بين أهداف سياسية وطموح انتخابي فرنسا تشدد إجراءات الجنسية

أثارت مذكرة جديدة قدمها وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، تتضمن تشديد إجراءات وشروط منح الجنسية الفرنسية، الجدل بشكل كبير في فرنسا، فيما أشار خبراء سياسيين، إلى أن هذه الخطوة تأتي لغايات “سياسية وانتخابية”.
وفي معرض تبريره للمذكرة التي دخلت حيز التنفيذ، الثلاثاء، اعتبر روتايو، أنها “بالغة الأهمية، والغاية منها فرض شروط تتطلب من الأجانب الخضوع والالتزام بالقوانين المعمول بها، وإتقان اللغة الفرنسية عبر الخضوع لامتحان لغة، إضافة للدخول في سوق العمل، ولكن وفق أسس قانونية أي الالتزام بقانون العمل ومترتباته”.
ما الجديد في هذه المذكرة؟
ذكر وزير الداخلية الفرنسي وهو من حزب “الجمهوريين”، وهو شخصية من اليمين المحافظ معروف بمواقفه السياسة “المتشددة” في التعامل مع ملف الهجرة، أن “الجنسية الفرنسية لا تُمنح حسب النسب فقط، وإنما تمنح أيضاً بالاندماج في المجتمع الفرنسي، والانتماء إليه”.
وتعد بعض الإجراءات الجديدة المشددة، من الأمور البديهية، خاصة ما يتعلق باحترام والالتزام بالقوانين الفرنسية، ومن يقوم بمخالفتها يتعرض للعقوبات التي قد تصل بالنسبة للأجنبي المجنس إلى حد سحب الجنسية منه في حال قام بعمل إرهابي أو أمني أو عسكري ضد فرنسا، أو يشكل خطراً على فرنسا ومواطنيها عندها يحق للسلطات المانحة سحب هذه الجنسية من أي أجنبي.
أما بالنسبة لتشديد شروط امتحان اللغة الفرنسية، فهذا الشرط معمول به حالياً، ولكن يبدو أنه تمت إضافة فقرات جديدة وصعبة بالنسبة للأجنبي المعفى من هذا الشرط.
وهنا لا بد من التوقف عند هذا الإجراء الذي يتكون من نوعين: الأول يعرف باسم TCE، وهو يتضمن امتحاناً في كتابة اللغة الفرنسية أي بديهيات اللغة البسيطة، وهذا الامتحان يجب على الأجنبي الخضوع له كل عامين في حال لم يحصل على الجنسية.
والنوع الثاني والذي يعتبر الأصعب، وهو ما يشدد عليه روتايو، إذ يعرف بامتحان لغة DELF- B1 والذي يكون لمرة واحدة ودون إعادة لكل متقدم للحصول الجنسية.
أسئلة يجب على طالب الجنسية معرفة إجاباتها
المحامي فيكتور داتري، قال في تصريحات لـ”الشرق”، إنه “على المتقدم للامتحان أن يعرف تاريخ ومناطق فرنسا، بما فيها أسماء المدن، والأنهار، والمقاطعات”، مشيراً إلى أن “هناك فرنسيين لا يعرفون جميعها”.
وأضاف: “في السياسية أيضاً هناك صعوبات كثيرة، إذ يتم سؤال الأجنبي خلال خضوعه للامتحان، عن تاريخ القوانين، واسم من وضعها، وسنة إقراراها، وبعضها يعود إلى قرون مضت”.
الشاب التركي سردار، الذي يعمل في فرنسا ودرس فيها، لكنه لم يحصل على شهادة جامعية، قال في تصريحات لـ”الشرق”، إنه “خضع لهذا الامتحان، وطلب منه عد رؤساء الجمهورية الخامسة في فرنسا، أي في مرحلة ما بعد نابليون بونابرت”.
وأشار سردار، إلى أنه واجهة أسئلة عن “كيفية عمل السلطات الفرنسية، وتوزيع الأدوار والسلطات فيما بينها، وماذا يعني النظام الرئاسي، ومن هو رئيس السلطة التنفيذية، ودور رئيس الحكومة والبرلمان ومجلس الشيوخ”.
واعتبر أن “بعض الأسئلة لها طابع خاص”، إذ تتعلق بمساحة منزله وراتبه، وما إذا كان يعيش بمفرده وغيرها من شؤون خاصة.
