بسبب النفقات.. إدارة ترمب تدرس إغلاق “أفريكوم”

تدرس وزارة الدفاع الأميركية “البنتاجون” إنهاء عمل القيادة العسكرية في إفريقيا “أفريكوم” ودمج قواتها مع القيادة العسكرية الأوروبية “أوكوم”، تماشياً مع سياسة ترشيد الإنفاق الفيدرالي التي أقرها الرئيس دونالد ترمب، والتي تهدف إلى خفض الدين العام الفيدرالي البالغ نحو 36 تريليون دولار، وفق ما ذكرته تقارير أميركية.
وأفادت صحيفة “واشنطن بوست” بأن إدارة ترمب خططت لاقتطاعات كبيرة في ميزانية الدفاع بنسبة 8% سنوياً على مدى 5 سنوات لتصل إلى نحو 290 مليار دولار، وتبلغ ميزانية البنتاجون هذا العام 850 مليار دولار، وقد تصل بعد خمس سنوات إلى 560 مليار دولار.
وقال وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث إنه سيتم إعادة توزيع القوات الأميركية في مختلف أنحاء العالم، بهدف زيادة الموارد المتاحة لمواجهة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
السياق التاريخي لإنشاء أفريكوم
وفي السادس من فبراير عام 2007 أصدر البيت الأبيض بياناً عن الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، بإعلان قراره تشكيل قيادة عسكرية أميركية لإفريقيا، وتوجيه البنتاجون بإنشاء “أفريكوم” بنهاية عام 2008.
وذكر بوش في بيانه أن “أفريكوم ستعزز التعاون الأمني مع إفريقيا وتخلق فرصاً جديدة لدعم قدرات شركائنا الأفارقة، وستعمل على تعزيز جهودنا الرامية إلى جلب السلام والأمن لشعوب إفريقيا وتعزيز الأهداف المشتركة في التنمية والصحة والتعليم والديمقراطية والنمو الاقتصادي في دول القارة”.
كان الغرض من إنشاء “أفريكوم” آنذاك جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً أطلق عليها “الحرب العالمية على الإرهاب”، وكان الهدف منها مواجهة النفوذ المتزايد للجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب في الصومال، وبوكو حرام في نيجيريا، وتصاعد الأخطار التي هددت السفارات والشركات الأميركية في إفريقيا منذ الهجوم على السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام عام 1998.
وتبعه تفجير السفينة الحربية الأميركية “كول” في خليج عدن عام 2000، وازدياد نشاط تنظيم “القاعدة” في منطقة القرن الإفريقي، كذلك إصرار الولايات المتحدة على دخول المنافسة مع القوى الأوروبية والآسيوية على الثروات الطبيعية في القارة الإفريقية، وعلى مدار 15 عاماً شكلت “أفريكوم” النفوذ العسكري الأميركي في 53 دولة إفريقية.
مهام أفريكوم في القارة
لا تقتصر مهمة “أفريكوم” على العمليات العسكرية لمكافحة الإرهاب فقط، وكانت آخر تلك العمليات مطلع فبراير، حيث أعلن الرئيس الأميركي ترمب شن هجمات على الصومال للقضاء على عدد من أعضاء تنظيم داعش، وأعلنت “أفريكوم” لاحقاً سقوط قيادي بارز بتنظيم داعش الإرهابي، و 14 عنصراً من التنظيم.
وبالإضافة إلى العمليات العسكرية، تشارك القيادة بنشاط في بعثات المساعدات الإنسانية والإغاثة من الكوارث، والاستجابة للأزمات مثل الجفاف والفيضانات وتفشي الأمراض، وتساعد هذه العمليات في ترسيخ التعاون بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية، كما تقدم “أفريكوم” التدريب والموارد للقوات العسكرية والأمنية الإفريقية، ويعزز هذا النهج تعزيز الاستقرار دون تدخل عسكري أميركي مباشر.
إغلاق أفريكوم والنفوذ الأميركي في إفريقيا
جيل بارندولار وهو باحث أول في مركز الدراسات الاستراتيجية وجندي سابق في قوات المارينز الأميركية قال لـ”الشرق” إن الجيش الأميركي يقسم العالم إلى قيادات مختلفة، فبالإضافة إلى “أفريكوم”، هناك القيادة المركزية التي تغطي الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، والقيادة الباسيفيكية، التي تغطي المحيط الهادئ، والقيادة الجنوبية، التي تغطي أميركا الجنوبية، والقيادة الشمالية التي تغطي الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، ثم القيادة الأوروبية التي تغطي أوروبا.
ومن وجهة نظره تعد “أفريكوم” شقيقة صغرى لكل تلك القيادات القتالية الأخرى والتي تمتلك عمليات عسكرية على نطاق أوسع وأهم، لكنه يرى أن كل التقارير التي خرجت ليست تأكيداً على حتمية إغلاق “أفريكوم”.
ويرى مارك كيميت، والذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأسبق للشؤون العسكرية أن “أفريكوم” كانت جزءاً من القيادة العسكرية الأوروبية لمدة 55 عاماً، وبالتالي إعادة دمجها مرة أخرى لن يؤثر بشكل كبير على عمليات الجيش الأميركي في القارة، حيث يمكن إسناد هذه المهمات للقيادة العسكرية الأميركية الأوروبية “أوكوم”، والقيادة العسكرية الأميركية المركزية “سينتكوم”.
من جهته صرح كاميرون هدسون لـ”الشرق”، وهو كبير الباحثين في برنامج إفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بأن إغلاق “أفريكوم” ربما لن يكون له تأثير عملي كبير، لكن سيكون له تأثير دبلوماسي ورمزي هام للغاية، لأن إغلاقها سيحدد طبيعة وما تريده الإدارة الأميركية الحالية في إفريقيا، وسيكون حول قتل الإرهابيين فقط، وليس تقديم المساعدات الأمنية أو برامج التدريب المشتركة، والاتصال العسكري بين أميركا والدول الأفريقية.
وأضاف: ستقتصر مهمة الجيش الأميركي على الاستمرار في مكافحة الإرهاب باستخدام القيادة الأوروبية “أوكوم”، وبالتالي سنرى نطاقاً محدوداً للغاية لمشاركة الولايات المتحدة في القارة وستكون مصالحنا محدودة للغاية، وسنرسل رمزياً رسالة إلى إفريقيا مفادها أننا لا نهتم كثيراً بها، وأننا لا نريد الانخراط فيها.
وتابع كاميرون: حدوث ذلك بعدما فككت إدارة ترمب الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID وجميع جهودنا الإنمائية في إفريقيا، وذلك يزيد الوضع سوءاً ويرسل رسالة أكبر إلى إفريقيا، بأننا غير مهتمين بالقارة التي تنمو بسرعة كبيرة، ولديها إمكانيات واعدة ومليئة بالثروات الطبيعية.
روسيا تترقب فرص زيادة نفوذها في إفريقيا
خلال العقد الماضي وسعت روسيا من تواجدها في الدول الإفريقية عبر وسيط أمني وهي شركة فاجنر، الشركة الروسية الخاصة شبه العسكرية، والتي قادها يفجيني بريجوجين قبل وفاته عام 2023 بعد سقوط طائرته بالقرب من موسكو بعد محاولة انقلاب فاشلة على وزارة الدفاع الروسية.
وساهم بريجوجين في زيادة التواجد الروسي في إفريقيا عبر تقديمه الدعم للتصدي لحركات التمرد وتوفير الحماية الشخصية لعدد من زعماء الدول الإفريقية، مقابل صفقات المناجم ومشروعات البنية التحتية للشركات الروسية.
وتعتبر دول مثل السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى والنيجر وبوركينا فاسو من أكثر الدول التي تعاونت مع فاجنر خلال الأعوام الماضية، ونجحت روسيا في إبرام اتفاقية جديدة تضمن لها امتلاك قاعدة عسكرية بحرية في بورتسودان بعد مفاوضات استمرت لعدة أشهر بين الجانب الروسي والجيش السوداني.
