بعد نداء درزي بتدخل دولي ورد من دمشق.. خبراء يكشفون عن جهتين تؤججان الأوضاع وحل وحيد

شهدت سوريا في الأيام الأخيرة توتراً أمنياً متصاعداً تمحور في منطقتي جرمانا وصحنايا جنوب العاصمة دمشق، وهما من المناطق التي يقطنها غالبية من أبناء الطائفة الدرزية، وجاء هذا التصعيد على خلفية خلافات طائفية أشعلتها تسجيلات صوتية مسيئة نُسبت إلى أحد مشايخ الطائفة، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة خلفت عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، بينهم عناصر أمن، تبعها بيان شديد اللهجة من شيخ طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، طالب خلاله بتدخل دولي، وسلط خبراء الضوء عقب هذه الأحداث على جهات مستفيدة وتحاول استغلال الوضع، كاشفين عن حل وحيد لما يجري.
نداء الشيخ حكمت الهجري ورد حكومي
أصدر الشيخ حكمت الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، بياناً شديد اللهجة طالب فيه بتدخل قوات دولية لحفظ السلام في البلاد، مندداً بما وصفه بـ”هجمة إبادة غير مبررة” ضد الطائفة الدرزية.
وقال الهجري إن “القتل الجماعي الممنهج” يتطلب تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي، مشدداً على أن دروز سوريا ليسوا دعاة انفصال بل مؤمنون بالمشاركة الوطنية وتأسيس دولة “فدرالية ديمقراطية” تحمي كرامة وحرية المواطن.
وأكد الهجري فقدان ثقته في الحكومة السورية، التي اتهمها بقتل شعبها عبر “عصابات تكفيرية تنتمي إليها”، واعتبر طلب الحماية الدولية “حقاً مشروعاً لشعب قضت عليه المجازر”.
في المقابل، رفض وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني دعوات التدخل الأجنبي، معتبراً أنها تهدد وحدة البلاد وتفتح الباب أمام المزيد من الانقسام. وأكد عبر سلسلة تغريدات أن “الوحدة الوطنية ونبذ الطائفية” هما الأساس المتين لأي عملية استقرار، مشدداً على أن “من يدعو إلى التدخل يتحمّل مسؤولية تاريخية وأخلاقية”، ومؤكداً أن الحل الوحيد يمر عبر الحوار الداخلي والتشاركية تحت سقف السيادة السورية.
مواجهات صحنايا وجرمانا.. اشتباكات وطائرات إسرائيلية في الأفق
تطورت الأحداث على الأرض مساء الأربعاء، حيث تمكنت قوات الجيش والأمن السوري من استعادة السيطرة على منطقتي صحنايا وأشرفية صحنايا بعد اشتباكات عنيفة مع فصائل محلية درزية، تخللها تدخل إسرائيلي عبر قصف مواقع أمنية في المنطقة.
وأكدت وزارة الداخلية السورية وقوع هجمات على نقاط أمنية من قبل فصائل مسلحة محلية، تزامناً مع اتهامات متبادلة بشأن تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد، والذي زُعم أن أحد مشايخ الطائفة نشره. ورغم نفي الوزارة تلك المزاعم، تصاعدت حدة التوتر بين القوات الأمنية والفصائل الدرزية، وصولاً إلى الاشتباكات العنيفة.
وعلى إثر ذلك توجه وفد من مشايخ الطائفة الدرزية، ضم شخصيات بارزة مثل ليث البلعوس وحمود الحناوي ويوسف جربوع، إلى المنطقة للمساعدة في احتواء الأزمة. وقد عقد الوفد اجتماعاً مع محافظي دمشق والسويداء والقنيطرة، تمخض عنه اتفاق تهدئة انسحبت بموجبه الفصائل المسلحة ودخلت قوات الأمن لفرض النظام وتمشيط المناطق بحثاً عن “الخارجين عن القانون”.
وأكد مشايخ الوفد خلال الاجتماع على نبذ الطائفية والوقوف مع الدولة، معربين عن قلقهم من حالة الانفلات الأمني في بعض المناطق.
من جانبه، أطلق المفتي العام لسوريا، أسامة الرفاعي، تحذيراً من الانجرار نحو “الفتنة”، داعياً جميع السوريين إلى التحلي بالحكمة والوعي، مؤكداً أن اشتعال الفتنة سيجعل من الجميع خاسرين.
فتنة تُدار من خلف الستار.. من المستفيد؟
سلطت هذه الأحداث الضوء على جهات مستفيدة من زعزعة الاستقرار السوري عبر إثارة النعرات الطائفية، واصطدام مكونات المجتمع، مع استمرار انتشار السلاح بيد فصائل خارج نطاق الدولة.
