أثارت التصريحات الإثيوبية بشأن طموح استعادة منفذ على البحر الأحمر عبر “ميناء عصب” الإريتري، مخاوف من تصعيد متكرر في المنطقة، خاصة بعدما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، عزمه “تصحيح الخطأ التاريخي” المتمثل في فقدان بلاده لهذا المنفذ بعد استقلال إريتريا عام 1993، قائلاً إن هذا الوضع “لم يعد مستداماً” مع تزايد الاحتياجات الاقتصادية والديموغرافية لـ”أديس أبابا”.
ومن جانبها، رفضت إريتريا هذه التصريحات بشدة، واعتبرتها “طائشة وتشكل تهديداً للاستقرار الإقليمي وانتهاكاً للقانون الدولي”، مشيرة إلى أن “ميناء عصب” هو جزء لا يتجزأ من سيادتها منذ الاستقلال.
وتأتي التصريحات الإثيوبية في وقتٍ لا تزال فيه العلاقات بين البلدين متوترة، رغم محاولات التقارب بعد اتفاق السلام عام 2018، الذي سرعان ما تدهورت تبعاته عقب توقيع “اتفاق بريتوريا”، الذي أنهى الحرب بين الحكومة الإثيوبية، وجبهة تحرير تيجراي، خاصة بعد معارضة إريتريا للاتفاق، على الرغم من مشاركة قواتها في القتال إلى جانب أديس أبابا.
وفجّر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، مطلع سبتمبر الجاري، ما وصفه مراقبون بـ”قنبلة سياسية”، بإعلانه، خلال مقابلة مع التلفزيون الإثيوبي الرسمي من موقع سد النهضة، عزمه “تصحيح الخطأ التاريخي” المتمثل في “فقدان بلاده منفذها البحري”، في إشارة إلى ميناء عصب الإريتري، معتبراً أن استمرار هذا الوضع “غير ممكن”، مشيراً إلى أن مشروعات كبرى مثل سد النهضة قادرة على “تغيير قواعد اللعبة”، وتخفيف الأعباء التاريخية عن بلاده.
وأضاف: “كان البحر الأحمر في أيدينا.. وسنصحح ذلك مستقبلاً”، واصفاً الأمر بأنه “ليس صعباً للغاية”، مبرراً ذلك بـ”النمو السكاني لإثيوبيا وطموحاتها الاقتصادية”.
المشهد المتقلب يعكس تحولاً استراتيجياً في ملف “الوصول إلى البحر الأحمر”، من قضية رمزية إلى أولوية وطنية واستراتيجية، تهدد بإعادة تشكيل موازين القوى في منطقة القرن الإفريقي.
وعلى ضوء هذا التصعيد الإثيوبي، يرى خبراء تحدثوا لـ”الشرق” أن تصريحات آبي أحمد تكشف انتقال هذا الملف من كونه قضية رمزية أو تاريخية إلى قضية وطنية واستراتيجية، ستزيد من حجم الضغوط الإقليمية، وقد تعيد تشكيل موازين المصالح في خليج عدن، وباب المندب.
سد النهضة والمنفذ البحري
وفي هذا الصدد، يرى الباحث والمحلل الإثيوبي آدم جبريل أن حديث آبي أحمد عن “سد النهضة”، بوصفه أكبر تحدٍ ظل عقبة أمام إثيوبيا منذ آلاف السنين، يمثل إشارة واضحة إلى الانتقال نحو المشروع الثاني، وهو استعادة المنفذ البحري.
وأيد جبريل، في حديثه لـ”الشرق”، وجهة نظر بلاده بأن انفصال إريتريا، ومعه فقدان المنفذ البحري “شابه العديد من الإجراءات غير القانونية”، مؤكداً أن سد النهضة يمثل نقطة ارتكاز لاستعادة النفوذ الإقليمي لإثيوبيا، وأن المشروع الثاني يتمثل في استعادة المنفذ البحري.
وأشار الباحث والمحلل الإثيوبي إلى أن المسيرات المليونية تجتاح أقاليم إثيوبيا ابتهاجاً بـ”سد النهضة”، موضحاً أنها تشكل منطلقاً لدعم رئيس الوزراء الإثيوبي، الذي يستغل هذا الزخم الشعبي لمنح الحكومة قاعدة ضغط قوية داخلياً وخارجياً على ملفات استراتيجية حساسة، وعلى رأسها ملف المنفذ البحري.
