انتخب الإيرلنديون شخصية يسارية لرئاسة البلاد في فوز ساحق لنائبة مستقلة اتهمت حلف شمال الأطلسي (الناتو) بـ”إثارة الحروب”، وبنت حملتها على مطالب العدالة الاقتصادية داخلياً، والغضب إزاء حرب غزة خارجياً، وفقاً لما ذكرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.
وفازت كاثرين كونولي، 68 عاماً، بالرئاسة بعد حملة جمعت فيها بين الدعوات إلى الإصلاح الداخلي العاجل والنقد الدؤوب لحرب إسرائيل على غزة، وهو مزيج لاقى صدى لدى الناخبين المحبطين بسبب ارتفاع الإيجارات، والبنية الأساسية الراكدة، والشعور بأن الرخاء النسبي في إيرلندا ترك الكثيرين خلف الركب.
واعترفت هيذر همفريز، منافسة كونولي الوحيدة، بالهزيمة في السباق، بعد ظهر السبت، وهنأتها، حسبما ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الوطنية RTE.
وجاءت التهنئة، على الرغم من أن فرز الأصوات لا يزال مستمراً، لكن النتائج في جميع أنحاء إيرلندا تشير إلى فوز ساحق لكونولي في سباق الرئاسة.
وتفوقت كونولي، عمدة غالواي السابقة، في منافسةٍ ثنائيةٍ اتسمت بضعف الاهتمام العام وفوضى المرشحين، إذ تم تقليص عدد المرشحين بشكل كبير، بعد فشل معظم المتنافسين في التأهل، أو انسحبوا بسبب مخاوف صحية أو فضائح، وفقاً للصحيفة.
وفي نهاية المطاف، انتهى الأمر بكونولي في مواجهة فردية مع همفريز، وهي من حزب “فاين جايل” اليميني الوسطي الذي يُنظر إليه على أنه حامل لواء المؤسسة.
ولكن بالنسبة لبعض المراقبين، فإن فوز كونولي عكس نسخة أكثر اعتدالاً من الاضطرابات المناهضة للحكومة التي تجتاح الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم.
كما أرسل هذا الفوز إشارات تحذيرية مبكرة إلى ائتلاف يمين الوسط الحاكم، من خلال إظهار أن قوة الناتج المحلي الإجمالي، إذ يتفوق الاقتصاد الإيرلندي على معظم الدول الأوروبية، لا تشكّل عزلاً مثالياً عن غضب الناخبين.
وقال ديارميد فيريتر، أستاذ التاريخ الإيرلندي الحديث في كلية دبلن الجامعية: “لن يُترجم هذا بالضرورة إلى تغييرات في الانتخابات العامة المقبلة، لكن من الواضح أنهم يستغلون جوانب مختلفة من السخط على الحكومة”.
“منصب فخري”
وتعتبر الرئاسة التي أُنشئت لتمثيل الجمهورية البرلمانية لا لحكمها، هي منصب فخري بالكامل تقريباً، مع صلاحيات محدودة، حتى تلك التي نادراً ما تُستخدم.
ويُعيّن الرئيس رسمياً بعض المسؤولين الرئيسيين، لا سيما النائب العام والقضاة، لكن بعد توجيه من الحكومة فقط مع وجود استثناءات نادرة، إذ يُعتبر دور الرئيس في الحكم رمزياً، أشبه بدور العائلة المالكة في بريطانيا.
وقال ديفيد فاريل، أستاذ العلوم السياسية في كلية السياسة والعلاقات الدولية بجامعة دبلن: “إن صلاحيات الملكة البريطانية هي نفس صلاحيات رئيسنا، محدودة للغاية، لكنهم لا يملكون نفس القدر من المال”.
“تتويج للمهنة”
ولقد كانت هذه الوظيفة في كثير من الأحيان بمثابة تتويج للمهنة، وكان يُنظر إلى Áras an Uachtaráin، المقر الرئاسي في فينيكس بارك بدبلن، على أنه منزل تقاعد سياسي أكثر من كونه منصة إطلاق لمزيد من النفوذ.
ومع ذلك، هناك سابقة لرئيسة إيرلندية استغلت منصبها على الساحة العالمية. فقد استغلت ماري روبنسون، التي انتُخبت عام 1990 كأول رئيسة لإيرلندا، سنواتها السبع لتوسيع نطاق دورها الأخلاقي، إذ استقالت مبكراً لتشغل منصب مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ثم أسست لاحقاً مؤسسة عالمية للعدالة المناخية.
ونجحت كونولي في تحقيق إنجاز غير عادي بالنسبة لمرشحة مستقلة من خلال إقناع كل كتلة تقدمية رئيسية تقريبا بدعمها، بما في ذلك حزب العمال، والحزب الاشتراكي، وحزب الشعب قبل الربح.
وكان الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو القرار الذي اتخذه حزب “شين فين”، أكبر حزب في البرلمان الإيرلندي، بتأييد كونولي بدلاً من ترشيح مرشحه الخاص، الأمر الذي أضاف قوة تنظيمية إلى عملياتها المحدودة.
وبحسب شبكة BBC البريطانية، أظهرت نتائج الفرز عدداً كبيراً من الأصوات المستبعدة، حيث اختار عدد كبير من الناخبين عدم التصويت لأي من المرشحين الثلاثة
كما هنأت هيلين ماكنتي نائبة زعيم حزب “فاين جايل”، كونولي، وقالت: “أتطلع إلى العمل معها”.
وأضافت: “لقد دعمها الحزب، وكما هو الحال في أي انتخابات، بعد أن تهدأ الأمور، ونرى النتيجة النهائية، سنفكر في الانتخابات، وإلى أين نتجه”.
وقال نائب رئيس الوزراء سيمون هاريس إن “كونولي ستكون رئيسة لهذا البلد بأكمله، ولنا جميعاً”.
من هي كونولي؟
وكونولي هي طبيبة نفسية إكلينيكية ومحامية سابقة شغلت منصب نائبة رئيس مجلس النواب الأيرلندي بعد انتخابها لأول مرة في عام 2016. وزادت شعبيتها على مدار الحملة الانتخابية، إذ وجدت انتقاداتها لسياسة الحكومة في مجالات مثل الإسكان قبولاً واسعاً بين الناخبين الأصغر سناً على وجه الخصوص.
وبعد فوزها برئاسة إيرلندا، سيُنهي هذا الفوز ولاية مايكل دي هيجينز، وزير الثقافة السابق عن حزب العمال التي استمرت سبع سنوات، وفقاً لشبكة Sky News.
وتعد هذه الانتخابات هي المرة الثالثة التي تتولى فيها امرأة منصب الرئاسة بعد ماري روبنسون، وماري ماكاليس.
وبالرغم من كونها مستقلة، نجحت كونولي في توحيد غالبية الأحزاب اليسارية، بما في ذلك حزب “شين فين”، أكبر أحزاب المعارضة الذي اختار عدم ترشيح نفسه في الانتخابات إلى جانب الحزب “الاشتراكي الديمقراطي” وحزب العمال، وفقاً للشبكة.
ويأتي انتخابها بعد عام واحد فقط من فشل محاولة حزب “شين فين” لفك قبضة حزبي “فيانا فيل”، و”فاين جايل” الحاكمين على السلطة التي استمرت قرناً من الزمان.
وشغلت كونولي منصب عضو مجلس محلي عن حزب العمال لمدة 17 عاماً، وأمضت فترة رئاستها لبلدية غالواي حتى عام 2005.
وانسحبت من حزب العمال عام 2007، وبعد حملة انتخابية فاشلة عام 2011، انتُخبت عضواً مستقلاً في مجلس النواب الإيرلندي في عام 2016.
وأصبحت أول امرأة تشغل منصب نائب رئيس مجلس النواب الإيرلندي عام 2020.
“آراء كونولي بشأن غزة”
وكانت كونولي صوتاً بارزاً مؤيداً للفلسطينيين في البرلمان، حيث انتقدت بشدة أفعال إسرائيل في حرب غزة.
وتُعدّ إيرلندا من أكثر دول الاتحاد الأوروبي تأييداً للفلسطينيين، حيث تُعرب حكومتها الائتلافية من يمين الوسط عن دعمها لحل الدولتين، إلى جانب أحزاب المعارضة الرئيسية.
لكن آراء كونولي وُصفت بأنها أكثر تطرفاً من قِبل منتقديها، بمن فيهم مارتن، الذي اتهمها في سبتمبر الماضي بـ”التردد في إدانة هجوم حماس في إسرائيل بشكل قاطع في 7 أكتوبر 2023″.
وقالت كونولي لإذاعة BBC Radio Ulster “أنا أدنت ما حدث في السابع من أكتوبر، لكن التاريخ لم يبدأ في السابع من أكتوبر”، مضيفة: “من المهم النظر إلى التاريخ، والفظائع العديدة التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية من خلال جيشها”.
وذكرت في وقت لاحق أن “ما حدث في السابع من أكتوبر كان خطأ تماماً، لكنه لا يمكن مقارنته بما وصفته بالإبادة الجماعية في غزة”.
وانتقدت كونولي أيضاً رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، بعد أن أعلن اعتراف المملكة المتحدة بدولة فلسطينية، قائلة إنه “لا ينبغي له أن يشترط ألا يكون لحماس أي دور في الحكومة الجديدة”، وفقاً للشبكة.
وقالت إن “حماس جزء من نسيج الشعب الفلسطيني”، مضيفة: “أنا من إيرلندا التي لديها تاريخ استعماري، سأكون حذرة للغاية في إخبار شعب ذي سيادة بكيفية إدارة بلاده”.
وتابعت: “يجب على الفلسطينيين أن يقرروا، بطريقة ديمقراطية، من يريدون أن يقود بلادهم”.
وتعتبر حركة “حماس” جماعة محظورة في المملكة المتحدة، ومنظمة إرهابية.
وقد هاجم وزراء الحكومة مراراً وتكراراً سجلها في معارضة الاستفتاءات الرامية إلى تعميق تكامل إيرلندا مع الاتحاد الأوروبي، لكن هذا لم يصبح نقطة نقاش رئيسية خلال حملتها الانتخابية.
وكانت أيضاً منتقدة صريحة لزيادة الإنفاق العسكري في إيرلندا الذي تخطط لزيادته من 1.1 مليار دولار في عام 2022 إلى 1.5 مليار دولار بحلول عام 2028 لمعالجة النقص.
وكانت حملة كونولي الانتخابية مركزة على الثقافة الإيرلندية، ومساعدة المواطنين على “إيجاد صوتهم”، مع هدف علامتها التجارية إلى تكريم الحرفيين التقليديين، بالإضافة إلى استخدام اللافتات بالقرب من المحلات التجارية.
