بعد إعلان حل حزب العمال الكردستاني لنفسه رسمياً.. خبير يكشف ما ينتظر تركيا وسوريا ومصير “أوجلان”

في خطوة وُصفت بالتاريخية، أعلن حزب العمال الكردستاني (PKK) عن حلّ نفسه رسميًا بعد أكثر من أربعة عقود من الصراع المسلح ضد الدولة التركية، إلا أن محللين وخبراء لا زالوا يشككون بهذه الخطوة راهنين ذلك بالحل الفعلي للذراع العسكري على الأرض، ولا يخفى أن هذا التطور سينعكس على سوريا والعراق كما تركيا، وجاء القرار بعد المؤتمر الثاني عشر للحزب، الذي انعقد بين 5 و7 مايو 2025 في شمال العراق، وتم الإعلان عنه عبر وسائل إعلام مقرّبة من الحزب.
ويأتي هذا الإعلان استجابة لدعوة زعيم الحزب المسجون، عبد الله أوجلان، الذي دعا في وقت سابق من هذا العام إلى إنهاء العمل المسلح والبحث عن حل سياسي سلمي، وفي بيانه الرسمي، أكد الحزب أن “المهمة التاريخية قد أُنجزت”، ودعا إلى النضال في المجال السياسي والاجتماعي والثقافي بدلاً من العمل العسكري، ما دفع بعض الجهات للحديث عن إمكانية عقد صفقة لإطلاق سراح “أوجلان” الزعيم التاريخي للحزب، فهل يحدث ذلك؟
تقييم الحكومة التركية للقرار وإمكانية الحوار السياسي
المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، عمر جليك، علّق على القرار قائلًا إن “حلّ التنظيم “الإرهابي” خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح”، مضيفًا أن الدولة التركية تتابع هذا الإعلان بحذر وستقوم بتقييم مدى جديته على الأرض، ورغم الترحيب المبدئي، لم تصدر مؤشرات واضحة حول نية الحكومة فتح حوار شامل مع الكيانات السياسية الكردية.
وفي حديث مع الدكتور مختار فاتح بيدلي، الباحث في الشؤون التركية، قال لـ”وكالة ستيب نيوز“: “التجربة التركية اليوم تقدم نموذجًا في احتواء التعددية والانطلاق نحو التنمية بعد سنوات من الصراع الدموي، ورغم أن الحكومة التركية تنظر بحذر إلى إعلان الحل، فإن المزاج السياسي العام يميل إلى ضبط النفس والتفاؤل الحذر”.
ويضيف: “أنقرة لا تتعامل بتفاؤل مفرط بسبب تجارب سابقة، ولكن قد تكون هناك مؤشرات على استعداد محدود لإعادة فتح قنوات الحوار، بشرط أن يكون هناك التزام فعلي بوقف النشاطات المسلحة، وأن تكون الخطوة صادقة هذه المرة، لا تكتيكًا مرحليًا”.
جدية الحزب في تنفيذ القرار والتحديات الأمنية
ورغم إعلان الحل، لم يتضح حتى الآن مصير الجناح العسكري للحزب المتمثل في “قوات الدفاع الشعبي”، أو وحداته المرتبطة به في سوريا (قسد) وشمال العراق، وتبقى التساؤلات قائمة حول قدرة الحزب على تفكيك بنيته العسكرية فعليًا، في ظل تداخل الصراعات الإقليمية.
وحول ذلك يقول بيدلي: “جدية حزب العمال الكردستاني تظل موضع شك، بسبب وجوده في دول متعددة، وتاريخه في استخدام إعلانات وقف إطلاق النار كأداة تفاوضية”.
ويضيف: “البنية اللامركزية للحزب، ووجود فروع قوية في سوريا والعراق وإيران، تعقّد من تنفيذ القرار، لذلك فإن صدقية هذه الخطوة ستُقاس بمدى التزام الحزب بخفض التوتر داخل تركيا، لا بمجرد التصريحات الإعلامية”.
التأثير على الداخل التركي والمكون الكردي
في الداخل التركي، لا تزال العلاقة بين السلطات والمجتمع الكردي متوترة، خاصة بعد حملات أمنية متكررة ضد حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، المتهم من قبل أنقرة بالارتباط بـ PKK .
يقول بيدلي: “إذا ما ثبت أن القرار عملي وله انعكاس على الأرض، فقد يسهم في تهدئة التوترات في جنوب شرق تركيا، ويفتح المجال لخطاب سياسي أكثر اعتدالًا”.
مشيراً إلى أن أبناء تلك المناطق من مختلف المكونات يتطلعون لحلول سياسية وتنموية، لا لصراع مسلح.
ويضيف: “أن أي خطوات من الدولة لتحسين المناخ السياسي والمدني ستعزز هذا التوجه الإيجابي، خاصة إذا شملت تخفيف القيود على العمل السياسي المشروع”.
مستقبل عبد الله أوجلان في ظل المتغيرات الجديدة
عبد الله أوجلان، المسجون منذ عام 1999، لا يزال يتمتع بمكانة رمزية لدى أنصاره، لكنه يشكّل ملفًا حساسًا للغاية في السياسة التركية، فهل تعقد صفقة لإطلاق سراحه بعد هذا التطور؟
يقول بيدلي: “من المستبعد في الوقت الراهن إعادة النظر في وضع عبد الله أوجلان، نظرًا للحساسية الشعبية والسياسية”، لكنه يشير إلى أنه مع ذلك، قد يُسمح له بهامش أكبر من التواصل، كما حدث في مراحل سابقة.
ويؤكد أن الإفراج الكامل عنه يظل احتمالًا بعيدًا في الظروف الحالية، لكنه قد يُطرح مستقبلاً ضمن أي مسار تفاوضي شامل وجاد.
الانعكاسات الإقليمية على الصراع في سوريا والعراق
للحزب علاقات تنظيمية قوية مع وحدات حماية الشعب (YPG) في سوريا، والتي تُعد القوة الرئيسية في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ما يربط الإعلان بسيناريوهات متعددة في شمال سوريا والعراق.
ويرى “بيدلي” أن القرار قد يُحدث تحولًا مهمًا في مناطق مثل شرق الفرات، بالنظر للعلاقة العضوية بين الحزب وYPG.
ويقول: “إذا تضمن القرار التزامًا فعليًا بخفض التوتر، فقد يؤدي إلى تهدئة على الحدود مع تركيا، ويفتح الباب لتفاهمات إقليمية أو دولية، ومن جهة أخرى، إذا رأت أنقرة أن الإعلان مجرد تكتيك، فقد تكثف عملياتها العسكرية”.
ويضيف: “القرار قد يغيّر أيضًا مواقف الإدارة الذاتية وقوات “قسد”، ويعيد ترتيب العلاقات الكردية الكردية، خصوصًا مع المجلس الوطني الكردي المدعوم من أربيل”.
ويوضح أنه في ظل الوضع السوري الجديد تحت قيادة أحمد الشرع، قد تظهر فرص لإعادة دمج الأكراد في مشروع وطني جامع، بعيدًا عن الأجندات العابرة للحدود.
ويمثل قرار حلّ حزب العمال الكردستاني فرصة فريدة لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة التركية والمجتمع الكردي، لكنه في الوقت ذاته يثير تحديات أمنية وسياسية معقّدة، تتطلب إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف.
وحتى يتحقق تحول فعلي على الأرض، ستظل الأنظار موجهة إلى أنقرة وقيادة الحركة الكردية، لتحديد ما إذا كانت هذه الخطوة مجرد إعلان رمزي، أم بداية لمرحلة تاريخية جديدة في تركيا والمنطقة.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية