بعد عودة سياسة الضغط.. هل يجبر ترامب إيران على عقد صفقة؟

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب المجتمع الدولي بعد تلميحه برغبته في عقد صفقة سلام مع إيران، إذ نشر عبر موقعه “تروث سوشيال” أنه يسعى لاتفاق سلام موثوق سيسمح لطهران بالنمو والازدهار، في مقابل ضمان عدم امتلاكها أسلحة نووية.
كما ذكر الرئيس الأميركي في مؤتمر صحافي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “أود أن أتمكن من إبرام صفقة عظيمة مع إيران، صفقة ستمكنهم من مواصلة حياتهم بشكل جيد”.
وتأتي تلك التصريحات عقب توقيع ترمب على مذكرة رئاسية أحيا من خلالها سياسة الضغط الأقصى على إيران بهدف منعها من امتلاك سلاح نووي، والحد من صادراتها النفطية، وقال الرئيس الأميركي خلال حديثه إلى الصحافيين: “إذا ردّت إيران، وحاولت قتلي فسنقضي عليها”.
ولطالما كانت نبرة ترمب تجاه إيران محيرة، فالرئيس الأميركي قضى جزءً كبيراً من حملته الانتخابية يتوعد إيران بفرض عقوبات قاسية عليها وحصارها اقتصادياً لأنشطتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، على حد وصفه، وخلال ولايته الأولى انسحب من الاتفاق النووي الدولي مع إيران عام 2018.
لكن عرض ترمب لإيران بالتوصل لاتفاق بين الطرفين ليس جديداً، ففي عام 2020 بعد الاتفاقيات بين عدد من الدول العربية وإسرائيل وجه مستشار الأمن القومي آنذاك جاريد كوشنر نداءً إلى الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ذكر فيه أن الوقت قد حان للمنطقة للمضي قدماً، وقال: “دعونا نتوقف عن الوقوع في صراعات الماضي، فقد حان الوقت لكي يجتمع الناس معاً ويصنعوا السلام”.
استراتيجية قديمة بطموحات أعلى
وقال أليكس فانتانا، المدير المؤسس لبرنامج إيران في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، لـ”الشرق” إن “ترمب في ولايته الثانية لديه حرية أكبر في التعامل مع إيران؛ فليس لديه ضغوط من داخل إدارته بشأن قراراته، فأعضاء إدارته الجديدة مختلفون تماماً عمن كانوا معه في ولايته الأولى، فهم موالون له تماماً، مما يعني أنه لديه مساحة أكبر بكثير بشأن ما يريد القيام به تجاه طهران، دون الكثير من الضغوط القادمة من فريق الأمن القومي ووزارة الخارجية والبنتاجون”.
وأضاف أن ترمب يريد التركيز على الشؤون الداخلية في أميركا أكثر من الشؤون الدولية، “بالتالي أعتقد أنه لا يريد تحويل قضية إيران إلى صراع كبير في ولايته الثانية، ولديه الخبرة اللازمة لفعل ذلك، ولكن أسلوبه في التفاوض عبر إطلاق وابل من التصريحات في وسائل الإعلام محير بالنسبة لي بعض الشيء لا أعتقد أن يحدث ذلك تأثيراً مع النظام الإيراني”.
وأشار إلى أنه “سيكون من الأفضل بكثير إذا حاول فريق ترمب بهدوء التوصل إلى حل مع الإيرانيين، وخلق بعض الثقة ثم الإعلان عن بوادر اتفاق ما، ولكن الحقيقة أنه من الصعب التوقع أن يصافح ترمب، المرشد الإيراني علي خامنئي بالطريقة التي فعلها مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون”.
ويعتقد نورمان روول، المسؤول السابق بالاستخبارات الأميركية ومستشار منظمة “متحدون ضد إيران النووية” أن “ولاية ترمب الثانية ستكون أكثر تأثيراً على إيران من ولايته الأولى؛ فمن جهة سيدعم الرئيس الأميركي متطلبات الأسلحة الإسرائيلية، مما سيمكن إسرائيل من استهداف إيران بشكل أكبر إذا تطلب الأمر وإيران تدرك ذلك”.
