في قلب القرن الإفريقي، حيث تتقاطع الطموحات الصناعية مع أزمات الطاقة المزمنة، تسعى إثيوبيا إلى تحقيق تحول تاريخي ينهي اعتمادها شبه الكامل على النفط المستورد، رغم محدودية احتياطياتها. ففاتورة الوقود التي تتجاوز 4 مليارات دولار سنوياً باتت عبئاً يثقل اقتصادها ويستنزف احتياطياتها من النقد الأجنبي.

ومن خلال مشاريع كبرى مثل مصفاة جودي الجديدة، تراهن أديس أبابا على بناء صناعة طاقة قادرة على تلبية احتياجاتها المحلية وتعزيز مواردها الوطنية. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل تمتلك إثيوبيا فعلاً المقومات اللازمة لتحقيق هذا التحول الطاقي الطموح؟

كم يبلغ حجم احتياطيات إثيوبيا من النفط؟

وفقاً لموقع “بيزنس إنسايدر أفريكا”، نقلاً عن بيانات “جلوبال فايرباور”، تمتلك إثيوبيا نحو 428 ألف برميل فقط من الاحتياطي النفطي المؤكد، وهو رقم ضئيل للغاية يضعها في المركز 98 عالمياً ضمن قائمة الدول الأقل امتلاكاً للنفط.

في المقابل، يشير تقرير “آفاق الطاقة في إثيوبيا 2025” الذي أعدته “وزارة المياه والطاقة” في مايو الماضي، إلى أن ثروة البلاد من الوقود الأحفوري تتركز في الغاز الطبيعي من حوض “أوجادين” ويُقدّر الاحتياطي المؤكد بـ2.6 تريليون قدم مكعب.

ما أبرز مشاريع إنتاج وتكرير النفط في إثيوبيا؟

انطلقت في أكتوبر 2025 أعمال بناء أول مصفاة نفطية في البلاد بمنطقة جودي في إقليم الصومال شرقي البلاد، بطاقة تصل إلى 3.5 مليون طن سنوياً، عبر شراكة حكومية مع مجموعة “جي سي إل” الصينية، بهدف تقليل الاعتماد على الاستيراد وتوفير المشتقات النفطية محلياً، والذي يُعدّ ضمن مجموعة مشاريع تطوير كبرى بقيمة 10 مليارات دولار، ويعتمد على النفط من حقل “هلالا”، بحسب ما ذكره رئيس وزراء البلاد آبي أحمد في منشور على منصة “إكس”.

وأضاف آبي أحمد: “تمثّل هذه المشاريع أكثر من مجرد تقدم صناعي، فهي تجسد مسؤوليتنا المشتركة في استغلال الفرص وتعزيز التعاون وتعزيز السلام”.

كما اتفقت إثيوبيا في عام 2015 على إنشاء خط أنابيب للوقود مع جيبوتي ويُعرف باسم “خط أنابيب القرن الإفريقي”، غير أن المشروع تأجل منذ 2016، لذلك لا يزال الوقود يُنقل بالشاحنات لمسافة نحو 800 كم من جيبوتي إلى أديس أبابا.

وهناك مقترحات لمد خط لنقل النفط من جنوب السودان عبر إثيوبيا إلى جيبوتي أو ميناء لامو الكيني، إلا أن هذه المشروعات لم تتعدَّ مرحلة النقاش حتى عام 2025، ولم يُعلن عن تفاصيل رسمية بخصوصها.

من أين تستورد إثيوبيا النفط ومشتقاته؟

بحسب بيانات وزارة الصناعة الإثيوبية، تعتمد البلاد على استيراد أغلب احتياجاتها النفطية المكررة من دول الخليج خصوصاً السعودية والكويت والإمارات، عبر ميناء جيبوتي البحري، وبلغت فاتورة الواردات نحو 448 مليون دولار في أبريل 2025، مع استمرار استيراد المشتقات إلى حين اكتمال المشاريع المحلية.

تفيد استراتيجية وزارة الصناعة أن نحو 80% من المنتجات النفطية المكررة تستورد من الكويت والإمارات، بينما يأتي فحم الكوك البترولي من الولايات المتحدة وعُمان والبحرين.

وفي الفترة بين يوليو وسبتمبر 2023 بلغ حجم واردات مؤسسة إمداد البترول الإثيوبية ما يزيد على 975 ألف طن، شملت أكثر من 609 آلاف طن من الديزل، ونحو 479 ألف طن من البنزين.

كم تبلغ فاتورة إثيوبيا للواردات النفطية؟

بحسب تقرير “آفاق الطاقة في إثيوبيا 2025” الذي أعدته وزارة المياه والطاقة في مايو الماضي، تتجاوز كلفة واردات المنتجات البترولية 4 مليارات دولار سنوياً، مع ارتفاع معدل استهلاك الوقود الأحفوري بمقدار 130% منذ 2011، الأمر الذي دفع الحكومة إلى وضع استراتيجية لاستغلال الموارد الطبيعية المحلية للحد من الاستيراد.

وتتجه إثيوبيا نحو تعزيز أمن الطاقة الوطني عبر الاستثمار في التكرير المحلي، وجذب الاستثمار الأجنبي، إلى جانب الإشراف الحكومي القوي على القطاع، بهدف خلق فرص عمل وتوفير المشتقات وتحفيز التصنيع والزراعة.

تحديات أمام المشاريع النفطية في إثيوبيا

تعاني المشروعات النفطية في إثيوبيا من صعوبات في تدبير التمويل الضخم، خاصة مع ارتفاع الدين السيادي وقيود الحصول على النقد الأجنبي اللازم لاستيراد المعدات والمواد الخام. وبلغت قيمة ديون البلاد الخارجية نحو 29 مليار دولار في العام الماضي، كما يوضح الرسم البياني التالي:

وبحسب موقع “أديس إنسايتس”، أغلب واردات المشتقات النفطية تصل عبر ميناء جيبوتي فقط، مما يسبب مشكلات لوجستية وارتفاع تكاليف النقل والتخزين.

كما أن منطقة المشاريع الرئيسية (إقليم الصومالي) لا تزال تواجه حالة من عدم الاستقرار والصراعات، ما يمثل تهديداً أمنياً للاستثمارات والمنشآت النفطية.

هذا المحتوى من “اقتصاد الشرق مع بلومبرغ”

شاركها.