تنشر هذه المادة في إطار شراكة بين وDW
لطالما كان نزع سلاح حزب الله اللبناني مطلبا نادت به قرارات الأمم المتحدة، وبات ملموسا في صيغة الاتفاق المبرم في نوفمبر الماضي بين إسرائيل ولبنان بوساطة أمريكية فرنسية لإنهاء الصراع العسكري.
وفي مطلع هذا الشهر، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني خطة لفرض “حصر السلاح” على الدولة بحلول نهاية العام. لكن حزب الله المصنّف من قبل دول غربية على أنها منظمة إرهابية يرفض نزع سلاحه.
وأكد زعيم الحزب نعيم قاسم الأسبوع الماضي موقف الميليشيا الشيعية المدعومة من إيران بعبارات حادة.
وقال إن نزع السلاح يخدم مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل في المقام الأول ويعرض البلاد لـ “أزمة خطيرة”. وأضاف أنه إذا سعت الحكومة إلى المواجهة مع حزب الله، “فلن تكون هناك حياة في لبنان”.
بل وحذر قاسم حرفيا من “حرب أهلية”، مما دفع رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام إلى اعتبار تهديدات نعيم قاسم بأنها “إعلان حرب”، وشدد على منصة X وفي مقابلة صحفية باللغة العربية على أن “أيّ تهديد أو ترهيب فيما يتعلق بمثل هذه الحرب هو أمر غير مقبول على الإطلاق”.
وشهدت لبنان بالفعل ما بين عامي 1975 و1990 حربا أهلية دامية أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف. الذكريات عنها حزينة وصادمة بالنسبة لكثير من الناس.
تعزيز النفوذ السياسي؟
كان رد فعل حزب الله متوقعا، حسب رأي ميرين عباس، مدير مكتب مؤسسة فريدريش إيبرت في بيروت، موضحا أن “لا أحد يعرف عدد الأسلحة التي لا تزال بحوزة الميليشيا”، وهي “الورقة الرابحة الوحيدة التي يمكنها أن يلعبها” الحزب ولضمان بقاءه على الساحة السياسية ولـ”تعزيز نفوذه السياسي” ، بعدما فقد حزب الله الكثير من قوته ونفوذه جراء الصراع العسكري مع إسرائيل العام الماضي.
فلم تقتصر الهجمات الإسرائيلية على تدمير ترسانته العسكرية فحسب، بل طالت أيضا قياداته وعلى رأسهم حسن نصر الله، زعيم حزب الله الذي قُتل في غارة إسرائيلية في سبتمبر 2024.
كما أن حزب الله فقد نفوذه في سوريا بعد سقوط نظام الأسد الذي كان حليفه الأول له في المنطقة.
وحتى إيران التي كانت لعدة عقود الراعي الرئيسي لحزب الله لم تعد قادرة على دعمه بالقدر نفسه بسبب قطع الطريق البري عبر سوريا.
إشراك إيران؟
في الأساس لا يعتبر نزع سلاح حزب الله مستحيلا لكن من الصعب تحقيقه، حسبما يرى المحلل السياسي اللبناني روني شطاح في حديثه إلى DW.
ويستدل في رأيه على أمثلة ناجحة في بلدان أخرى، مثل الجيش الجمهوري الأيرلندي والقوات المسلحة الثورية الكولومبية ومنظمة إيتا الإسبانية. حالة حزب الله تستلزم وفق شطاح إجراء محادثات دولية بمشاركة إيران، داعمه الرئيسي، كشرط أساسي.
ويتابع قائلا: “يمكن القول إن إيران تولت قيادة حزب الله. ولهذا السبب قام علي لاريجاني، المسؤول الإيراني الرسمي عن الأمن بزيارة لبنان مؤخرا”.
وفي هذا السياق، يشدد الخبير على أن نزع سلاح الحزب يمكن تحقيقه “من خلال التزام الولايات المتحدة أو فتح قنوات اتصال أخرى”.
الموقف من إسرائيل
من جهته، يقول الخبير ميرين عباس في مقابلة مع DW، إن غالبية اللبنانيين تؤيد نزع سلاح حزب الله.