وأضاف: “كما أن ترمب في ولايته الأولى استهدف إيران بعد مرور أكثر من عام على بدء ولايته، أما الآن في الأيام الأولى لولايته الثانية، فهو يستهدف قطاع النفط الإيراني عبر فرض وزارة الخزانة عقوبات على شبكة دولية تشحن ملايين البراميل من النفط سنوياً للصين، هذه الإيرادات تساهم بشكل كبير في تمويل الأنشطة العسكرية الإيرانية، ما قد يفرض ضغطاً اقتصادياً كبيراً على إيران لمدة أربع سنوات، وهذا ما تدركه طهران، وأعتقد أنه إذا أقنع ترمب الصين بالتخلي عن النفط الإيراني ستكون ضربة قاضية، فالصين تستهلك 90% أو 95% من النفط الإيراني”.
وبالنسبة لأهمية الصين في فرض حصار أكبر على إيران يرى ريتشارد جولدبيرج مستشار أول في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والذي عمل في السابق بمجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، أن “هناك مسار يمكن أن يسلكه ترمب لزيادة الضغط على إيران وحرمانه من عائدات النفط التي تأتي إليها من الصين، فالحكومة الصينية لا تريد أن ترى إحدى شركاتها المملوكة للدولة تتعرض لعقوبات أميركية من شأنها أن تجعل الشركة منبوذة من النظام المالي العالمي”.
وأضاف: “هذا من شأنه أن يعرض قطاع الطاقة لديهم للخطر، وقطاعهم المصرفي للخطر، كما أن من شأنه أن يؤثر في مختلف أنحاء اقتصادهم، وهو أمر لا يستحق المغامرة فهناك نفط آخر في السوق يمكنهم استبداله بالنفط الخام الإيراني، وإذا حاولوا التهرب من الأمر بإنكار معرفتهم بالشركات العاملة مع إيران يستطيع ترمب أن يجعل الحياة صعبة ومعقدة للغاية بالنسبة لبكين”.
وكلاء إيران
من جهته، قال مارك فايفر، العضو السابق بمجلس الأمن القومي الأميركي، إن “أي شخص يدعي أنه يعرف ما يفكر فيه ترمب أو ما الذي يعتزم فعله، فمن المحتمل أن يكون غير صحيح، فالرئيس الأميركي غير متوقع بالمرة، ولكن إذا ألقينا نظرة على ولايته الأولى سنجد أنه صعد للحد الأقصى مع إيران، من خلال العقوبات وقطع الموارد المالية عنهم، ونزع الشرعية عنهم في الأسواق الدولية، واستهداف قادة عسكريين إيرانيين، ولا أعلم هل سيتبع نفس النسق في التصعيد خلال هذه المرة أم لا”.
وخلال العام الماضي فقدت إيران موضع قدمها في عدد من الدول العربية، وربما أثر ذلك سلباً على قدراتها من خلال تهديدها الدائم لإسرائيل عبر وكلائها في المنطقة.
ويرى أليكس فانتانا أن “إيران أضعف بكثير مما كانت عليه في 2015، و2018، فهم وحيدون استراتيجياً الآن، وتعرضوا لصدمة كبيرة، فخلال عام واحد انهارت قدرات وكلائها في المنطقة على يد إسرائيل، بعد تدمير معظم قدرات حماس في غزة، وتحييد حزب الله بشكل كبير عن المشهد في لبنان، والضربات القوية التي تلقاها الحوثيون من قوات التحالف الدولي نتيجة استهدافهم حركة الملاحة الدولية”.
وتابع: “بالإضافة لكل ذلك فقدت إيران دورها الرئيسي في سوريا بعد انهيار نظام الأسد، حتى الجانب الأوروبي مستاء من إيران، بسبب إرسالها أسلحة إلى روسيا تُستخدم ضد أوكرانيا، بالتالي من الأفضل للنظام الإيراني مخاطبة ود ترمب، لأن نتنياهو يعمل بشكل كبير على إقناعه باستهداف إيران بشكل مباشر، بسبب قربها من تصنيع قنبلة نووية، لذا فعقد صفقة مع الرئيس الأميركي بالنسبة لإيران قد يعني نجاة هذا النظام على المدى الطويل”.
بينما يعتقد نورمان روول أنه “يجب الحذر بشأن القول إن إيران أضعف كثيراً الآن، فلديهم احتياطيات أجنبية قوية نسبياً لأن العقوبات لم يتم الالتزام بها؛ بسبب حالة التراخي بشأن إيران في ظل إدارة بايدن، لكن الوضع العسكري الإيراني لا يمكنه الصمود في وجه التكنولوجيا الأميركية والإسرائيلية، خاصة أنهم غير قادرين على تطوير دفاعاتهم الجوية”.
وتابع: “ليس لدى روسيا ما تقدمه في هذا الشأن لإيران، بالتالي يعلمون أنهم في موقف أضعف، وأن تأثيرهم عبر وكلائهم في المنطقة يتلاشى، بالإضافة إلى أن الوضع الداخلي الإيراني مضطرب للغاية، فنسب التضخم كارثية وحالة الاحتقان الشعبي تزداد يومياً، رغم تيقن النظام الإيراني من صعوبة الانتفاض الشعبي ضده”.
وقال ريتشارد جولدبيرج إن “إيران معرضة للخطر في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، بسبب النجاحات العسكرية الإسرائيلية في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط، وبالطبع الوضع الداخلي في إيران سيء للغاية، وهي أيضاً تعاني بسبب سوء إدارتها لإمدادات الطاقة المحلية، وهناك انقطاعات مستمرة للتيار الكهربائي في مختلف المدن”.
وأضاف: “بالتالي إذا أراد النظام الإيراني حياة أفضل لشعبه يجب أن يتخلى عن تعزيز قدراته لامتلاك أسلحة النووية، وعليه التوقف عن كونه دولة راعية للإرهاب، حيث ستكون له علاقات أفضل بكثير مع الولايات المتحدة، وبالتأكيد هذا ما يريده الشعب الإيراني أن يرى تغييراً في اتجاه بلاده.. إنهم يريدون إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، ولا يدعمون النظام الحاكم في معاداته لأميركا وإسرائيل”.
أهداف ترمب
وخلصت وكالات الاستخبارات الأميركية خلال الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن وبداية فترة الرئيس الحالي دونالد ترمب، إلى أن إسرائيل قد تسعى لتنفيذ ضربات عسكرية كبيرة على المنشآت النووية الإيرانية خلال منتصف هذا العام.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، إن الاستنتاج الأول جاء ضمن تقييم تحليلي تم إعداده مع اقتراب انتهاء ولاية إدارة بايدن، إذ سلّط التحليل الضوء على المخاطر الناجمة عن المزيد من الأنشطة العسكرية ذات المخاطر العالية لإسرائيل في الشرق الأوسط، وذلك في أعقاب تراجع قدرات إيران بشكل كبير خلال العام الماضي.
وذكر التقييم الاستخباراتي أن إسرائيل ستضغط على إدارة الرئيس دونالد ترمب لدعم هذه الضربات، إذ ترى أنه أكثر استعداداً للانضمام إلى الهجوم مقارنة بالرئيس السابق بايدن، كما تخشى تل أبيب أن إمكانية وقف سعي طهران لامتلاك سلاح نووي باتت تضيق، وفق ما قاله شخصان مطلعان على المعلومات الاستخباراتية.
وقالت صحيفة “واشنطن بوست” إن عدة تقارير استخباراتية تتضمن تحذيرات بشأن احتمال تنفيذ إسرائيل لهذه الضربات منشآت إيران النووية في “فوردو ونطنز”، خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2025.
أليكس فانتانا يرى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعمل بشكل كبير على إقناع ترمب باستهداف إيران بشكل مباشر؛ بسبب قربها من تصنيع قنبلة نووية، “لذا فعقد صفقة مع ترمب بالنسبة لإيران قد يعني نجاة هذا النظام على المدى الطويل، خاصة أن ترمب استخدم خيار الضغط عسكرياً قبل ذلك بالتنسيق مع إسرائيل حينما قام باستهداف قاسم سليماني قائد فيلق القدس عام 2020 في العراق”.
ويشاركه الرأي ريتشارد جولدبيرج، والذي قال إن “ترمب في هذه الولاية اختار فريقاً من النجوم الحقيقيين لمساعدته جيداً، أشخاص يعرفون حجم تهديد إيران، ويمكنهم تقديم أفضل نصيحة ممكنة له، أشخاص لديهم سجلات طويلة وآراء عامة طويلة حول كيفية التعامل مع التهديد من إيران”.
ومضى قائلاً: “مستشار الأمن القومي مايك والتز، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيجسيث، ومرشحة ترمب إليز ستيفانيك كسفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وجون راتكليف في وكالة الاستخبارات المركزية، هؤلاء جميعاً لديهم رؤية واضحة جداً للتهديد الذي تشكله إيران، ويدعمون نهج الضغط الأقصى الذي أعلنه ترمب حتى لو وصل الأمر للاستهداف العسكري”.
لكن نورمان روول يستبعد قيام ترمب بالتصديق على عمل عسكري، فمن وجهة نظره يفضل ترمب التفاوض والضغط اقتصاديا على طهران، للقبول باتفاق جديد، خاصة أن الرئيس الأميركي صرح بأنه يسعى للتفاوض، ولم يذكر أو يلمح لأي عمل عسكري يمكن أن يحدث.
التشابه بين البرنامج النووي الإيراني والعراقي
ويعتقد ريتشارد جولدبيرج أن الموقف مع إيران اليوم مختلف تماماً عن العراق قبل ثلاثة وعشرين عاماً، فقد كان صدام حسين في العراق يعمل على برنامج للأسلحة النووية، قبل أن تضربه إسرائيل في العام 1981، وكانت تقارير الاستخبارات تشير إلى أن شيئاً ما كان يجري بالعراق لامتلاك سلاح نووي، ولكن لم يتمكن أحد من العثور عليه في نهاية المطاف.
وقال: “لكن بالنسبة لإيران هناك مؤشرات عديدة على أنهم يسعون لامتلاك سلاح نووي، فمنشأة مثل فوردو تحت جبل تستخدم لإجراء تخصيب اليورانيوم، وهي دليل واضح على أن إيران تسعى لتصنيع قنبلة نووية، وتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، ومحاولة تخصيبه بنسبة 84% دليل واضح أن إيران تحاول إنتاج يورانيوم صالح للاستخدام في الأسلحة في المستقبل”.
وتابع: “لديهم برنامج صاروخي موجه بوضوح نحو القدرة النووية، ويواصلون العمل على صاروخ باليستي عابر للقارات قادر على حمل رأس حربي نووي، وكل هذه الأشياء مجتمعة هي ضوء أحمر وامض ليس فقط أنهم يمتلكون القدرات والنوايا، بل إنهم يقتربون حقاً، والقرار يتعلق فقط بموافقة من المرشد الأعلى بتجاوز الخط عندما تكون كل القدرات جاهزة، ولا يمكننا السماح بحدوث ذلك على الإطلاق”.
الموقف الأوروبي
وقال أليكس فانتانا إن قرار إيران بإرسال أسلحة لروسيا لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا في قلب القارة الأوروبية، ساهم في قبول عدد من الدول الأوروبية لزيادة الضغط على إيران، ولن يعارضوا ترمب كما حدث في ولايته الأولى بعد انسحابه من الاتفاق النووي.
من جهته يرى ريتشارد جولدبيرج أنه بالنسبة للجانب الأوروبي حول ملف إيران فحقيقة أنهم كانوا يزودون روسيا أولاً بطائرات بدون طيار والآن بصواريخ باليستية قصيرة المدى لاستخدامها ضد أوكرانيا، أدى إلى زيادة الاحتقان في مختلف العواصم الأوروبية، وهذا قد يؤدي إلى سرعة الانضمام إلى جهود ترمب لوضع أقصى الضغوط على إيران.
وقال إنه ليس متأكداً من “إمكانية مشاركة أوروبا لترمب في قراراته ضد إيران بشكل كامل لست متأكداً، لكن في النهاية يعتقد أنه سيكون هناك تنسيق واستعداد أكبر للمضي قدماً في الضغط من جانب دول المجموعة الأوروبية الثلاث: المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، ومن الواضح أنه سيكون هناك دفع لوصف الحرس الثوري الإيراني بأنه منظمة إرهابية، سواء في بريطانيا أو في الاتحاد الأوروبي، وتفعيل إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران والمتوقفة منذ عام 2015 بموجب الاتفاق النووي”.