بعد حل حزب العمال وإلقاء السلاح أكراد سوريا مسار سياسي جديد

يعتقد أكراد سوريا أن قرار حزب العمال الكردستاني حل هيكله التنظيمي وإنهاء صراعه المسلح مع الدولة التركية يغلق الباب أمام مبررات أنقرة لمهاجمة مناطقهم، ويبطل ما يصفها سياسي كبير بالإدارة الذاتية للأكراد في شمال وشرق سوريا، بأنها “مزاعم تركية” عن تبعية وحدات حماية الشعب الكردية للحزب الذي تصنفه تركيا “كياناً إرهابياً”.
ولم يشر البيان الختامي للمؤتمر الـ12 لحزب العمال الكردستاني، الاثنين الماضي، إلى سوريا أو العراق، وهما بلدان دأبت تركيا على مهاجمة مواقع كردية في شمال كل منهما، إلا أن قرار حل الهيكل التنظيمي للحزب، قوبل بارتياح كبير في المحيط الكردي بسوريا، التي تعيش مرحلة مختلفة منذ أشهر بعد سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي.
القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مظلوم عبدي، قال إن القرار، الذي جاء استجابة لدعوة الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني السجين عبد الله أوجلان، هو “محل تقدير”، وسيمهد الطريق أمام مرحلة جديدة من السياسة والسلام في المنطقة، مضيفاً عبر منصة “إكس”، أنه يأمل في أن “تبادر جميع الأطراف المعنية باتخاذ خطوات مهمة، وأن يقدّم الجميع الدعم المطلوب”.
وبينما أشار صالح مسلم، عضو هيئة الرئاسة في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي يقود الإدارة الذاتية، إلى قرار حزب العمال الكردستاني باعتباره يأتي “بعد أن أصبحت حقيقة الوجود الكردي مقبولة في أعقاب إنكار للوجود القومي الكردي”، واعتبر أن ذلك من شأنه أن يخفف الضغوط على أكراد سوريا، بعد مرحلة طويلة من الضغوطات التركية، سواء على نظام الأسد، أو على من خلفه في حكم دمشق.
وأضاف مسلم في تصريحات لـ “الشرق”: “أكراد سوريا غير معنيين بما يحصل بين حزب العمال الكردستاني وتركيا لكون قواتنا المسلحة تأسست على الأراضي السورية، لمواجهة النظام وداعش”.
ونفى مسلم وجود أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع تركيا “لكون هذا الأمر من مهام الدولة السورية”، موضحاً أن “هناك تواصلاً غير مباشر عبر هيئة العلاقات الخارجية مع بعض الأطراف التركية عبر التحالف الدولي لمكافحة داعش، لتخفيف التوتر وعدم التصعيد”.
ومن شأن قرار حزب العمال الكردستاني، أن ينهي 4 عقود من الصراع المسلح ضد الدولة التركية، لقي فيه عشرات الآلاف مصرعهم، ورغم محاولات مختلفة للتوصل لحلول سلمية للصراع، فإن السنوات الماضية شهدت تصعيداً كبيراً من الجانب التركي ضد الحزب الذي اعتقل زعيمه أوجلان في دمشق قبل نحو ربع قرن.
أكراد سوريا
ودفع قرار أكراد سوريا، بشأن تشكيل وحدات حماية الشعب في محافظة الحسكة، بعد إخراج قوات الأسد منها في أعقاب اندلاع احتجاجات عام 2011، تركيا لاتهام سوريا بتعمد تسليم المناطق الحدودية في شمال الحسكة، وكل من عفرين وعين العرب (كوباني) إلى وحدات حماية الشعب الكردية.
وحذرت تركيا مراراً من خطورة إنشاء ممر كردي على حدودها الجنوبية مع سوريا يمتد من المالكية في الحسكة، مروراً بأرياف الرقة وحلب، وصولاً إلى جبل الأكراد في اللاذقية، فيما يسميه الكرد السوريين “غرب كردستان” أو “روج أفا”.
ودفع ذلك تركيا للتحرك في اتجاه دعم فصائل مسلحة معارضة للأسد بهدف منع الأكراد من ربط مناطق سيطرتهم في الحسكة والرقة وعين العرب بمنطقة عفرين، ثم أطلقت عمليات مسلحة متتالية بين عاميْ 2016 و2019، منحتها في النهاية السيطرة على مدن عدة، بينها جرابلس والباب، وصولاً لرأس العين وتل أبيض.