“لكن من وجهة نظر معظم المواطنين، لا تزال سلامة أراضي لبنان مهددة. وهذا ينطبق بشكل خاص على إسرائيل . فجيشها ينتهك بشكل متكرر سيادة البلاد”. فمنذ وقف إطلاق النار في نوفمبر انتهكت إسرائيل الاتفاقية مراراً، كما حدثت العديد من عمليات القتل المستهدف.
وهي (إسرائيل) “لا تزال متواجدة في خمسة مواقع على الأراضي اللبنانية. وهذا بالطبع يمنح حزب الله شرعية كبيرة”، حسبما يقول الخبير في مؤسسة فريدريش إيبرت. في المقابل تتهم إسرائيل حزب الله بعدم الالتزام بالاتفاقات ومواصلة التخطيط لشنّ هجمات.
آراء الشارع
تتباين الآراء بين اللبنانيين حول مسألة نزع سلاح حزب الله .تقول إحدى النساء التي طلبت عدم الكشف عن اسمها مثل غيرها ممن شملهم الاستطلاع إنها تعارض نزع السلاح. وتشير إلى أن الجيش اللبناني يتلقى هو الآخر دعما عسكريا من الخارج.
لكن الدعم الذي يتلقاه الجيش الإسرائيلي أكبر بكثير. “لهذا السبب أنا ضد نزع سلاح حزب الله. فالجيش اللبناني النظامي يفتقر ببساطة إلى الموارد اللازمة للدفاع عن البلاد”.
ويرى آخر أن هناك أولويات أخرى يجب أن تهم بلده في الوقت الحالي: “الدولة مفلسة. لذا يجب أن يكون نزع السلاح في نهاية عملية إعادة الإعمار وليس في بدايتها”.
يشير لبناني آخر إلى الوضع في جنوب البلادو يقول إن الأهالي هناك يتعرضون لضغوط إسرائيلية منذ عقود، “لذلك يشعرون بأمان أكبر إذا ما احتفظ حزب الله بأسلحته”. لكنه هو نفسه يؤيد نزع سلاح الحزب فـ “عندها لن يكون لإسرائيل ذريعة لشنّ حرب جديدة”، على حدّ قوله.
وكانت إسرائيل نفسها قد بررت العمل العسكري ضد حزب الله في خريف 2023 بقصف صاروخي من لبنان على مناطق سكنية إسرائيلية، كان الحزب قد نفذه بعد وقت قصير من هجوم السابع من أكتوبر 2023، الذي شنته حماس على أسرائيل.
“تقوية أجهزة الدولة”
في الوضع الحالي من المهم قبل كل شيء “تقوية أجهزة الدولة” اللبنانية على جميع المستويات، كما يقول الخبير في الشؤون اللبنانية ميرين عباس.
” يجب أن تبدأ استراتيجية سيادة موثوقة من أضعف نقاط لبنان: الشرعية والكفاءة. وهذا يشمل إصلاح النظام السياسي نحو نظام علماني واستعادة السيادة المالية وتقليل الاعتماد على التمويل الأجنبي واستعادة دور الدولةكمزود رئيسي للخدمات الأساسية”.
لكن عباس يشير إلى أن هذا أمر صعب، لا سيما فيما يتعلق بالجيش الذي ينظر إليه بأنه “أضعف من حزب الله”.
ومن تمة يرى الخبير “حاجة ملحة” إلى بقاء قوات بعثة الأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل) في جنوب لبنان، في إشارة إلى المناقشات الجارية حول تمديد وجودها. فـ ” الجيش اللبناني لا يستطيع وحده القيام بالمهام المطلوبة هناك. سيكون ذلك فوق طاقته”، يقول ميرين عباس.
ويقول الخبير اللبناني روني شطاح إن لبنان يعاني من مشكلة أساسية وهي الانقسام الطائفي الحاد المقترن بتفكير طائفي. “وهذا سيستمر في المستقبل. وسيواصل إضعاف البلاد”.
ومع ذلك يجب على حزب الله أن يتطور ليصبح “حزبا سياسيا بحتا”، حسب شطاح. وإلا فلن يكون هناك خطر حدوث هجمات إسرائيلية أخرى فحسب، بل خطر حدوث انقسام إضافي في المجتمع “بشكل لم نشهده من قبل”.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي