قال رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية (MI5)، كين مكالوم، إن عملاء الدولة الصينية يشكلون تهديداً يومياً للأمن القومي في المملكة المتحدة، مشيراً إلى أن الجهاز الاستخباراتي تدخل عملياً خلال الأسبوع الماضي لتعطيل أنشطة صينية مريبة.

وجاءت تصريحات مكالوم في خضم جدل أثاره إسقاط قضية تتعلق بالتجسس لصالح الصين في بريطانيا، حيث أكد أن الجهاز هو من قام بإحباط الأنشطة المزعومة، معبراً عن “الإحباط عندما تنهار الملاحقات القضائية”، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC.

وكان قد تم توجيه تهمة انتهاك “قانون الأسرار الرسمية” إلى الباحث البرلماني السابق كريستوفر كاش، والأكاديمي كريستوفر بيري، في أبريل 2024، من خلال تقديمهما معلومات أو وثائق قد تكون “مفيدة للعدو” و”مضرة بسلامة أو مصالح” المملكة المتحدة خلال الفترة بين أواخر عام 2021 فبراير 2023.

وتواجه الحكومة البريطانية وهيئة الادعاء الملكية تساؤلات بشأن سبب إسقاط هذه القضية.

وكانت هيئة الادعاء أسقطت القضية الشهر الماضي بعدما قررت أن الأدلة لا تُظهر أن الصين تمثل تهديداً للأمن القومي. لكن إفادات مكتوبة لمستشار الأمن القومي البريطاني المساعد، ماثيو كولينز، نُشرت الأربعاء، أكدت أن بكين تنفذ عمليات تجسس ضد المملكة المتحدة، ما يثير تساؤلات للحكومة والادعاء بشأن سبب عدم المضي في الملاحقات.

وفي الوثائق، قال كولينز إن الصين تمارس “تجسساً واسع النطاق” ضد بريطانيا، وتُعد “أكبر تهديد قائم من دولة لأمن البلاد الاقتصادي”. واتهم المحافظون الحكومة بالسماح بانهيار القضية لتفادي الإضرار بالعلاقات الاقتصادية مع الصين.

لكن الحكومة نفت ذلك، وحمّلت المسؤولية للإدارة المحافظة السابقة التي كانت في الحكم عندما قدم كولينز إفادته الأولى، معتبرة أنها السبب في انهيار القضية.

كما وُجهت انتقادات لرئيس هيئة الادعاء ستيفن باركنسون، إذ قال نواب إن الأدلة كانت كافية لعرض القضية أمام هيئة محلفين. ونُقل عنه قوله لكبار النواب الأربعاء، إن الأدلة كانت “أقل بنسبة 5%” ما يلزم لتحقيق فرصة واقعية للإدانة.

وأعلن النائب العمالي مات ويسترن، رئيس اللجنة المشتركة لاستراتيجية الأمن القومي، التي تضم نواباً وأعضاء من مجلس اللوردات، عن فتح تحقيق في سبب انهيار القضية.

تزايد التهديدات

وفي سياق آخر من خطابه، قال مكالوم إن التهديدات الصادرة من الدول، خصوصاً روسيا والصين وإيران، في تصاعد. وأشار إلى أن جهاز الاستخبارات الداخلي شهد خلال العام الماضي زيادة بنسبة 35% في عدد الأشخاص الذين يجري التحقيق معهم.

وفي ملف الإرهاب أشار إلى أن الجهاز الاستخباراتي والشرطة أحبطا هذا العام 19 مخططاً إرهابياً في مراحل متقدمة، وتدخلا في مئات التهديدات الأخرى في مراحل التطور.

وخلال الإفادة الأولى التي قُدمت في ديسمبر 2023، عرض مستشار الأمن القومي البريطاني المساعد، ماثيو كولينز، القضية ضد الباحث البرلماني السابق كريستوفر كاش (30 عاماً) والأكاديمي كريستوفر بيري (33 عاماً). واتُهم الاثنان بالتعاون مع قيادي في الحزب الشيوعي الصيني كان نائب مدير لجنة الأمن القومي المركزية برئاسة الرئيس شي جين بينج.

وفي إحدى الرسائل، يُزعم أن كاش قال لبيري: “أنت الآن في أرض التجسس”. وينفي الاثنان ارتكاب أي مخالفات.

أما الإفادة الثانية التي كتبها كولينز في فبراير 2025 بعد تولي حزب العمال السلطة، فذكرت أن أنشطة التجسس الصينية تهدد “الازدهار الاقتصادي والمرونة البريطانية”.

وأكدت إفادة ثالثة نُشرت في أغسطس الماضي، مجدداً موقف بريطانيا من التهديد الصيني، لكن الإفادتين المقدمتين في عهد حزب العمال أوضحتا أن الحكومة “ملتزمة بالسعي إلى علاقة اقتصادية إيجابية مع الصين”.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان: “موقف الصين واضح جداً: نعارض بشدة ترويج روايات التجسس الصينية وتشويه صورة بلادنا”.

وفي مناظرة داخل مجلس العموم تساءل وزير الأمن السابق توم توجندهات، الذي كان كاش باحثاً في مكتبه: “في صف من أنتم بحق الجحيم؟”.

وأضاف: “دعوني أصف بإيجاز كيف أشعر: لقد اقتُحم منزلي، وعُبث بملفاتي، وزُرع شخص من قبل دولة معادية في مكتبي، والحزبان يتلاعبان سياسياً بالقضية”.

واتهم توجندهات الحكومة بالاهتمام بالإجراءات الشكلية بدلاً من بذل كل ما يمكن “لضمان نجاح الملاحقة القضائية”.

ورد الوزير وارد قائلاً إنه يتفهم تماماً الأثر الشخصي للقضية على توجندهات، مؤكداً أن موقف الحكومة هو أنه “لن يكون هناك أي تدخل في عمل هيئة الادعاء”، وأن “كل الجهود” ستُبذل لدعم قضيتها.

وفي بيان صدر الأربعاء، قال كاش إنه وُضع في “وضع مستحيل” لأنه لم يحصل على “فرصة محاكمة علنية لإثبات براءته”.

وأضاف: “التصريحات التي نُشرت تفتقر تماماً إلى السياق الذي كان سيُعرض أثناء المحاكمة”.

أما بيري، الذي نفى في السابق التجسس لصالح الصين، فلم يُدلِ بأي تعليق منذ غلق القضية.

شاركها.