في الإطار، قال رياض درار مستشار رئاسة مجلس سوريا الديمقراطية لـ”الشرق”، إن القرار “مهم وتاريخي لإرساء الاستقرار في تركيا وإنهاء المواجهة بين تركيا والأكراد هناك، وسيكون له انعكاسات على الخارج بما في ذلك الوضع في سوريا”.
وأشار درار، إلى أن القرار لن يكون له أي تأثير على الاتفاق الموقع بين أكراد سوريا والرئيس السوري أحمد الشرع، في وقت سابق من العام الجاري، في إشارة إلى اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية في مؤسسات الدولة السورية.
خلاف قديم
ولا يبدو الارتباط في الملف الكردي بين سوريا وتركيا وليد اللحظة، أو منذ لحظة اندلاع الثورة السورية ضد بشار الأسد، بل يعود لنهاية تسعينيات القرن الماضي، عندما اقترب النظام السوري في ذلك الوقت، من حزب العمال الكردستاني، وأمن مقراً لقياداته في موقف تسبب في رفع وتيرة التوتر مع تركيا.
ووصل الأمر إلى حد مواجهة عسكرية وشيكة بعد حشود على جانبي الحدود، قبل أن يرحل أوجلان عن سوريا، وينزع فتيل الأزمة.
ومع سقوط نظام بشار الأسد، وتراجع نفوذ جماعة “حزب الله” في جنوب لبنان، بادر أوجلان في فبراير الماضي لإطلاق مبادرة للسلام مع تركيا، من خلال دعوة قادة وعناصر حزبه إلى حل التنظيم وإلقاء السلاح والتوجه نحو النضال السياسي.
واستثمرت تركيا هذا الإعلان للتأكيد على أن إعلان الحزب يجب أن يشمل أيضاً أنشطة الحزب، وكل التنظيمات التابعة له في كل من العراق وسوريا، في إشارة إلى “وحدات حماية الشعب” و”قسد” وهما الكيانان العسكريان للأكراد في شمال سوريا وشرقها.
بدوره، قال مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل في تصريحات لـ “الشرق”، إن أثر دعوة أوجلان بدت واضحة في شمال شرق سوريا، حيث توقفت العمليات التي دأبت مجموعات مرتبطة بتركيا على القيام بها ضد قوات “قسد”.
وأضاف خليل: “قرار حل الحزب سيكون له تأثير إيجابي وكبير، لدرجة أن السفير التركي في دمشق، برهان أوغلو، قال إن تركيا ستستثمر في شمال شرق سوريا ووجود مطالبات بفتح معبر نصيبين أو ما يعرف بـ (القامشلي)”.
وأعرب خليل عن اعتقاده بضرورة وجود خطوات من جانب الدولة التركية بعد إعلان حزب العمال الأخير، لينعكس ذلك على نشر مناخ للسلام في عموم المنطقة، ومن ضمنها سوريا.
تنشيط اتفاق الشرع و”قسد”
وقد يفتح قرار حزب العمال الكردستاني، الطريق أمام تطبيق كامل لاتفاق الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي الموقع في 10 مارس الماضي، على اعتبار أن “قسد” ستكون أكثر ارتياحاً بعد حل حزب العمال.
كما أن القرار قد يفتح الباب أمام إمكانية مغادرة كوادر حزب العمال الكردستاني، الذين تقول تركيا إنهم “يتخذون من سوريا مقراً لهم”، حال اتخذت تركيا قرارات عفو عنهم، وفق إجراءات من المتوقع اتخاذها بعد قرار حل الحزب.
وتوقع بسام إسحاق، الرئيس المشترك لممثلية “قسد” في واشنطن، أن يفتح قرار حل حزب العمال الكردستاني الباب لإكمال تطبيق لاتفاق الشرع وعبدي و”توحيد سوريا أرضاً وشعباً والانتقال إلى مرحلة التعافي من تبعات الحرب”.
ورجح أن تستأنف اللجان المشكلة بين الطرفين، متابعة تطبيق بنود الاتفاق، وأن تتجاوز الخلافات في وجهات النظر مع التأكيد على الحرص على هذه الخلافات بالحوار والتفاهم.
وقال إسحاق، إن “التداعيات الإيجابية للقرار على الوضع في سوريا عامة، وشمال شرق سوريا بشكل خاص، تأتي لكونه سيحرر هذه المنطقة من الاتهامات بأنها تدار من قبل فرع لحزب خارجي مصنف على أنه إرهابي في تركيا (…) يفترض أن ينهي ربط مصالح السوريين في مناطق الإدارة الذاتية بصراع سياسي داخلي في تركيا، لا علاقة لهم به”.