بعد إسقاط النظام.. هل يمكن تجاوز القرار “2254”
تحدثت “القيادة العامة” التي انبثقت عن “إدارة العمليات العسكرية” المسيطرة على مفاصل صنع القرار في دمشق، بعد إسقاط النظام السوري، عن أنها تريد تحديث ما ورد في القرار الأممي “2254”، وفق ما جاء على لسان قائدها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني).
الشرع بحث خلال اجتماعه مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، ضرورة إعادة النظر في “القرار 2254″، نظرًا إلى التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي، معتبرًا أن من الضروري تحديث القرار ليتلاءم مع الواقع الجديد.
من جانبه، أيّد “الائتلاف السوري المعارض” الاتجاه نحو تطبيق القرار الأممي، وقال، إن الانتخابات المقبلة يجب أن تجري استنادًا إلى دستور جديد يقره السوريون، ضمن جدول زمني محدد وفق الآليات التي اعتمدها “2254”.
وذكر رئيس “هيئة التفاوض السورية”، بدر جاموس، وهي هيئة معارضة معنية بإجراء مفاوضات مع النظام المخلوع، أن موقف “هيئة التفاوض” واضح وثابت بضرورة المتابعة في الوقت الراهن لضمان الوصول إلى أهداف الثورة السورية، وبناء دولة مدنية ديمقراطية تمنح الشعب الحق في اختيار ممثليه دون ترويع أو خوف، في بيئة آمنة ومحايدة.
وترى “الهيئة” أن البنود المذكورة في القرار “2254” تمثّل وسيلة حقيقية لتحقيق ذلك، وأن غياب النظام المخلوع لا يُلغي هذا القرار، خصوصًا أن الأطراف لم تصل بعد إلى الأهداف التي حدّدها وبُني على أساسها.
ما “2254”؟
اتخذ القرار “2254” الذي اعتمده مجلس الأمن في جلسته “7588”، التي عقدت في 18 من كانون الأول 2015، وأكد في بدايته على التزامه بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وبمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
وحمل القرار 16 بندًا هي:
- تأييده بيان “جنيف” وبياني “فيينا” كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها من أجل إنهاء النزاع في سوريا، ويشدد على أن الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سوريا.
- دعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي.
- يعتبر الفريق الدولي المنبر الرئيس لتيسير الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لتحقيق تسوية سياسية دائمة في سوريا.
- يدعم حكمًا ذا مصداقية، بقيادة سورية، يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، ويحدد جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، ويدعم انتخابات حرة ونزيهة عملًا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة، يشارك فيها جميع السوريين بمن فيهم اللاجئون في الخارج.
- يؤيد وقف إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا، ويدخل حيز النفاذ بمجرد أن يبدأ الانتقال السياسي برعاية الأمم المتحدة، استنادا إلى بيان “جنيف”.
- تقوم الأمم المتحدة الجهود الرامية إلى تحديد طرائق وشروط وقف إطلاق النار، ومواصلة التخطيط لدعم تنفيذ وقف إطلاق النار، ويحث الدول الأعضاء.
- يشدد على الحاجة إلى آلية لرصد وقف إطلاق النار والتحقق منه والإبلاغ عنه.
- يدعو لمنع وقمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”، وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطين بتنظيم “القاعدة” أو تنظيم “الدولة”، ولا يطبق وقف إطلاق النار على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضد هؤلاء الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات.
- يرحب بالجهود التي بذلها الأردن للمساعدة في إيجاد فهم مشترك داخل الفريق الدولي لدعم سوريا للأفراد والجماعات الذين يمكن أن يحددوا بوصفهم “إرهابيين”، وينظر في التوصية التي قدمها الفريق لغرض تحديد “الجماعات الإرهابية”.
- يشدد على ضرورة اتخاذ جميع الأطراف السورية لتدابير بناء الثقة من أجل المساهمة في فرص القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، ويدعو الدول لاستخدام نفوذها لدى حكومة سوريا والمعارضة السورية من أجل المضي قدمًا بعملية السلام.
- يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريرًا إلى المجلس، في أقرب وقت ممكن، وفي موعد لا يتجاوز شهرًا واحدًا من تاريخ اتخاذه، عن الخيارات المتاحة للقيام بالمزيد من تدابير بناء الثقة.
- يدعو الأطراف إلى أن تتيح فورًا للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سوريا ومن خلال أقصر الطرق، وأن تسمح فورًا بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، لا سيما في المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، والإفراج عن أي محتجزين بشكل تعسفي، لا سيما النساء والأطفال.
- يطالب بأن توقف جميع الأطراف أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها، بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي، وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك من خلال القصف المدفعي والقصف الجوي.
- يؤكد على الحاجة الماسة إلى تهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين داخليًا إلى مناطقهم الأصلية وتأهيل المناطق المتضررة، وفقًا للقانون الدولي، بما في ذلك الأحكام الواجبة التطبيق من الاتفاقية والبروتوكول المتعلقين بمركز اللاجئين، وأخذ مصالح البلدان التي تستضيف اللاجئين بالحسبان، ويحث الدول الأعضاء على تقديم المساعدة في هذا الصدد.
- يطلب إلى الأمين العام أن يقدم تقريرًا لمجلس الأمن في غضون 60 يومًا عن بدء تنفيذ القرار، بما في ذلك عن التقدم في العملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة.
- يقرر إبقاء المسألة قيد نظره الفعلي.
هل يمكن تجاوز القرار “2254”
يمكن للمعارضة السورية أن تتجاوز القرار الأممي باعتباره غير ملزم، وفق ما يراه الباحث في مركز “الحوار السوري” الدكتور أحمد قربي، إذ يمكن للسوريين اليوم أن يطلقوا مبادرة، تتضمن أنها تنطبق مع “بيان جنيف”، بناء على حواري سوري- سوري، دون الإشارة إلى “2254”، لكن هذا الطرح مرتبط بشكل أساسي بالسلطة القائمة حاليًا في دمشق.
وقال الباحث ل، إن وضع مسار وخارطة للدعوة إلى حوار وطني يضم أطرافًا محددة تشمل الجميع، دون إقصاء وتمييز، هو المطلوب حاليًا، وهو ما رفضه النظام على مدار السنوات الماضية.
ووفق القربي، كانت عرقلة النظام للعملية السياسية سابقًا سببًا بتدويل الملف السوري (تحويله لملف دولي)، وفي حال تعنت “إدارة العمليات العسكرية” اليوم، ومحاولتها إقصاء بقية الأطراف سيعاد تدويل الملف مجددًا.
وأضاف أن إطلاق حوار داخلي بين الأطراف السورية سيغلق الباب أمام تدخل وتدويل الملف السوري مجددًا، وسيترك الأمر داخل البيت الداخلي.
من جانبه، يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، أن “إدارة العمليات العسكرية” تتحرك وفق ثلاثة عناصر رئيسة:
الأول أنها تريد أن تنطلق من نموذج إدلب على اعتبار أنه نموذج آمن لها في المرحلة المقبلة.
والثاني هو حصر الخطاب السياسي كله عن طريق “القيادة السياسية” التابعة لـ”إدارة العمليات العسكرية”.
أما العنصر الثالث فهو فتح المجال لرسائل سياسية للدول، ومحاولة التعاطي معها بطريقة إيجابية.
ولفت إلى أن تعاطي أحمد الشرع مع المبعوث الدولي في دمشق، والمطالبة بتحديث القرار الأممي، يحمل وجهين، الأول محق، كون القرار يعود لعام 2015، وطرأت تغييرات جذرية على الميدان.
والوجه الثاني هو أن “إدارة العمليات العسكرية” تحمل “قراءة غير موضوعية للمشهد السياسي”، خصوصًا أن السياق السياسي تغير، إذ لم تعد هناك أطراف متنازعة بل هناك طرف انتصر على الآخر، وبالتالي مَن يفاوض مَن؟
واعتبر طلاع أن “2254” هو منصة لأمور مهمة، هي توسيع آليات الحوار، وتأمين قيادة سياسية تشاركية، وتفنيد قضايا سياسية مهمة متعلقة بالحكومة واللاجئين ومحاربة الإرهاب.
ولفت إلى أن حديث الشرع عن تحديث لـ”2254″ يمكن قراءته على أنه “تعاطٍ إيجابي” مع العملية السياسية.
ما نتائج التملص من القرار
يُنظر اليوم إلى أي محاولة للتملص من تطبيق عملية تشاركية في قيادة سوريا اليوم على أنها محاولة للتهرب من تطبيق بنود “بيان جنيف”، وقد تؤدي هذه التحركات إلى استمرار العقوبات المفروضة على سوريا، وربما فرض عقوبات أخرى، وقد يفتح احتكار السلطة المجال لتدخل عسكري في سوريا، وفق الباحث أحمد القربي.
واعتبر الباحث أن مستقبل العملية السياسية منوط في السلطة الجديدة بدمشق، ويفترض أن تأخذ هذه السلطة المبادرة حتى تفوّت الفرصة على التدخل الدولي.
وأضاف ل أن التأخر في السير نحو عملية سياسية سيزيد من احتمالية التدخل الدولي، ووضع خارطة طريق أمام العملية السياسية التشاركية تشمل جميع مكونات السوريين سيبعد سوريا عن هذه الاحتمالات.
ويتحدث القرار “2254” عن أطراف أساسية، هي المعارضة والنظام وممثلون عن المجتمع المدني، ومع سقوط نظام الأسد المخلوع، ربما يختلف توصيف الأطراف، إذ يمكن اعتبار أن المعارضة صارت هي القيادة الحالية، وأن الأطراف الفاعلة في النظام هي المعارضة السورية.
وبناء على احتمالات تغيير هذه المسميات، يمكن أن نشهد في المستقبل مطالب بأن يكون حزب “البعث” أو حكومة الجلالي حاضرين كمعارضة في المفاوضات.
اقرأ أيضًا: سوريا.. انتقال تحت المراقبة
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي