أعلنت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في سوريا نتائج تحقيقاتها حول أحداث الساحل السوري الدامية التي وقعت في مارس/آذار الماضي، بعد هجمات نفذتها فلول نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وقدمت اللجنة تفاصيل موسعة في مؤتمرها الصحفي بدمشق، مسلطة الضوء على حجم الانتهاكات وتداعياتها الإنسانية والسياسية، مع توصيات بمحاسبة المتورطين وضرورة الإسراع في مسار العدالة الانتقالية.

 

نتائج التحقيق: أرقام تكشف حجم المأساة

 

تضمنت نتائج اللجنة معلومات صادمة عن حجم الضحايا والانتهاكات، مؤكدة على الطبيعة الثأرية لهذه الأحداث أكثر من كونها أيديولوجية.

وقال المتحدث باسم اللجنة، ياسر الفرحان، إن الانتهاكات التي وثقتها اللجنة كانت واسعة النطاق لكنها “لم تكن متعمدة، بل ذات دوافع ثأرية”، مشيرًا إلى أن اللجنة تحققت من انتهاكات جسيمة تعرض لها المدنيون خلال أيام 7 و8 و9 مارس/آذار، شملت القتل العمد، السلب، تخريب البيوت وحرقها، إضافة إلى التعذيب والشتائم الطائفية.

 

ووثقت اللجنة أسماء 1426 قتيلًا بينهم 90 امرأة، غالبيتهم مدنيون وعسكريون سابقون أجروا تسويات، ومعظمهم من الطائفة العلوية في الساحل السوري، إضافة إلى فقدان 20 شخصاً آخرين، بينهم مدنيون وأفراد من القوات الحكومية.

 

كما أعلنت اللجنة أن 238 من أفراد الأمن العام والجيش السوري قتلوا خلال الهجمات، فيما وثقت 298 شخصًا ثبت تورطهم في انتهاكات جسيمة، مؤكدة أن بعضهم شكل عصابات للسلب والنهب أو انتحل صفات عسكرية لتحقيق مكاسب شخصية.

 

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي سامر الخليوي، في حديث لوكالة ستيب نيوز: “نتائج اللجنة منطقية وواقعية وإلى حد كبير غطت الكثير مما حصل. مهمة اللجنة هي تقصي الحقائق، أما المحاسبة فهي ستكون من مسؤولية الجهات القضائية.”

تفاصيل عمل اللجنة

 

عمل اللجنة استمر لأشهر، شمل زيارات ميدانية واستماعًا لآلاف الإفادات، في محاولة لإعادة سرد الحقيقة كاملة.

وزار أعضاء اللجنة 33 موقعًا في الساحل السوري، وعاينوا أماكن وقوع الانتهاكات وكشفوا المقابر وأماكن الدفن بحضور مخاتير ورجال دين وممثلي العائلات، كما عقدوا لقاءات عدة مع شخصيات محلية في كل بلدة. واستمعوا إلى 938 إفادة، منها 452 تتعلق بحوادث قتل، و486 بالسلب أو السرقة أو حرق البيوت والمحال التجارية والتعذيب.

 

وقال جمعة العنزي، رئيس اللجنة، إن التحقيقات اعتمدت على شهادات الأهالي ومحاضر استجواب الموقوفين وفحص الأدلة الرقمية والصور ومقاطع الفيديو، موضحًا أن “كل من ظهر وجهه في مقطع فيديو أو صورة على مواقع التواصل الاجتماعي تم التحقق منه وهو عرضة للمساءلة القانونية”.

 

إحالة المتهمين إلى القضاء وتوصيات بالعدالة الانتقالية

 

أعلنت اللجنة إحالة المتهمين إلى القضاء، مشددة على ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لمنع تكرار هذه الجرائم عبر تطبيق العدالة الانتقالية.

وأكد الفرحان أن اللجنة أحالت لائحتين بأسماء المشتبه بتورطهم في الانتهاكات إلى النائب العام، دون إعلان الأسماء للرأي العام حفاظًا على سرية التحقيقات، مشيرًا إلى أن القائمة تتضمن 265 متهمًا محتملًا من عناصر المجموعات المسلحة المرتبطة بفلول النظام.

 

وقال العنزي: “اللجنة عملت بكل شفافية واستعانت بشهود وخبراء، والدولة لم تتدخل في عملها مطلقًا.”

 

وأضاف أن اللجنة سلمت أسماء متورطين حتى قبل تسليم التقرير النهائي حتى تتمكن النيابة العامة من التحقيق معهم بشكل سريع.

 

وفي رده على سؤال حول سرعة محاسبة المتهمين، قال الخليوي: “أعتقد أن الحكومة ستقوم بمحاسبة المسيئين بأسرع وقت، وذلك من أجل مصداقيتها أولًا، ومن أجل الحق وتلبية للمطالب الدولية. الحزم مطلوب كي يكون رادعًا ويمنع أية تجاوزات أو عمليات جديدة.”

 

العدالة الانتقالية.. مطلب شعبي مؤجل

 

رغم التوصيات، تبقى العدالة الانتقالية استحقاقًا مؤجلًا تهدد غيابها بإبقاء البلاد رهينة الفوضى والثأر.

 

وشدد الخليوي على أن العدالة الانتقالية هي ثاني أهم مطلب بعد إسقاط النظام، موضحًا: “دون تحقيقها لن يكون هناك استقرار للأوضاع. أعتقد أن تأخرها يعود للأوضاع الحالية غير المستقرة، والاستفزازات التي تحصل من بقايا النظام والتدخلات الخارجية التي لا تريد الخير والاستقرار لسوريا كونهم خسروا حليفهم الأسد.”

 

وكان قد أكد العنزي في حديث لوسائل إعلام أن الدولة جادّة بمحاسبة جميع المسؤولين من كل الأطراف، مشيرًا إلى أن القضاء هو صاحب القرار النهائي بإعلان أسماء المتهمين.

 

ردود الفعل الدولية: دعم حذر ومطالب بالمحاسبة

 

أثارت نتائج التحقيق تفاعلًا دوليًا، وسط مطالبات بترجمة الوعود إلى خطوات قضائية ومجتمعية، بحسب الخبراء.

 

قال الخليوي: “بعد إعلان نتائج اللجنة بدأت ردات الفعل الدولية تتوالى، وغالبيتها تؤيد تلك النتائج وتطالب بمعاقبة كل الذين ارتكبوا التجاوزات والانتهاكات وإنهاء هذا الملف بتوضيح كامل للحقائق وبحيادية ومصداقية مطلقة.”

 

وأوصت اللجنة باتخاذ تدابير عاجلة لمنع التحريض وإثارة النزعات الطائفية، معتبرة أن مهمتها انتهت بإنجاز التقرير وأن الكرة باتت الآن في ملعب السلطات القضائية.

 

نصيحة للحكومة: الحزم والشفافية ضمان الاستقرار

 

في ظل تعدد الملفات الشائكة، تبدو نصيحة الخبراء واضحة للحكومة السورية إذا أرادت استعادة الثقة وضمان استقرار حقيقي.

 

وجه الخليوي نصيحته للحكومة قائلا: “ضرورة الحزم وعدم التهاون على أي انتهاك أو تجاوز، والعمل بشفافية ووضوح فهذا يقوي موقف الدولة. كما أنصحها أن تستفيد من الأخطاء التي ارتكبت من قبل الجميع وأن تبقى الدولة هي الحضن الجامع لكل مكونات المجتمع السوري، وتعمق مفهوم المواطنة الذي يتساوى به جميع أفراد الشعب في الحقوق والواجبات.”

 

وجاء تقرير لجنة التحقيق ليكشف حجم الكارثة الإنسانية في الساحل السوري، لكنه فتح أيضًا بابًا أوسع نحو العدالة والمحاسبة إذا ما التزمت الحكومة السورية بتطبيق توصيات اللجنة، ونصائح الخبراء، وعملت بجدية على مسار العدالة الانتقالية كخيار استراتيجي لاستعادة الثقة وبناء مستقبل لا مكان فيه للثأر والتمييز والظلم.

 

اقرأ أيضاً|| هل انتهت معركة السويداء وتعلمت الحكومة الدرس؟.. خبراء يحللون ما وراء تهجير “البدو”

بعد كشف نتائج التحقيق بأحداث الساحل السوري.. خبير يوجّه نصيحة للحكومة بتطبيق ثاني أهم مطلب للثورة
بعد كشف نتائج التحقيق بأحداث الساحل السوري.. خبير يوجّه نصيحة للحكومة بتطبيق ثاني أهم مطلب للثورة

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.