الوزير روتايو، طلب في مذكرته، رفض أي طلب من أجنبي كان في وضع غير نظامي سابقاً، في حين سبق له أن أصدر، في يناير الماضي، تعميماً يقضي بتسوية أوضاع الأجانب غير النظاميين في فرنسا.
ماذا وراء هذه المذكرة؟
يبدو أن “الطموح الرئاسي للوزير الفرنسي”، هو من يقف وراء ذلك، كما يقول بيار هنري رئيس جمعية France Fraternité (فرنسا الأخوة)، والرئيس السابق لأكبر جمعية تعني بشؤون الأجانب والمعروفة عالمياً بـFrance Terre d Asile (فرنسا أرض اللجوء).
وأشار هنري في تصريحات لـ”الشرق”، إلى أن لدى روتايو “طموحات حزبية ورئاسية حيث يتطلع للترشح لرئاسة الجمهورية في عام 2027، لذا يسعى من خلال مذكرته لإظهار حرصه على عدم تشجيع دخول الأجانب إلى فرنسا مع أنهم يشكلون قوة عاملة تحتاجها فرنسا”.
ويسعى روتايو منذ أشهر للفوز برئاسة حزب “الجمهوريين”، والترشح لانتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة في عام 2027. كما يعمل على استقطاب مؤيدي أقصى اليمين ومنهم حزب “التجمع الوطني” والذي تتزعمه مارين لوبان المعادي للأجانب واللاجئين.
ويشكل ملف الأجانب واللجوء، “حصان طروادة” في حملات أقصى اليمين الانتخابية، خاصة وأن استطلاعات الرأي تمنحهم نسب عالية من التصويت في حال جرت الانتخابات الرئاسية اليوم أو في عام 2027، وذلك مهما كانت الشخصية التي سيرشحها هذا الحزب.
شروط حازمة
وفيما يخص شرط العمل، قال روتايو، إن “المطلوب من المحافظين الذين وحدهم يملكون حق منح أو رفض منح الجنسية، التحقق مما إذا كان المتقدم بطلب الحصول على الجنسية، لديه موارد كافية تجنبه الاعتماد على المساعدة الاجتماعية”.
ووفق المذكرة، فسيُطلب من الأجنبي العمل في فرنسا دون انقطاع لمدة 5 سنوات، وأن يقوم بدفع الضرائب بشكل سنوي.
ويرى المحامي داتري، أن هذا “شرط حازم، والتشديد عليه حصل بعد أن تم اكتشاف أن هناك أجانب يحصلون على الإعانات الاجتماعية، ويقومون بتحويلها إلى الخارج، أو أنهم يعملون بطريقة غير قانونية أي ما يعرف بالعمل الأسود، حيث لا يدفعون الضرائب”.
ويرى رئيس جمعية France Fraternité (فرنسا الأخوة) بيار هنري في تصريحات لـ”الشرق”، أنه “كلما اقتربنا من استحقاقات انتخابية كلما أصبح هذا الملف موضع تجاذب ونقاش سياسي”.
ولفت إلى أن “أقصى اليمين في صعود، إذ يتقدم في كافة استطلاعات الرأي على سائر المرشحين للرئاسة الفرنسية”، مضيفاً، أن “تشدد الوزير روتايو هو محاولة لاستقطاب ناخبي اليمين أو الالتفاف على تقدم حزب التجمع الوطني، لإظهار تشدده تجاه الأجانب وإجراءات الحصول على الجنسية”.
واعتبر أن “الفرنسيين بغالبيتهم ليسوا ضد الأجانب الذين دخلوا فرنسا بطريقة شرعية، حتى أولئك الذين دخلوا إليها بصفة لاجئ شرعي أو غير شرعي، ومنهم الطبيب والأستاذ الجامعي والحرفي والعامل خاصة في المهن التي تصنف ضمن المهن الصعبة والقاسية، وهؤلاء بغالبيتهم من الأجانب”.
وكانت فرنسا منحت الجنسية لما يقارب 70 ألف شخص في عام 2024، وذلك بموجب مراسيم أو إعلان زواج أو ضمن إجراءات “لم الشمل”، بزيادة تقارب 9% عن عام 2023.