يقول الدكتور مؤيد غزلان، الباحث والخبير السياسي، في حديث مع “وكالة ستيب الإخبارية”: “المسؤول هو من يعوّل على شق الصف الوطني، والتيارات التي تستقوي بالخارج، والمستفيد من ذلك هو إسرائيل وأي جهة تعوّل على زعزعة استقرار سوريا”.
ويضيف: “الفيديو الذي تسبب بالجدل لا يُجرّم الطائفة الدرزية، وتعميم الخطأ الفردي غير مفيد. وأعتقد أن الجهات التي هبّت بعد هذا الفيديو كان عليها التحقق وعدم التجريم عموماً”.
ويشير إلى أنه “كان هناك خطأ شعبي في تعميم الخطأ على كامل الطائفة الدرزية، وكان يجب ترك الأمر لوزارة العدل ووزارة الداخلية، فهما مؤسستا الدولة اللتان يجب أن تعاقبا المسيء، ويُرفض تماماً أخذ الحق باليد”.
ويؤكد أن “الشحن الطائفي مرتبط بأطراف خارجية تحاول التدخل في الشأن السوري، أبرزها إسرائيل التي أعلنت صراحة أنها تريد سوريا مفككة ومقسمة، وكذلك إيران وميليشياتها التي تحاول العودة إلى المشهد بشكل أو بآخر”.
ويتابع: “أعتقد أن المشكلة المفتعلة كانت تفتقر إلى الوعي المجتمعي بخطورة الأحداث والصدامات في هذه المرحلة. ولا بد من حوار مستدام على مستوى وطني واجتماعي، وهذا ما لم يحصل حتى الآن”.
من جانبه يتحدث المحلل السياسي السوري، أسامة البشير، مع “وكالة ستيب الإخبارية” مؤكداً أن “تخوّف بعض من الأقليات لا مبرّر له، لكنهم صدّروا تخوّفهم إلى العالم كي ينالوا الدعم الدولي ويسعوا لتحقيق أحلامهم، في وقت تمر فيه سوريا بأزمات اقتصادية وداخلية ودولية. وقد استغلّوا هذه الأوضاع للمطالبة بالتقسيم تحت مسمى أنهم مستهدفون”.
السلاح خارج سلطة الدولة.. المشكلة المستمرة
يؤكد الخبيران على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة بعد هذه الأحداث الدامية، التي تحاول بعض الجهات استغلالها.
ويقول غزلان: “لا تزال هناك مشكلة في حمل السلاح من جميع الأطراف، وقد ظهرت جليّة خلال أحداث جرمانا وصحنايا. فكيف يمكن للدولة أن تواصل إقناع كل الفصائل السابقة بجمع سلاحها والانضمام إلى الدولة، وتترك جهة أخرى حاملة للسلاح خارج نطاقها؟ وبالتالي فإن حصر السلاح بيد الدولة ضرورة خلال هذه المرحلة، وواجب على الجميع الالتزام بذلك، لأن الاستقواء بالسلاح هو ما يؤجج الصدامات الأهلية في سوريا”.
ومن جانبه يتطرق البشير إلى بيان الشيخ الهجري، ويقول: “إسرائيل صنعت الحدث، وانخرط الهجري فيه معوّلاً على الموقف الإسرائيلي في دعم حراكه. والمسؤولون الإسرائيليون لا يكفّون عن إطلاق التصريحات الداعمة له والمهددة للحكومة السورية”.
ويضيف: “الشيخ الهجري لا يعترف بالحكومة ولا بالإعلان الدستوري، مع أن المجتمع الدولي لم يعترض على تشكيل الحكومة أو الإعلان الدستوري، بل اعتبرها خطوة إيجابية. ومن بين مطالب الهجري: دولة علمانية. فكيف يطالب بدولة علمانية وهو شيخ ديني؟ يريد سوريا علمانية والسويداء دينية، والدليل أنه يتحرك ويحشد من خلفية دينية، لا سياسية”.
ويوضح أن “المطالب لا تكون بالعصيان ورفع السلاح وقطع الطرقات والتهديد والخطاب الطائفي من قبل جماعته، بل تكون من خلال خطاب وحوار دبلوماسي، لا بالاستقواء بإسرائيل أو بالمطالبة بتدخل دولي”.
التحدي الأكبر.. استعادة هيبة الدولة
رغم الاختلافات، يجمع المحللون على أن الحل يكمن في فرض سيطرة الدولة على كامل الجغرافيا السورية، عبر احتواء الهواجس المحلية دون السماح بتدويلها أو تحويلها إلى مشاريع انفصال.
يؤكد غزلان أن المرحلة الحالية تتطلب من المكونات المختلفة مراجعة مواقفها والانخراط في مشروع الدولة الذي حظي بإجماع داخلي وترحيب دولي. ويشير إلى أن الرد الحكومي السريع على الأحداث يظهر نية الدولة في حماية جميع المواطنين، شرط ألا تُستغل الحوادث الطائفية لتبرير العصيان المسلح.
ولكنه يؤكد بالوقت عينه أنه البعض تهوّر بالأحداث الأخيرة وانجرَّ خلف النزعات الطائفية. مشيراً إلى أنه كان الأجدر إعطاء القانون، من خلال وزارتي العدل والداخلية، فرصة لمتابعة القضية.
من جانبه يقول البشير: “المطالب لا تكون بالعصيان ورفع السلاح وقطع الطرقات والتهديد والخطاب الطائفي، بل تكون من خلال خطاب وحوار دبلوماسي، لا بالاستقواء بإسرائيل أو بالمطالبة بتدخل دولي”.
البشير يضيف أن فكرة التقسيم لا تحظى بدعم داخلي أو خارجي، حتى بين أبناء الطائفة الدرزية، بل إن غالبية المجتمع السوري ما زالت تتمسك بوحدة البلاد. ويشير إلى أن الموقف الإسرائيلي ليس بريئاً، ويهدف إلى استغلال الاضطراب الداخلي للضغط على الحكومة السورية وإعادة رسم قواعد اللعبة في المنطقة.
ويقول: “التصريحات الإسرائيلية بدعم الدروز، والتصعيد والقصف على الأراضي السورية، تهدف لتحقيق مكاسب سياسية، والضغط على الحكومة السورية، تمهيداً للتطبيع، وعقد اتفاقيات جديدة تُنسف اتفاقية عام 1974، وتحقّق لإسرائيل مكاسب جغرافية وأمنية في سوريا”.
الحل الوحيد بعيداً عن التقسيم
يتحدث البشير عن أن الحل مع الهجري سيقود إلى حل مع “قسد”، فالفيدرالية الكردية مرفوضة من قبل تركيا، وسوريا وأمريكا لن تصطدما مع تركيا لأجل “قسد”. لكن الحل سيكون بطريقة أخرى، وهي الاندماج مع الدولة السورية ضمن شروط يتم التفاهم عليها.
ويقول: “بالنسبة للطائفة العلوية جزء كبير منها يريد العيش بسلام وأمان، أما الجزء الآخر، الذي كان مستفيداً من النظام، ويرى نفسه الآن خارج السلطة ولا يملك نفوذاً أو جاهًا، فهو يحاول التجييش ضد الحكومة مطالباً بإقليم في الساحل، وهذا ضرب من الخيال، فالساحل ليس حكرًا على العلويين. أضف إلى ذلك أن مطالبهم هذه لم تلقَ أي صدى دولي”.
من جانبه يقول الدكتور مؤيد الغزلان: “كان هناك تزامن بين الأحداث وبعض البيانات الصادرة عن مكونات أخرى في سوريا لا تزال لا تعترف بالحكومة ولا بالإعلان الدستوري، رغم أن أغلبية السوريين توافقوا على الدولة الجديدة، إضافة إلى شبه إجماع دولي عليها وترحيب بخطواتها. وبالتالي، فعلى باقي المكونات مراجعة حساباتها والمشاركة في دعم الحكومة، لا الاصطدام معها في مرحلة البناء”.
ويجمع الخبراء على أن الأحداث الأخيرة في جنوب دمشق ليست مجرد صدام محلي، بل جرس إنذار ينبّه إلى خطورة تسييس الطائفية وتسليحها. ومع تعدد الأطراف الداخلية والخارجية المتدخلة، فإن الحفاظ على وحدة البلاد يمر عبر تعزيز دور الدولة، ومحاربة الفوضى، والاحتكام إلى القانون لا إلى السلاح أو التدخل الأجنبي، ففي سوريا اليوم، لم تعد الخطورة في ما يُقال، بل في من يستثمر ما يُقال، ولأي غاية.
اقرأ أيضاً|| خاص.. إسرائيل لن تحمي “الدروز”.. مصادر تكشف فحوى “رسائل” تل أبيب لدمشق خلال أحداث صحنايا

إعداد جهاد عبد الله
المصدر: وكالة ستيب الاخبارية