ويذكر أن رغبة روسيا في امتلاك قاعدة بحرية لها بالبحر الأحمر بدأت مع زيادة التعاون بين الرئيس بوتين والرئيس السوداني المخلوع عمر البشير عام 2017 بعد زيادة العقوبات الأميركية على النظام السوداني آنذاك.
وخلال العام الماضي صرح السفير الروسي في إفريقيا الوسطى ألكسندر بيكانتوف بأن روسيا تقترب من إنشاء قاعدة عسكرية لها على أراضي إفريقيا الوسطى، والتي تعد من الدول التي عانت على مدار عشرين عاما من الانقلابات والتمردات والصراعات الطائفية، وتعد موسكو أقرب حليف للحكومة هناك، والتي لا تسيطر على كامل أراضي الدولة بسبب الصراعات.
أما النيجر تعتبر من أهم الشواهد على انحسار النفوذ الأميركي في إفريقيا حيث أنهت القوات الأميركية تواجدها في قاعدتين عسكريتين ضمتا نحو 1000 جندي أميركي في سبتمبر من العام الماضي، ورجح عدد من الخبراء أن السبب قد يعود لانقلاب عسكري حدث قبلها بعام، وبأن المجلس العسكري الحاكم الحالي يفضل التعامل مع روسيا أكثر من الولايات المتحدة.
ويرى بارندولار أن إغلاق “أفريكوم” قد لا يكون مؤثراً على المستوى العسكري، لكنه قد يمنح فرصة ذهبية لروسيا لزيادة وجودها في عدد من دول القارة.
وقال بارندولار إن “هذا الأمر قد لا يشكل مصدر قلق لإدارة الرئيس الأميركي، فمنذ تولي دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة في ولايته الثانية بدا واضحاً أنه أقل اهتماماً بالتنافس مع روسيا وأوجه نفوذها في العالم، بل أنه يسعى بشتى الطرق على عقد صفقات مع روسيا، بل وترجيح كفتها على حساب حليفتنا أوكرانيا بالتالي يمكن استنتاج أن إدارة بايدن لا تشغل بالا بما قد تفعله روسيا في إفريقيا وهو عكس تماماً ما كانت تؤمن به الإدارة الأميركية السابقة”.
ويعتقد كاميرون هدسون أن “قضية الأمن هي الشاغل الأول للعديد من البلدان في إفريقيا، وتمثل أولوية لتحقيق التنمية وأي احتياجات أخرى، وإذا لم تكن الولايات المتحدة موجودة لتقديم المشورة والمساعدة والدعم، فإن هذه البلدان ستضطر إلى البحث عن شركاء آخرين على استعداد وقادرين على القيام بهذا الدور. وبالطبع، روسيا وشركاتها الأمنية الخاصة على رأس هذه القائمة، وستكون روسيا سعيدة للغاية بالقيام بهذا الدور بدلاً من الولايات المتحدة، والهدف ثروات أفريقيا.. لذا أعتقد أن هناك خطراً حقيقياً، إذا أمضت إدارة ترمب قدما في إغلاق أفريكوم”.
لكن مارك كيميت يعتقد أن الإدارة الحالية في بداية عهدها، وقد يتغير موقفها تجاه روسيا، فتوجهات ترمب غير متوقعة بالمرة وقد يغير سياسته تجاه روسيا في أي وقت لاحق، لذا لا يمكن التعويل على التصريحات الحالية لترمب المتعلقة بضرورة التقارب مع روسيا فقد يتغير ذلك خلال ليلة وضحاها.
طموحات الصين العسكرية في إفريقيا
الزحف الصيني نحو إفريقيا بدأ منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي، حينها كانت بكين تقدم مساعدات اقتصادية للدول الإفريقية التي تحررت من دول الاستعمار الأوروبية، وتطورت العلاقات الصينية الإفريقية على مدار العقود التالية لتشمل عقوداً تجارية واستحواذاً للصين على قطاعات التعدين في عدد من دول القارة.
ودعمت مبادرة الحزام والطريق الصينية التواجد الصيني ليس فقط على المستوى التجاري، بل أيضاً العسكري في عدد من دول القارة، لتأمين مصالحها من استثمارات في البنية التحتية الحيوية، وأمن الطاقة، وضمان سلامة الممتلكات الصينية في إفريقيا.
وشمل التعاون التدريبات المشتركة، ومبيعات الأسلحة، وبرامج التدريب، وبالإضافة إلى ذلك المشاركة في عمليات حفظ السلام في 7 دول إفريقية هي الكونغو الديمقراطية، والسودان، وجنوب السودان، وغينيا بيساو والصومال، ومالي، وإفريقيا الوسطى.
ولحماية الخط البحري الرابط بين الصين والقارة الأوروبية عبر ساحل البحر الأحمر وقناة السويس، أعلنت الصين عام 2017 عن إنشاء قاعدة بحرية لها في جيبوتي تجاور قاعدتين بحريتين للولايات المتحدة واليابان، كما تخطط بكين في إنشاء قواعد عسكرية جديدة لها في دول تنزانيا، ونامبيا، وكينيا.
وواجه الطموح العسكري الصيني التضييق الغربي والأميركي، عبر التأثير على دول القارة الإفريقية وإثناءها عن التعاون العسكري مع الصين أو مواجهة العقوبات الاقتصادية عليها، كما أن الخبرة العسكرية الصينية في تقديم المشورات والدعم العسكري لا يقارن بالجانب الأميركي الأوروبي.
لكن هل يمكن أن تزيد الصين من تواجدها العسكري في القارة إذا قررت الولايات المتحدة إغلاق “أفريكوم”؟
يرى بارندولار أن إدارة ترمب حددت أهدافها بمواجهة الصين على كافة المستويات التجارية والعسكرية، لكنه قال إن الدائرة المحيطة بالرئيس ترمب تدفعه للتركيز على مواجهة الصين في منطقة المحيطين الهادي والهندي فقط، ما يعتبر تقييداً جغرافيا لهذه المواجهة الهامة للولايات المتحدة في وجه الصين، وبالتالي هم أقل قلقاً بشأن النفوذ الصيني في أجزاء أخرى من العالم مثل القارة الإفريقية.
وشدد على أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن قاعدتها البحرية في جيبوتي لأهميتها في مواجهة عمليات القرصنة في البحر الأحمر، وأيضاً التصدي لهجمات الحوثيين في منطقة مضيق باب المندب.
أما كاميرون هدسون، فيعتقد أن الإدارة الأميركية ستواجه الصين في إفريقيا، لكن على أساس تجاري، ويرى أن الصين لم تثبت أنها شريك أمني كبير للدول الإفريقية، ولم يكن تأثيرها كبيرا على الجبهة السياسية، وعلى جبهة دعم السلام، بل تستخدم نفوذها لإبرام صفقات تجارية في أفريقيا فقط.
كما يعتقد أن إدارة ترمب تستعد لمزيد من المنافسة التجارية مع الصين في إفريقيا، لكن فقط فيما يخدم مصالحها بعيدا عن الاحتياجات الإنسانية أو حتى لأسباب متعلقة بدعم الديمقراطية في إفريقيا بما يخدم قيمنا، لكن سيقتصر الأمر حول مناجم المعادن والمنافسة الجيوستراتيجية مع الصين، ما قد يؤدي إلى تآكل التصور العام للولايات المتحدة كشريك موثوق لعدد من دول القارة الإفريقية.
وإجمالاً لا يتعلق الأمر بالقيادة العسكرية الأميركية الإفريقية “أفريكوم” فقط، بل بأننا قد لا نرى مشهد تجمع زعماء القارة حول الرئيس الأميركي ترمب كما حدث مع سابقه بايدن نهاية عام 2022 بالقمة الأميركية الإفريقية التي عقدها بواشنطن، وتعهد خلالها بتقديم 55 مليار دولار مساعدات للدول الإفريقية، ولعل قرار ترمب بإنهاء المبادرة الأميركية في إفريقيا “باور إفريقيا” والتي بدأت عام 2013 بهدف مد خطوط الكهرباء بعدد من دول القارة هي دليل واضح على توجهات الرئيس الأميركي تجاه إفريقيا.