بعد اعتقال طلاب لدعمهم فلسطين.. الجامعات في مرمى ترمب

اتخذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إجراءات عقابية ضد الجامعات التي سمحت بتظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، رغم تفاخر الرئيس أمام أعضاء الكونجرس في خطاب حالة الاتحاد بـ”إعادة حرية التعبير إلى أميركا”.
وأصدر الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً، في الأسبوع الأول لولايته الثانية، يستهدف الطلاب المشاركين في الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، ما أدى إلى اعتقال إدارة الهجرة والجمارك الأميركية للطالب الفلسطيني بجامعة كولومبيا محمود خليل، في 8 مارس، رغم أنه يحمل الإقامة الدائمة، المعروفة بالبطاقة الخضراء.
ووجد خليل، الذي لعب دوراً رئيسياً في المفاوضات بين الطلاب ومسؤولي الجامعة، خلال تظاهرات العام الماضي، نفسه مهدداً بالترحيل بسبب مشاركته في التظاهرات.
كما اعتقلت سلطات الهجرة الطالبة لقاء كردية المؤيدة للفلسطينيين في جامعة كولومبيا، بزعم بقائها في الولايات المتحدة لمدة تتجاوز المسموح لها بها بموجب تأشيرتها الطلابية الجمعة. وقررت طالبة هندية بالجامعة “ترحيل نفسها طوعياً” إلى كندا، باستخدام تطبيق الهجرة، بعد تفتيش عملاء فيدراليين لمسكنها الجامعي. والأربعاء، قال محامي طالب هندي يدرس بجامعة جورج تاون بواشنطن إنه تم اعتقال موكله، تمهيداً لترحيله.
وإلى جانب المسار القانوني أثار اعتقال خليل وطلاب آخرين، نقاشاً سياسياً بشأن حرية التعبير، وجمّع بين مجموعات طلابية في مواجهة قرارات إدارة ترمب.
وتوقع خبراء تحدثوا لـ”الشرق”، أن تمتد إجراءات ترمب العقابية إلى الجامعات الليبرالية؛ على خلفية سماحهم بأي نوع من الاحتجاجات ضد سياسات الحكومة، وليس الاحتجاجات ضد إسرائيل فقط.
وفي حملة تصعيد ضد الجامعات، قام مسؤولون من وزارة الأمن الداخلي بتفتيش مقرين للسكن الجامعي بجامعة كولومبيا.
وصرحت كاترينا أرمسترونج، الرئيسة المؤقتة لجامعة كولومبيا، في مذكرة للطلاب والموظفين، بأن المسؤولين قدموا مذكرات تفتيش للمناطق الخاصة بالجامعة.
وأضافت أنه لم يُعتقل أحد ولم يُصادر أي شيء، ولم تُحدد الجهة المستهدفة بمذكرات التفتيش.
“عقوبات تأديبية”
بالتزامن مع ذلك الحدث، أعلنت جامعة كولومبيا، في 13 مارس، فرض عقوبات تأديبية على الطلاب الذين احتلوا قاعة هاميلتون خلال الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الربيع الماضي. وتشمل هذه العقوبات الطرد النهائي من الجامعة، أو الإيقاف عن الدراسة لعدة سنوات، أو سحب الدرجات العلمية مؤقتاً.
وأوضحت الجامعة أن هذه العقوبات صدرت عن مجلسها القضائي، مؤكدة أنها تستند إلى “تقييم خطورة السلوك الذي تم ارتكابه خلال هذه الاحتجاجات، إضافة إلى الأخذ في الاعتبار العقوبات التأديبية السابقة”.
كما شددت الجامعة على أن هذه العقوبات جاءت بعد اتباع “إجراءات قانونية دقيقة وصارمة وفق قواعد السلوك الجامعي”، بما في ذلك إجراء تحقيقات وعقد جلسات استماع وإجراء مداولات قبل إصدار القرارات النهائية، دون تحديد عدد الطلاب المتأثرين بالعقوبات.
وجاءت عملية التفتيش والإعلان عن العقوبات التأديبية، بعد أن قالت إدارة ترمب إن جامعة كولومبيا ستضطر إلى إجراء تغييرات كبيرة في إجراءات الانضباط والقبول للطلاب، قبل أن تبدأ محادثات بشأن إعادة 400 مليون دولار من المنح والعقود الحكومية، التي ألغتها الإدارة مارس الجاري.
ووصفت كاترينا أرمسترونج، الرئيسة المؤقتة لجامعة كولومبيا مخاوف الإدارة بأنها “مشروعة”، وأكدت أن مؤسستها تعمل مع الحكومة لمعالجتها.
قرار نادر
ولم تستجب إدارة جامعة كولومبيا لطلب التعليق من “الشرق”. لكن أستاذ الأنثروبولوجيا والنظرية النقدية في جامعة راتجرز، ألكسندر هينتون، أكد أن إلغاء الشهادة أو سحب الدرجة العلمية يُعد أمراً نادراً للغاية.
وقال هينتون لـ”الشرق”، إن لدى العديد من الجامعات سياسات معمول بها لإلغاء الشهادة، إذا تم اكتشاف حصول الطالب عليها بشكل غير شرعي، سواءً كان ذلك عن طريق الاحتيال أو أي شكل آخر من أشكال سوء السلوك الأكاديمي، لافتاً إلى أن جامعة كولومبيا أشارت إلى أن عمليات الإلغاء “مؤقتة”، “ما يُشير إلى إمكانية إعادة منحها للطلاب”.
وأضاف هينتون أن جامعة كولومبيا استندت في قراراها إلى لوائح لقواعد السلوك الخاصة بها، “ومع ذلك، من الصعب عدم رؤية هذه الإجراءات، بالنظر إلى توقيتها، على أنها مجرد استجابة مترددة لضغوط إدارة ترمب”.
“لحظة مُفزعة”
وأشاد ترمب باعتقال خليل، مؤكداً عبر منصة “تروث سوشيال”، أن هذا الاعتقال لن يكون الأخير، بل مجرد بداية لحملة أوسع ضد الاحتجاجات الجامعية، مثل تلك التي شهدتها جامعة كولومبيا في الربيع الماضي.
ورغم هذا الإعلان، لم تُوجَّه أي تهم جنائية لخليل، ولم تظهر أي أدلة تربطه بأي أنشطة إرهابية، كما زعمت إدارة ترمب. وبدلاً من ذلك، أُبقي رهن الاحتجاز بناءً على قرار وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي برر ذلك بأن وجوده قد يُضر بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، دون تقديم أي تفاصيل أو أدلة تدعم هذا الادعاء.
وبموجب “بند نادر الاستخدام” في القانون، يمكن لقاضي الهجرة المصادقة على قرار ترحيل خليل دون طلب إثباتات ملموسة، بحسب المحامي في مجال الهجرة والتأشيرات والمواطنة والعضو السابق بجمعية المحامين الأميركيين للهجرة والعضو السابق بفريق بايدن- هاريس، ديفيد ليوبولد.
وأوضح ليوبولد لـ”الشرق”، أنه بموجب هذا البند، كل ما يتطلبه الأمر هو أن يقرر وزير الخارجية، ماركو روبيو، أن وجود خليل أو أنشطته في الولايات المتحدة تضر بالسياسة الخارجية للبلاد.
وأضاف: “هذا هو البند الذي يعتمدون عليه. فهل هذا قانوني؟ نعم، إنه موجود في القانون، وهم يستخدمونه لهذا الغرض. لم يعلنوا رسمياً أنهم يعتمدون على هذا البند، لكنه الخيار الوحيد الذي يبدو منطقياً في هذه الحالة”.
وعندما سُئل روبيو عن القضية، الأربعاء، قال إن الإدارة ستلغي التأشيرات أو البطاقات الخضراء لأنصار حركة “حماس” الفلسطينية التي صنفتها الولايات المتحدة “منظمة إرهابية”.
ونفى أن تكون هذه السياسة تهدد التعديل الأول الذي يضمن حرية التعبير والتجمعات السلمية، لكنه في المقابل تجنب تقديم اتهامات مباشرة لخليل، مكتفياً بانتقاد الاحتجاجات التي قادها.
وفي لهجة تهكمية، أشار روبيو إلى أن الجامعات التي تستضيف مثل هذه الاحتجاجات تُكلّف الطلاب مبالغ طائلة، ومع ذلك لا يتمكنون من حضور محاضراتهم بسبب ما وصفه بـ”فوضى المحتجين”.
وأضاف أنه لو كانت السلطات على علم مسبق بنيّاتهم، لما سمحت لهم بالدخول إلى الولايات المتحدة، مشدداً على أن من يشاركون في هذه الأنشطة بعد وصولهم سيواجهون إلغاء إقامتهم وترحيلهم.
“لحظة مفزعة لحرية التعبير”
قرار ترمب وتهديدات روبيو، وصفها أحد قادة الحركة الطلابية بجامعة ميريلاند، والذي طلب عدم ذكر اسمه حرصاً على سلامته، بأنها “محاولة لقمع المطالبة بالعدالة”، قائلاً: “لدينا حقوق مكفولة بالتعديل الأول للدستور، حرية الرأي والتعبير. لكن الإدارة تسلب حقوقنا اليوم. ومع ذلك لن تستطيع إدارة ترمب منع الطلاب من التظاهر احتجاجاً على دعم حكومتهم لإسرائيل”.
من جانبه، اعتبر عضو منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” بجامعة ستانفورد، جيرمان رافائيل جونزاليس، اعتقال محمود خليل والتهديد بترحيله بأنه “لحظة مفزعة لحرية الرأي والتعبير”.
وقال جونزاليس لـ”الشرق”، إنه “في هذه اللحظة، نحن نعيش حدثاً سيحدد مسار الأحداث في الولايات المتحدة.. نحن كأفراد نعيش في الولايات المتحدة سنقرر ما إذا كنا سنقبل الفاشية الكاملة، أم أننا سنمدد ما تبقى لدينا من حقوق إلى أقصى حدودها”.
وأضاف: “اعتقال محمود خليل يجسد الرغبة النهائية للكيان الصهيوني وإمبراطورية الولايات المتحدة، وهي الرغبة في إزالة كل من يرون أنهم لا ينتمون إلى العالم الغربي، ويتم تنفيذ هذه الإزالة من خلال العنف. إنه تجلٍّ لعقلية الطرد والهيمنة على الأرض والمتجذرة في هذه المجتمعات الاستيطانية الاستعمارية”.
وأشار جونزاليس إلى أن هذه اللحظة مفزعة لحرية الرأي والتعبير، معتبراً أن هذا الحدث يؤسس لسابقة خطيرة تتمثل في طرد الأفراد بسبب آرائهم، لا سيما أولئك الذين يقفون متضامنين مع ضحايا سياسات الولايات المتحدة.
وتابع: “هناك العديد من الأفراد الإسرائيليين الذين لا يحملون الجنسية الأميركية ويمكنهم القدوم إلى الولايات المتحدة والدعوة إلى إبادة العرب بالكامل، ومع ذلك، لا يواجهون أي خطر بالترحيل. كما أن هناك إسرائيليين خدموا كمقاتلين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، واعتدوا على الطلاب العرب والمسلمين في جامعة ستانفورد، ولم يواجهوا أي عواقب. ومع ذلك، فإن محمود، لمجرد قيامه بدور الوسيط السلمي بين المحتجين في جامعة كولومبيا وإدارة الجامعة، انتهكت جميع حقوقه، وهو الآن مهدد بالترحيل”.
ولفت جونزاليس إلى أن هناك آلاف الطلاب المُعرّضين للخطر سواءً من خلال الاعتقال أو إلغاء فيزا الدراسة أو الترحيل، قائلاً إن “من أشدّ المؤيدين لفلسطين حماسةً طلابنا الدوليون، الذين يربطون، من خلال تجاربهم في الوطن، بين مشاكلهم الداخلية والإمبريالية الأميركية، يُشكّل هذا الاستهداف تهديداً للعديد من أصدقائنا في هذا البلد، ولكنه أيضاً خطأ فادح في التقدير من قِبَل الإدارة الأميركية الحالية”.
وجهة النظر المقابلة
وعلى الطرف الآخر من الطيف السياسي، قال الكاتب الجمهوري جون جيزي، إن الاحتجاج وممارسة حرية التعبير مكفولة بالدستور، لكن عندما يتعلق الأمر بـ”الإرهاب وتخويف الآخرين لم يعد ذلك حرية رأي”، على حد قوله.
وزعم جيزي في حديثه مع “الشرق” أن خليل كان في طليعة الأنشطة التي لا يمكن وصفها إلا بأنها “معادية لإسرائيل”، مضيفاً: “قدمت وزارة الأمن الداخلي، اتهامات بأنه متحالف مع حماس، وهي، بالطبع، جماعة إرهابية. وسيكون ذلك مُرعباً للغاية. الأمر الآخر هو أن ذلك أثار خوفاً كبيراً بين الطلاب اليهود الذين خشوا الانتقام”.
وأضاف أن “أي شخص إذا كان يشكل تهديداً للآخرين، أو يشارك في أنشطة قد تُعتبر خطيرة، فيجب أن يُنظر إلى تصرفاته ضمن إطار الأمن العام والمصلحة العامة، ومن هذا المنطلق، يصبح الترحيل خياراً مشروعاً، نظراً لاعتبارات السلامة والخطر المحتمل الذي قد يشكله على المجتمع”، وفق قوله.
واعتبرت الطالبة في جامعة جورج واشنطن، جيسيكا كويلن، في تصريحات لـ”الشرق” أن اعتصام الطلاب في جامعة كولومبيا، وفي العديد من الجامعات كان “غير قانوني”، وفق وصفها.
وزعمت أنه تم “منع الطلاب والمدرسين اليهود من التواجد في الساحة العامة لحرمهم الجامعي”.
يذكر أن احتجاجات العام الماضي الطلابية شهدت مشاركة طلاب يهود، ومن بينهم جرانت ماينر، اتحاد طلاب جامعة كولومبيا قبل أن تصدر الجامعة قراراً بطرده، وهو طالب يهودي في مرحلة الدراسات العليا، وكان جزءاً من ائتلاف طلابي يدعو الجامعة إلى سحب استثماراتها من الشركات المرتبطة بإسرائيل.
استهداف الجامعات
والاثنين الماضي، حذرت إدارة ترمب 60 جامعة من أنها قد تواجه عقوبات بسبب التحقيقات المعلقة في معاداة السامية في الحرم الجامعي.
واستخدم ترمب اتهامات معاداة السامية كوسيلة للهجوم على الديمقراطيين خلال حملته الرئاسية، وركز عليها خلال فترة حكمه.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه الجامعات جدلاً حول ما إذا كان انتقاد إسرائيل يعتبر معاداة للسامية، رغم أن بعض المتظاهرين ضد إسرائيل هم من اليهود أنفسهم. وكانت إدارة ترمب قد سعت إلى توسيع تعريف معاداة السامية ليشمل أي انتقاد لإسرائيل، مما أثار جدلاً في الأوساط الأكاديمية، وهددت بقطع التمويل الفيدرالي عن الجامعات التي تسمح بهذه الاحتجاجات.
وألغت إدارته 400 مليون دولار من التمويل الفيدرالي لجامعة كولومبيا، بسبب ما وصفته بـ”التقاعس في مواجهة المضايقات المستمرة للطلاب اليهود”.
أسباب أخرى لاستهداف الجامعات
لكن الاحتجاجات الداعمة لغزة، ليست السبب الوحيد وراء استهداف ترمب وإدارته للجامعات، ويمكن قراءة الأسباب الأخرى بـ”دراسة استراتيجيات الأنظمة الاستبداية”، بحسب أستاذ العلوم السياسية ومدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة سان فرانسيسكو، ستيفين زونس.
وقال زونس في حديثه مع “الشرق” إن “الأنظمة الاستبدادية دأبت على استهداف الجامعات تقليدياً؛ لأنها منتديات للتفكير الحر والتحقيق النقدي “يعتبرون الجامعات عموماً ليبرالية للغاية”.
وأضاف أن المتخصصين في مختلف المجالات الأكاديمية يمتلكون المعرفة والأدلة المتاحة لدحض الأكاذيب التي تروج لها الحكومة، على سبيل المثال، يستطيع العلماء إثبات أن تغير المناخ يشكل تهديداً خطيراً، ويمكن للباحثين في الشرق الأوسط توثيق جرائم الحرب التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية.
وأضاف زونس أنه كما هو الحال في العديد من البلدان، غالباً ما يكون الطلاب في طليعة الحركات الشعبية من أجل التغيير الاجتماعي والاحتجاجات على السياسات الحكومية غير الشعبية، مثل دعم حرب إسرائيل على غزة.
وتابع زونس أنه علاوة على ذلك، تدرك الجامعات أن بذل الجهود للحد من التمييز ضد النساء والأقليات يسمح بتجربة تعليمية أكثر اكتمالاً للطلاب، ويتيح مجموعة أوسع من المعرفة، و”تسعى إدارة ترمب، التي تلتزم بالعودة إلى فترة هيمنة الرجل الأبيض المسيحي، إلى تقويض هذه الجهود التي تدعم التنوع والمساواة والشمولية”.
وكان ترمب قد أصدر أمراً يحظر التمويل الفيدرالي لما تسميه إدارته بالتنوع والمساواة والشمول، مما أدى إلى تجميد المنح الفيدرالية بينما تقوم الإدارة بمراجعتها بحثاً عن كلمات محظورة مثل التنوع والشمول.
“أسوأ قمع يستهدف الجامعات”
من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة وسط أوكلاهوما، حسام محمد، أن ما يحدث في الجامعات اليوم هو أسوأ قمع يستهدف الجامعات منذ خمسينيات القرن الماضي، عندما وُصف من يتحدون السياسة الخارجية الأميركية أو عدم المساواة في الولايات المتحدة زوراً بأنهم “شيوعيون”، وأضاف “كما هو الحال في تلك الفترة، يُعد هذا القمع وسيلة لقمع أي نوع من المعارضة لسياسات الحكومة”.
وقال حسام محمد في حديثه مع “الشرق” إن الدافع الرئيسي وراء غضب المحافظين ضد جامعات النخبة هو ما يُسمى بمعاداة السامية، والتي لا تعدو كونها انتقاداً لإسرائيل، وهو أمرٌ لم تعتد الولايات المتحدة رؤيته بهذا المستوى في الجامعات، لذلك، وجد المحافظون، إلى جانب التيارات المؤيدة لإسرائيل، في ترمب الرغبة والقدرة على قمع نشاط الطلاب.
وأشار محمد إلى أن هناك تاريخاً عريقاً في الولايات المتحدة للاحتجاجات الطلابية ضد السياسات الخارجية غير الأخلاقية، مثل حرب فيتنام، ودعم نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والتدخل في أميركا الوسطى وغزو العراق.
وقال إنه في كل حالة من هذه الحالات، كانت هناك بعض العناصر المتطرفة، وأحياناً كان بعض المتطرفين ينخرطون في أعمال تخريب، لكن الاحتجاجات كانت سلمية في الغالب. وينطبق هذا أيضاً على الاحتجاجات ضد حرب إسرائيل على غزة”. وأضاف محمد أن إدارة ترمب تحاول إلقاء اللوم على خليل وجميع المتظاهرين الآخرين، بسبب تصرفات عدد قليل من المتطرفين. والهدف هو معاقبة الجامعات على السماح بأي نوع من الاحتجاجات ضد سياسات الحكومة.
وحذّر محمد من أنه إذا لم يُواجه ذلك الفعل بتحدٍّ جاد من المحاكم، فقد يصبح ترمب “أكثر عدائية في ترحيل الطلاب ومعاقبة الجامعات بخفض الدعم المالي الحكومي لها”.
اختلاف الأجندة السياسية
ويتفق جونزاليس مع الأكاديميين في أن ترمب يستهدف الجامعات بسبب اختلاف الأجندات السياسية. وقال إن إدارة ترمب “تستهدف الجامعات، لأن الإبادة الجماعية في غزة، تفتح عقول الأميركيين، وتدفعهم إلى الاحتجاج والنضال ضد هذه الإدارة”.
وتابع: “لا يستهدف ترمب الجامعات فقط بسبب كراهية الولايات المتحدة لفلسطين، بل لأن الجامعة تشكل ساحة للنضال ضد فاشية الولايات المتحدة، وهو يستخدم الهجمات على سياسات التنوع والشمول DEI والاحتجاجات المتضامنة مع فلسطين لمنع أي معارضة، وفتح الباب أمام الفاشية”، على حد وصفه.
لكن الكاتب الجمهوري جون جيزي، ورغم تأكيده على قيام الإدارة بتقليص أو إلغاء سياسات التنوع والإنصاف في المؤسسات الحكومية، إلا أنه اعتبر أنها “تركت المجال للجامعات الخاصة لاتخاذ قراراتها الخاصة بتنفيذ أي برامج ترغب فيها، طالما أن هذه البرامج لا تسبب ضرراً للأفراد أو تروج للعنف أو الكراهية”، وفق قوله.
وأضاف جيزي أن هناك مغالطة تتعلق باستهداف الإدارة للجامعات، موضحاً أن جميع الأحداث الأخيرة حصلت في جامعة، حيث تم قطع 400 مليون دولار من تمويلها من أموال الضرائب، “بسبب شكاوى الطلاب اليهود، والمضايقات المتكررة ومعاداة السامية، وعدم تحرك إدارة الجامعة حيالها”، وفق زعمه.
هل يمكن ترحيل حاملي البطاقة الخضراء؟
على الرغم من أن حاملي البطاقة الخضراء “الجرين كارد” يتمتعون بالعديد من الحقوق التي يمتلكها المواطنون الأميركيون، مثل حق العمل والعيش في الولايات المتحدة، فإنهم لا يزالون معرضين للترحيل في بعض الحالات، على حد قول المحامية ومحللة سياسات في برنامج سياسة الهجرة الأميركية بمعهد ماكس بلانك للسياسة العامة، كاثلين بوش جوزيف.
وأضافت جوزيف أنه في الشرح حول تنفيذ قوانين الهجرة والجمارك، يمكن للحكومة الأميركية أن تقوم بترحيل حاملي بطاقات الإقامة الدائمة لأسباب عدة، أحد هذه الأسباب هو إذا استنتجت الحكومة أن شخصاً ارتكب احتيالاً أو كذب في طلبه للحصول على الجرين كارد، مما يعني أنه لم يكن مؤهلاً لها منذ البداية.
وسبب آخر يمكن أن يؤدي إلى ترحيل حامل الجرين كارد هو إذا تم إدانته بمجموعة من الجرائم مثل القيادة تحت تأثير المخدرات أو الكحول، أو حيازة الأسلحة أو المخدرات، أو السرقة، أو الجرائم العنيفة.
أما بالنسبة لحالة خليل، الذي يرى المراقبون أنها استهداف سياسي. قال المحامي ليوبولد إن الإدارة إذا بدأت باستهداف شخص ما بسبب احتجاجه، فمن سيكون التالي؟ وما هو الحد الذي سنتوقف عنده؟، مضيفاً “الحكومة تحتاج إلى أن تكون أكثر وضوحاً. قد يكون لديهم أسباب لاحتجازه، لكن يجب أن يكونوا محددين بشأنها”.
ومن الناحية القانونية، قال ليوبولد إنه بالنسبة لغير المواطنين، إذا قرر وزير الخارجية أن نشاطهم، سواءً كان احتجاجاً أو مجرد وجودهم في الولايات المتحدة، يضر بالسياسة الخارجية، فيمكنه محاولة إلغاء بطاقتهم الخضراء، مضيفاً “إذن، من الناحية القانونية، هل هذا الإجراء قانوني؟ نعم. لكن هل هو صحيح؟ هل هو القرار الصائب؟ هذا أمر خاضع للرأي. من المفترض أن تستخدم الحكومة هذا البند فقط في حالات نادرة”.
وذكر ليوبولد القضية القانونية الوحيدة المشابهة، والتي تتعلق بمسؤول مكسيكي في أوائل التسعينيات، كان متورطاً في أنشطة إجرامية في المكسيك، وتم ترحيله وسحب بطاقته الخضراء، مضيفاً “لكن هذا لا ينطبق هنا. في الحقيقة، لا نعرف لماذا تم احتجاز محمود خليل.
وتابع: “يمكننا فقط التخمين بناءً على ما كان يفعله، وقد نختلف أو نتفق مع ما كان يفعله، لكن الحكومة تحتاج إلى تقديم مبرر واضح لاحتجازه، وهو ما لم تفعله حتى الآن”.
وحذر من خطورة اعتقال الأشخاص لآرائهم ودون توضيح الأسباب، قائلاً “هناك العديد من الطلاب الآخرين، والخطر يكمن في أن أي شخص قد يكون عرضة للاعتقال دون معرفة السبب الواضح. إذا كان الأمر يتعلق فقط بالاحتجاج، فما هو المعيار؟ ما قامت به حماس في 7 أكتوبر أمر مستهجن، وأخذهم للرهائن فظيع، وحماس نفسها منظمة بغيضة، هذا رأيي الشخصي. لكن إذا استمر الأمر على هذا المنوال، فهل نحن بصدد اعتقال الناس بسبب آرائهم؟ الحكومة بحاجة إلى أن تكون أكثر تحديدًا في مواقفها”.