كما يرى جبريل أنه يمكن مقاربة هذا الملف “سواء عبر التفاوض الاقتصادي أو الضغط السياسي”، مشيراً إلى أن ذلك يتيح لـ(آبي أحمد)، “إرسال إشارات واضحة للمجتمع الدولي بأن إثيوبيا تدخل مرحلة جديدة من القوة الاقتصادية، وأن الحاجة إلى منفذ بحري لم تعد خياراً ثانوياً بل أولوية استراتيجية”.
الجيش الإثيوبي والاستيلاء على ميناء عصب
تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أعقبتها أخرى أكثر جدلاً ذات طابع عسكري، أطلقها رئيس أركان الجيش الإثيوبي المشير برهانو جولا، إذ قال لعناصر البحرية الإثيوبية، خلال افتتاح مقر البحرية: “عليكم الاستعداد للاستيلاء على مينائكم البحري في أي وقت”، في إشارة واضحة إلى “ميناء عصب” الإريتري.
ومنذ إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، في أواخر عام 2023، أن حصول بلاده على منفذ سيادي على البحر يُعد “قضية وجودية”، تصاعدت مواقف المسؤولين الإثيوبيين، وعلى رأسهم القيادات العسكرية، في الاتجاه ذاته.
ومن بين هؤلاء، العميد تيشومي جيميشو، المدير العام للعلاقات الدولية والتعاون العسكري بوزارة الدفاع، الذي قال في مقابلة متلفزة إن لإثيوبيا “حقاً تاريخياً” في الوصول إلى البحر الأحمر وامتلاك ميناء عصب، معتبراً أن كلاً من البحر الأحمر وميناء عصب كانا في السابق جزءاً من الأراضي الإثيوبية، وأن “فقدان هذه الأراضي جاء نتيجة قرار اتخذته حكومة انتقالية غير شرعية”، في إشارة إلى حكومة جبهة تحرير تيجراي التي تسلمت السلطة بعد الإطاحة بنظام منجستو هايلي ماريام عام 1991.
وتعكس تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، ورئيس الأركان، وكبار المسؤولين العسكريين والاقتصاديين، ملامح استراتيجية متكاملة تسعى من خلالها أديس أبابا إلى استعادة نفوذها البحري عبر المسارات الدبلوماسية، دون استبعاد خيار القوة العسكرية، ما يفتح الباب أمام تساؤلات بشأن حدود الطموح الإثيوبي، ومواقف دول الجوار من هذه التوجهات.
إريتريا تُحذّر
في المقابل، أعلنت إريتريا رفضها تصريحات المسؤولين الإثيوبيين، وآخر هذا المواقف بيان للحكومة أصدرته وزارة الإعلام الإريترية، وصفت فيه مساعي إثيوبيا للوصول إلى البحر بأنها “طائشة ومُهدِّدة للاستقرار الإقليمي، وتنتهك مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.
واعتبرت إريتريا محاولات إثيوبيا بأنها “مقامرة جيوسياسية خطيرة”، وأن “استحضار حقبة ضم إثيوبيا لإريتريا”، وتمجيد تلك الحقبة “يشكل تجاوزاً صارخاً للخطوط الحمراء، ويقوِّض أسس التعاون بين الدول في القرن الإفريقي”.
وأكدت أن “أي تعاون حقيقي يتطلب احترام السيادة والالتزام بالقانون الدولي”، وأن “المطالبات غير القانونية (في إشارة لسعي إثيوبيا إلى الوصول لميناء عصب) لن تُقبل أو تُحتمل”.
كما أكد، وفق البيان، أن الاستفتاء، الذي أجري عام 1993 على الاستقلال، تم “باختيار شعب إريتريا وفقا للآليات المعمول بها، وليس قائماً على موافقة مسبقة، أو تأييد، أو موافقة من القوة المحتلة”.
إثيوبيا و”استئجار” موانئ إريترية
ويرى المحلل السياسي الإريتري، علي محمد حامد، أن إثيوبيا لا تملك أي أساس قانوني لاستعادة ميناء عصب، “إذ إن الميناء جزء لا يتجزأ من السيادة الإريترية منذ استقلال البلاد عام 1993، بعد استفتاء رعته الأمم المتحدة، واعترفت به أديس أبابا”، مؤكداً أن أي محاولة إثيوبية لطرح القضية أمام المحافل الدولية ستعيد التوتر إلى المربع الأول.
وأضاف حامد لـ”الشرق”: “صحيح أن إثيوبيا استخدمت ميناء عصب لعقود قبل استقلال إريتريا، وهو ما خلق لديها إحساساً بالحق التاريخي، لكنه لا يرقى إلى حق قانوني.. وبالتالي نجاح إثيوبيا في بناء ملف قانوني مقنع شبه مستحيل، لكنها قد تسعى، بدلاً من ذلك، إلى اتفاقيات طويلة الأمد تمنحها امتيازات تجارية أو عسكرية في الميناء، شبيهة بترتيبات تأجير الموانئ”.
مواجهات محتملة
قال المحلل السياسي والباحث السوداني في قضايا القرن الإفريقي محمد الهادي، إن هناك مجموعة من السيناريوهات المحتملة “دبلوماسية، واقتصادية”، بالإضافة إلى احتمالات المواجهة العسكرية المباشرة من جهة إثيوبيا ضد إريتريا، وهو “ما يستدعي تقديراً دقيقا للمناخ الإقليمي، والدولي”.
واعتبر الهادي، في حديث لـ”الشرق”، أن أقرب تلك السيناريوهات للواقع هو “المسار الدبلوماسي والتجاري، إذ يمكن أن تدخل أديس أبابا في مفاوضات إقليمية للحصول على منفذ بحري أو ممر لوجستي وهو أقل كلفة سياسياً، لكنه يتطلب تنازلات ويحتاج إلى ضبط السرد الداخلي في إثيوبيا، كي لا يظهر الأمر كتنازل”.
وحذر الباحث السوداني من أنه في حال “فشلت هذه المسارات، قد تلجأ إثيوبيا إلى تحركات أخرى عبر وكلاء أو أطراف ثالثة، ما يحمل مخاطر مواجهات عنيفة حتى من دون إعلان حرب، تشمل اشتباكات حدودية أو السيطرة على الميناء الذي تنشده، وقد يؤدي ذلك إلى تعطيل الملاحة في باب المندب، واستدعاء تدخلات خارجية”.
ويعتقد الهادي أن احتمالات الحرب الشاملة بين إثيوبيا، وإريتريا “أقل بسبب تكلفتها العالية، لكنها تبقى واردة، خصوصاً مع تصاعد الخطاب الإثيوبي”.
موازين القوى بين إثيوبيا وإريتريا
ومن حيث موازين القوى، يرى محمد الهادي أن إثيوبيا تمتلك عدداً كبيراً من الموارد الاقتصادية والقدرة على نسج سياسات خارجية نشطة، وأكبر من إريتريا، سكانياً وعسكرياً، ولديها “جيش نظامي كبير، وقوات احتياطية، وميليشيات إقليمية، مع قدرات متنامية في الطائرات المسيّرة وبعض التقنيات، ما يجعلها متفوقة على إريتريا، لكن هذه القوة تواجه قيوداً لوجستية كبيرة، بسبب غياب منفذ بحري مباشر، إضافة إلى الهشاشة الداخلية”.
واستدرك قائلاً: “إريتريا تمتلك جيشاً أصغر، لكنه يقوم على خدمة إلزامية طويلة، وقوة دفاعية متشددة، وتمتلك قدرات بحرية محدودة لكنها استراتيجية نظراً لسيطرتها على الساحل، ما يجعلها تملك ميزة الموقع الاستراتيجي”.
ولكن المحلل السياسي الإريتري علي محمد حامد، أوضح أن “الجيش الإريتري يُعد عاملاً حاسماً في معادلات القرن الإفريقي، بفضل خبرته القتالية الممتدة منذ حرب التحرير، وتدريبه للآلاف من قوات الجيش الصومالي مؤخراً”.
وأضاف: “وحتى مشاركته في الصراع ضد جبهة تحرير تيجراي عام 2020، كان للجيش الإريتري دور مباشر في هزيمة قوات الجبهة، ما مكّن الحكومة الإثيوبية من استعادة السيطرة على الإقليم، قبل أن تتدهور العلاقات السياسية بين البلدين لاحقاً”.
وبحسب حامد، فإنه على الرغم من التفوق العددي للجيش الإثيوبي وترسانته العسكرية، فإن “الجيش الإريتري يتمتع بحوافز عالية، إذ يخوض أي صراع محتمل من منطلق الدفاع عن السيادة الوطنية”.
وتابع: “بالتالي، فإن الخيار الواقعي الوحيد أمام أديس أبابا هو التفاوض على ترتيبات وصول واتفاقيات تعاون، بعيداً عن طموحات الاستعادة والحق التاريخي”.
وحول خريطة التحالفات، في المنطقة يرى محمد الهادي، أن “العوامل الإقليمية تميل بشكل عام إلى إعطاء إثيوبيا زخماً عبر دعم مالي واستثماري من دول في المنطقة، في ظل ثقة داخلية ناتجة من مشاريع كبرى مثل سد النهضة، بينما تملك إريتريا نقاط قوة في سيطرتها على موانئ استراتيجية مطلة على البحر الأحمر، وإمكانية عقد تفاهمات مع قوى كبرى تسعى إلى بسط نفوذها في المنطقة”.
وبحسب الهادي، فإن “نقاط الضعف الإثيوبية تكمن في غياب منفذ بحري مباشر، وصعوبة خطوط الإمداد، والتحديات الداخلية، وفي المقابل، تتمثل نقاط الضعف لإريتريا في اقتصاد محدود واعتمادها على شركاء خارجيين محدودين”.
السيناريوهات المحتملة أمام إثيوبيا
ويتفق الكاتب والباحث الإثيوبي سامي دانئيل مع السيناريو الدبلوماسي “المدعوم بتحالفات إقليمية”، وليس مواجهة عسكرية مباشرة، موضحاً أن هذا السيناريو، ستسعى من خلاله إثيوبيا إلى إعادة التفاوض مع إريتريا حول بعض القضايا الحدودية والممرات الساحلية، مستفيدة من الثغرات القانونية والتاريخية.
ولفت دانئيل في حديث لـ”الشرق” إلى أن أثيوبيا ستسعى أيضاً إلى الاستفادة من الضغوط الدولية والدور الأميركي والصيني، لضمان توافق إقليمي حول أي ترتيبات جديدة دون تصعيد عسكري.
وتوقع الباحث الإثيوبي أن “تعمل أديس أبابا على موازنة العلاقات مع مصر، والسودان، وجيبوتي، والصومال، لضمان تحقيق طموحاتها بالوصول إلى البحر مع الحفاظ على تكوين حجة دولية، وإقليمية تدعم مطالبتها بالوصول للبحر الأحمر بطريقة سلمية.
وأوضح المحلل السياسي الإثيوبي مولتا تادلي أن حكومة بلاده تبدو مصممة على تنفيذ طموحاتها في الحصول على منفذ عصب البحري، وربط هذا التصميم بـ”تصاعد التصريحات العلنية لجنرالات الجيش الإثيوبي، خاصة قائد الجيش برهانو جولا”، معتبراً أنها “تحمل رسائل مباشرة تتجاوز الدعاية أو المواقف السياسية العادية، وتعكس رؤية استراتيجية متكاملة تعبّر عن طموحات الجيش والحكومة”.
واعتبر تادلي، خلال حديثه لـ”الشرق”، أن هذا الخطاب “يمثل تحركاً استراتيجياً يوجه رسالة قوية على الصعيدين الإقليمي والدولي، مفادها أن الجيش الإثيوبي جاهز للعب دور محوري في إعادة إثيوبيا إلى موقع قوة بحرية في البحر الأحمر”.
ونبه إلى ما وصفه قادة في الجيش الإثيوبي بـ”ثغرات إجرائية” شابت استقلال إريتريا وخسارة أديس أبابا منفذها البحري، في أعقاب موافقة الحكومة الإثيوبية الانتقالية في التسعينيات من القرن الماضي على التخلي عن ميناء عصب من خلال استقلال إريتريا “دون شرعية دستورية كاملة”.
“انعدام الثقة” وفرص نجاح الحوار
وأشار الباحث والمحلل السوداني طاهر محمد علي إلى إمكانية عقد اتفاق اقتصادي بين إثيوبيا وإريتريا يُجنب البلدين الانزلاق في “حرب كارثية” على الإقليم، لكنه في الوقت نفسه يعتقد أن “فرص نجاحها ضعيفة في الظروف الراهنة، بسبب انعدام الثقة والتوتر السياسي”.
وأضاف علي في حديث لـ”الشرق”: “يمكن لرئيس الوزراء الإثيوبي أن يحاول الوصول إلى البحر الأحمر عبر اتفاقيات اقتصادية وحوافز، مثل استثمارات مباشرة في البنية التحتية الإريترية، وبينها موانئ (عصب، ومصوع)، ومشاريع لوجستية مشتركة تربط إثيوبيا بالموانئ عبر السكك الحديدية أو الطرق.
وشدد على الحاجة إلى أن تبذل الأطراف جهوداً إقليمية كُبرى لمعالجة مسألة انعدام الثقة بين رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، والتي تدهورت منذ الحرب في إقليم تيجراي، 2020- 2022، وتفاقمت بعد مطالبة إثيوبيا بالوصول إلى البحر الأحمر، معتبراً أن خيار “الحرب الشاملة” يبقى قائماً.
موقف المعارضة الإثيوبية
وتتفق أحزاب معارضة إثيوبية مع توجهات رئيس الوزراء الإثيوبي وحكومته، في الحصول على منفذ بحري للبلاد، وتعتبر أن الحصول على ميناء بحري “ضرورة”، و”أمر وجودي” مع تنامي اقتصاد البلاد، واستعادة دورها الإقليمي، وذلك من خلال “الطُرق السلمية”، التي تكفل لإثيوبيا الحق في الوصول إلى البحر.
وظلت أحزاب المعارضة الإثيوبية توجه انتقادات لائتلاف “الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية”، الذي حكم البلاد بين عامي 1991، و2018، وهي الفترة التي “توقف فيها وصول إثيوبيا إلى البحر” عقب استقلال إريتريا.
في المقابل، ومع تأييدها لمساعي وصول إثيوبيا إلى البحر، تطالب المعارضة بضرورة إعطاء السلام والأمن أهمية كبرى، في ظل تحديات أمنية تشهدها أقاليم “أمهرة، وأوروميا، وتيجراي”، من مواجهات مع بعض الجماعات المسلحة منذ سنوات.
سد النهضة والدعم الشعبي
واستمرت المسيرات الحاشدة المحتفلة بما سموه “إنجاز سد النهضة”، وهو ما يُكسب أبي أحمد حاضنة شعبية داعمة لطموحاتها، الداخلية والخارجية، وآخر هذه المسيرات خرج فيها آلاف الإثيوبيين في أقاليم (أمهرة، وبني شنقول جومز، ومناطق الجنوب)، للاحتفال بافتتاح سد النهضة.
فيما شهدت العاصمة أديس أبابا احتفالات، تجاوزت الأبعاد الرمزية للمشروع لتصل إلى دعم شعبي واضح لتوجهات آبي أحمد، أبرزها السعي لتأمين منفذ بحري بعد اكتمال السد، ما يجعل هذا الملف “المشروع الثاني” في أجندة الحكومة بعد سد النهضة.
وبرزت أكبر المسيرات في إقليم أمهرة، الذي يشهد منذ أكثر من ثلاث سنوات صراعات متكررة بين مليشيات “الفانو” والقوات الحكومية، ورأت أوساط إثيوبية في هذه المسيرات فرصة للرئيس الإثيوبي لتعبئة الدعم الإقليمي ضد هذه المليشيات، مستغلاً رمزية السد في تعزيز الهوية الوطنية، خاصة أن سكان أمهرة يعتبرون انفصال إريتريا عن إثيوبيا خطأً تاريخياً، ويطمحون لاستعادة ميناء عصب.
“ميناء عصب”
وفقدت إثيوبيا السيطرة على “ميناء عصب” الإريتري المطل على ساحل البحر الأحمر عام 1993، عقب استقلال أسمرة عن أديس أبابا، وكان الميناء يشكل الشريان الرئيسي لإثيوبيا قبل الاستقلال، حيث كانت تصدر عبره البن ومحاصيل أخرى، ويقع على بعد نحو 60 كيلومتراً شرق منطقة بوري في إقليم العفر الحدودي مع إريتريا.
وعلى الرغم من عودة العلاقات بين البلدين عقب اتفاق السلام عام 2018، الذي كان يُعد نقطة انطلاق لإعادة صياغة العلاقات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي بعد عقدين من التوتر، وهيمنة حالة “لا حرب ولا سلم” بينهما نتيجة الحرب التي شهدتها الفترة من 1998 إلى 2000، وانتهت باتفاق الجزائر في ديسمبر 2000، إلا أن التوتر عاد مجدداً بعد “اتفاق بريتوريا” للسلام، الذي أنهى الصراع بين الحكومة الإثيوبية، وجبهة تحرير تيجراي، والذي عارضته إريتريا.
وجاءت معارضة إريتريا للاتفاق، رغم كونها طرفاً رئيسياً فيه، بعد دخول قواتها إلى إقليم تيجراي دعماً للحكومة الفيدرالية الإثيوبية ضد جبهة تحرير تيجراي، ثم اعتبرت أسمرة أن استبعادها من عملية السلام في بريتوريا، التي رعتها الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي، ضربة قوية لها، خاصة بعد التضحيات التي قدمتها لدعم الحكومة الإثيوبية.