في ظل تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، والذي يُعزى جزئيا إلى الخلافات التي برزت هذا الأسبوع في المحادثات النووية بينها وبين الولايات المتحدة، تواصل الصين تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع طهران.

ـ تستعد الصين للتحرك الكبير

فبالإضافة إلى الدعم المالي الذي تُقدمه بكين لطهران، لمساعدتها على استعادة قوتها العسكرية وتجديد ترسانتها الصاروخية (خاصةً بعد الهجوم الإسرائيلي عليها في أكتوبر/تشرين الأول 2024)، نشر تقريرٌ حديثٌ لصحيفة وول ستريت جورنال أن إيران طلبت آلاف الأطنان من بيركلورات الأمونيوم منها.

وهذا مُركّب وقود حيوي يكفي لإنتاج 800 صاروخ باليستي، سيُنقل جزء منه إلى حزب الله والحرس الثوري، بالإضافة إلى الميليشيات الموالية لإيران العاملة في أنحاء العراق والشرق الأوسط، بما في ذلك الحوثيون في اليمن.

وهكذا، ورغم التوتر الشديد حول هذا الموضوع، بما في ذلك العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة مطلع الشهر على 30 فردا وكيانا متورطين في هذه المعاملات، فمن الواضح أن اتفاقية التعاون الصينية الإيرانية تتعزز هذه الأيام، لا سيما في مجال البنية التحتية.

وهذه شراكة استراتيجية بدأت عام ٢٠٢١، وتتضمن التزاما باستثمار ٤٠٠ مليار دولار في الاقتصاد الإيراني على مدى ٢٥ عاما، مما يزيد من انخراط الصين في الشؤون الإيرانية والشرق أوسطية.

كما يتحدى هذا التعاون أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المنطقة، وهي سياسة جديدة تسعى إلى استعادة مكانة الولايات المتحدة وقوتها، لا سيما في الخليج العربي، مع إبعاد بكين والحد من انتشار نفوذها الإقليمي.

كدليل على ذلك، إعلان الصين في 25 مايو/أيار عن إطلاق خط سكة حديد جديد بينها وبين إيران، وهو جزء استراتيجي من مشروع “الحزام والطريق”، ويهدف هذا الخط إلى خفض تكاليف وأوقات عبور البضائع الصينية الداخلة إلى إيران والشرق الأوسط وأوروبا.

وأيضاً، يهدف إلى إنشاء ممر لوجستي مهم يوفر لبكين منفذا أساسيا إلى منطقة الخليج العربي للحصول على مصادر الطاقة العديدة (حيث تُوفر إيران ودول الخليج حوالي نصف واردات الصين من النفط الخام)، مما يمنحها ميزة تنافسية على طرق التجارة البحرية والبرية الإقليمية الأخرى (مثل منطقة البحر الأحمر وقناة السويس).

ويسهل هذا الطريق الجديد، الذي يدمج إيران في شبكات النقل والتجارة الأوراسية، نقل السلع والتقنيات الحساسة من خلال استخدام اليوان الصيني، مع تجنب استخدام خدمات الشحن والشبكات المالية الغربية وتآكل فعالية العقوبات الدولية المفروضة عليها.

ومن منظور استراتيجي واسع، يبدو ظاهريا أن زيادة مشاركة بكين في الخدمات اللوجستية والموانئ، وخاصة في تطوير البنية التحتية للنقل والتكنولوجيا والمالية في إيران، وخاصة في الآونة الأخيرة في ضوء موجة التغييرات والأزمات التي تحدث في المنطقة، بما في ذلك السياسة الإقليمية الجديدة لترامب، هي جزء من استراتيجيتها الأوسع.

وهذه استراتيجية عولمية محلية، مصممة لضمان قربها من الشرق الأوسط ووصولها إلى الخليج العربي والمحيط الهندي، وهما منطقتان جيوستراتيجيتان حيويتان في حد ذاتهما، وضروريتان للنقل والتجارة والاقتصاد العالمي، وربما الأهم من ذلك، لأمن الطاقة واستقرار الاقتصاد الصيني.

ـ مزيد من التبعية.. ليس من دون مبرر

في ظل هذه الخلفية، وفي ظل فشل عملية التفاوض، على الأقل في الوقت الحالي، بين واشنطن وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني، تتزايد الأهمية المعطاة لموقف الصين تجاه طهران.

فبالإضافة إلى تعزيز دعمها الدبلوماسي والاقتصادي لها في ظل وضعها الاقتصادي المتأزم (بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، انخفضت توقعات نمو إيران لعام 2025 من 3.1% إلى 1.1%)، فإن توطيد العلاقات بينهما يُضعف جهود الولايات المتحدة والغرب لعزلها، ويُلقي بظلاله على نوايا ترامب لإخراج بكين من الشرق الأوسط، كما ذُكر.

من المتوقع أن يُلحق تشديد العقوبات على طهران ضررا بالغا بالاقتصاد والصناعة وصادرات النفط الإيرانية، ومن ناحية أخرى، قد يؤدي أي اتفاق نووي محتمل مع طهران إلى انخفاض أسعار الطاقة، ويؤثر على حجم الإنتاج وأسعار النفط والوقود عالميا (حيث يُنقل حوالي 90% من صادرات النفط الإيرانية إلى الصين بسعر مخفّض).

هذا وضعٌ حادٌّ وخطيرٌ سيؤثر على تقلبات أسواق الطاقة العالمية، بما فيها أسواق النفط والغاز الطبيعي والفحم والوقود ومختلف المنتجات البتروكيماوية، وسيُسبب انخفاضا كبيرا في إيرادات إيران، كل هذا، بالتزامن مع زيادة اعتمادها على الصين وروسيا، مما سيعزز حضورهما الإقليمي وتدخلهما، من بين أمور أخرى، ويعيد ترسيخ “محور الشر”، حسب ما قاله الإعلام العبري.

وتُظهر نظرةٌ مُعمّقةٌ أيضا أن زيارة الرئيس ترامب، التي حظيت بتغطيةٍ إعلاميةٍ واسعة، إلى الخليج العربي قبل نحو شهر، أثارت اهتماما بالغا لدى الصين.

فمن وجهة نظرها، يُعدّ تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، مع تعزيز الاستثمارات الثنائية والاتفاقيات التجارية بقيمة تريليوني دولار، مؤشرا على أنانية ترامب.


بينما تهاجم إسرائيل إيران.. تستعد الصين للتحرك الكبير

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية

شاركها.