قالت هيئة الادعاء الملكية البريطانية إن القضية المتعلقة بتهم تجسّس مزعومة لصالح الصين داخل البرلمان أسقطت، بعدما رفضت الحكومة تقديم أدلة تُثبت أن الصين تشكل تهديداً للأمن القومي للمملكة المتحدة.
وأوضحت الهيئة، في رسالة أرسلتها إلى رئيسي لجنتي الشؤون الداخلية والعدل في مجلس العموم، أنها طلبت مراراً خلال الأشهر الماضية من الحكومة تزويدها بأدلة تثبت أن الصين كانت تشكل تهديداً للأمن القومي وقت ارتكاب المخالفات المزعومة عام 2023، لكنها قوبلت بالرفض، بحسب صحيفة “فاينانشال تايمز”.
وأضافت الرسالة أن هذا الرفض كان السبب الرئيسي وراء إسقاط القضية، الشهر الماضي، ضد مواطنين بريطانيين اتُهما بالتجسس على سياسيين في ويستمنستر لصالح الصين، وجاء فيها: “بُذلت جهود على مدى أشهر للحصول على الأدلة. ورغم تقديم إفادات إضافية، لم تتضمن أي منها ما يفيد بأن الصين مثّلت تهديداً للأمن القومي وقت وقوع الجريمة، وبحلول أواخر أغسطس تبيّن أن هذه الأدلة لن تتوافر، وعندها لم يعد من الممكن المضي في القضية”.
ورُفعت القضية في أبريل 2024، ضد كريستوفر كاش، وكريستوفر بيري، اللذين نفيا بشدة التهم الموجهة إليهما، وأكدا أن هيئة الادعاء كانت محقة في إسقاط ما وصفاه بأنه “ملاحقة قضائية مضللة”. وتعلقت التهم بسلوك مزعوم بين عامي 2021 و2023.
وتواجه حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر ضغوطاً كبيرة بعد إسقاط القضية، إذ ذكرت صحف بريطانية أن كبار مستشاري الأمن القومي في المملكة المتحدة رفضوا الإدلاء بشهاداتهم حول الصين بموجب قانون الأسرار الرسمية، وهو القانون الذي وُجهت الاتهامات على أساسه.
خلاف بين وزارة الداخلية ومستشاري الأمن القومي
وطالب عدد من النواب بإجراء تحقيق بعد تقارير تحدثت عن أن الحكومة فضّلت الحفاظ على العلاقات التجارية مع الصين على حساب الأمن القومي البريطاني.
وأعرب آخرون عن خشيتهم من أن يؤدي إسقاط القضية إلى تشجيع بكين على التجسس داخل البرلمان البريطاني، نظراً لأن الاتهامات تضمنت تسريب معلومات عن نواب إلى عميل صيني.
واتُهم كبار مستشاري الأمن القومي البريطانيين بإضعاف قضية الادعاء ضد كاش وبيري، بعد خلاف نشب خلال اجتماع في سبتمبر بين وزارة الداخلية ومستشاري الأمن القومي، من بينهم جوناثان باول مستشار الأمن القومي لستارمر، وماثيو كولينز نائبه، وأولي روبينز الوكيل الدائم لوزارة الخارجية.
وبحسب مسؤولين كبار، أبلغ كولينز الاجتماع بأنه لن يصف الصين بـ”العدو” أمام المحكمة، وهو ما اعتُبر شرطاً أساسياً لأي إدانة بموجب قانون “الأسرار الرسمية” البريطاني.
وفي محاكمة مماثلة مطلع العام الجاري، دفع الادعاء البريطاني، استناداً إلى شهادة كولينز، بأن “العدو” يشمل “أي دولة تمثل تهديداً لأمننا القومي”، وتمت إدانة ستة بلغاريين بالتجسس لصالح روسيا في مايو الماضي نتيجة لذلك.
وأشارت هيئة الادعاء الملكية، الثلاثاء، إلى أن قرار توجيه الاتهام في عام 2024 كان صحيحاً، لكن الحكم في قضية البلغاريين أوضح الحاجة إلى تقديم أدلة إضافية تُظهر أن الصين كانت تمثل تهديداً للأمن القومي البريطاني وقت وقوع الجرائم المزعومة.
“حملة واسعة النطاق”
ودافع ستارمر عن موقف حكومته قائلاً للصحفيين إن القضية “كان لا بد أن تعكس موقف الحكومة السابقة (المحافظة) من الصين في وقت ارتكاب المخالفات”، مضيفاً: “لا يمكنك مقاضاة شخص بعد عامين بناءً على تصنيف لم يكن موجوداً وقتها.. ما يهم هو الوضع القانوني في لحظة وقوع الفعل”.
لكن نواباً محافظين قالوا إن الصين كانت تشكل بوضوح تهديداً في ذلك الوقت، مشيرين إلى امتلاك أجهزة الأمن أدلة كافية على تصاعد أنشطة التجسس الصينية.
وكانت وزارة الخارجية البريطانية حذرت في يونيو الماضي من أن “عمليات التجسس والتدخل الصيني في ديمقراطيتنا وتقويض أمننا الاقتصادي قد ازدادت في السنوات الأخيرة”.
كما قال رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية كين ماكولوم عام 2023 إن أكثر من 20 ألف شخص في بريطانيا تم التواصل معهم عبر الإنترنت من قبل جواسيس صينيين، واصفاً ذلك بـ”حملة واسعة النطاق على نحو غير مسبوق”.
وقالت النائبة المحافظة أليشيا كيرنز، التي كان من المقرر أن تدلي بشهادتها قبل انهيار المحاكمة: “نعلم الآن أن حكومة العمال لم تكن مطالَبة حتى بتصنيف الصين كعدو، بل فقط بتقديم أدلة على أنها تمثل تهديداً لأمننا القومي، وهو أمر واضح منذ سنوات. إن رفض الحكومة التعاون مع هيئة الادعاء تصرف غير دستوري، وقد نجح حزب العمال في تقويض مؤسسات إنفاذ القانون والأمن والادعاء، بينما وجّه إلى الصين رسالة مفادها أنهم لن يدافعوا عن ديمقراطيتنا”.