول الجوار ومنظمات الأمم المتحدة لتقوم بدورها في الإشراف على بعض مشاريع إعادة التعافي المبكر.
تعليقًا على الحذر الأوروبي وضبط عدم الانفتاح الكامل مع حكومة دمشق، أشار فحام إلى وجود مطالب سياسية ضمن الاتحاد الأوروبي، تتعلق بضمان عدم استمرار استخدام روسيا الشواطئ والأجواء السورية ووجودها في منطقة حوض البحر المتوسط على اعتباره “تهديدًا للأمن القومي الأوروبي”.
من هذا المنطلق، يريد الاتحاد الأوروبي التأكد إلى أي مدى سيكون هناك إعادة تقييم للعلاقات بين دمشق وموسكو.
يتوقع الباحث فحام أن يكون هناك توجه أوروبي إلى المزيد من تقليص العقوبات، إلا أن الموقف الأمريكي ومدى استعداد أمريكا لتقليص العقوبات التي تفرضها على سوريا سيكون مؤثرًا بشكل كبير في هذا السياق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي