بين الخيال والواقع: كيف كشفت السينما الوجه الخفي لـفيسبوك
منذ تأسيسه في 4 فبراير 2004 على يد مارك زوكربيرج وزملائه في جامعة هارفارد، تحول “فيسبوك” من مجرد منصة لتواصل طلاب الجامعات إلى أحد أضخم الكيانات التكنولوجية في العالم، مؤثراً على حياة مليارات المستخدمين يومياً.
لكن هذا الصعود السريع لم يكن خالياً من الجدل، فقد تناولت السينما، سواء من خلال الأفلام الروائية أو الوثائقية، الجوانب المعقدة لهذا العملاق الرقمي، مسلطة الضوء على قصص النجاح الباهرة، والفضائح المتعلقة بالخصوصية، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمعات والأفراد.
من الفيلم الدرامي The Social Network الذي روى قصة تأسيس المنصة وسلط الضوء على الطموح الشخصي والصراعات القانونية لمارك زوكربيرج، إلى الأفلام الوثائقية مثل The Social Dilemma وThe Great Hack التي كشفت كيف يمكن لفيسبوك أن يتحول إلى أداة للسيطرة على السلوك البشري والتلاعب بالانتخابات، رسمت هذه الأعمال صورة متكاملة للجانب المظلم للتكنولوجيا.
كما استعرضت أفلام مثل Inside Facebook: Secrets of the Social Network وFacebookistan كيفية إدارة فيسبوك للمحتوى المثير للجدل، وتأثير سياساته على حرية التعبير والخصوصية.
في هذا السياق، نستعرض أبرز الأفلام التي تناولت قصة فيسبوك وتأثيره العميق على المجتمع والسياسة والهوية الرقمية، وكيف تفاعل الجمهور مع هذه الأعمال التي طرحت تساؤلات جوهرية حول الثمن الحقيقي للتواصل الرقمي.
The Social Network
هو فيلم درامي أميركي صدر عام 2010، إخراج ديفيد فينشر، وتأليف آرون سوركين، صور الفيلم تأسيس موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، وشارك في بطولته جيسي أيزنبرج في دور مارك زوكربيرج.
يستعرض الفيلم قصة تأسيس موقع فيسبوك من قبل مارك زوكربيرج، الطالب في جامعة هارفارد، وكيف تحول هذا الابتكار إلى واحد من أكبر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، وسط صراعات قانونية وشخصية معقدة.
يسلط الفيلم الضوء على الجانب المظلم من الطموح والابتكار، وكيف يمكن للنجاح السريع أن يؤدي إلى فقدان العلاقات والثقة، ويُظهر الفيلم زوكربيرج كشخص معزول رغم ثروته الهائلة، ما يطرح تساؤلات حول الثمن الحقيقي للنجاح.
عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان نيويورك السينمائي في 24 سبتمبر 2010، وحقق 224 مليون دولار بميزانية قدرها 40 مليون دولار، كما تلقى 8 ترشيحات للأوسكار، وفاز بجائزة أفضل سيناريو مقتبس، وأفضل موسيقى تصويرية أصلية، وأفضل مونتاج فيلم.
كما حصل على جوائز أفضل فيلم درامي، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو، وأفضل موسيقى تصويرية أصلية في حفل توزيع جوائز جولدن جلوب الثامن والستين.
The Social Dilemma
يشرح خبراء وادي السيليكون في فيلم The Social Dilemma، كيف يعمل هذا التفاعل عبر الإنترنت على إعادة برمجة الحضارة، وكشف ما يختبئ على الجانب الآخر من الشاشة.
الفيلم إخراج جيف أورلوفسكي، الذي شارك في كتابته مع ديفيز كومب وفيكي كورتيس، عُرض على Netflix عام 2020، بعد عرضه لأول مرة في مهرجان صندانس السينمائي في العام نفسه.
يستكشف الفيلم صعود وسائل التواصل الاجتماعي والأضرار التي سببتها وتُسببها للمجتمع، مع التركيز على استغلالها لمستخدميها؛ لتحقيق مكاسب مالية من خلال رأسمالية المراقبة والتنقيب في البيانات، وكيف يهدف تصميمها إلى تنمية الإدمان، واستخدامه في السياسة، وللتأثير على الصحة العقلية.
عرض الفيلم مقابلات مع خبير أخلاقيات التصميم السابق في جوجل والمؤسس المشارك لمركز التكنولوجيا الإنسانية تريستان هاريس، وزميله المؤسس المشارك لمركز التكنولوجيا الإنسانية آزا راسكين، والمؤسس المشارك لـ أسانا Asana، وآنا ليمبك، مديرة برنامج زمالة الطب في جامعة ستانفورد، ورائد الواقع الافتراضي جارون لانييه.
استخدم الفيلم مشاهد درامية تمثيلية، بطولة الممثلين سكايلر جيسوندو، وكارا هايوارد وفنسنت كارثلايز، والتي تحكي قصة إدمان المراهق على وسائل التواصل الاجتماعي.
يقدم الفيلم صورة مزعجة لشركات، مثل “فيسبوك” واستراتيجياتها الإقناعية المشبوهة والتطفلية، والتي يمكن أن تؤدي إلى الاكتئاب أو القلق بالنسبة لهؤلاء المستخدمين الخاضعين لرغبة مستمرة في الكمال، أو في نشر الأخبار الكاذبة لتقويض الديمقراطية على المستوى العالمي.
The Great Hack
يتناول الفيلم، الذي أنتجته Netflix، كيف أثرت شركة CA “كامبريدج أناليتيكا” على الانتخابات الرئاسية لعام 2016 باستخدام بيانات “فيسبوك”، وكيف احتفظت بالبيانات بعد إخبار مارك زوكربيرج بحذفها.
يركز الفيلم، الذي أخرجه كريم عامر وجيهان نجيم، على اللاعب الرئيسي، أي الرئيس التنفيذي لشركة CA ألكسندر نيكس، والأستاذ في كلية بارسونز للتصميم ديفيد كارول، الذي رفع دعوى قضائية ضد CA لرؤية البيانات التي لديهم عنه، مما فتح أساليب جمع البيانات في CA للتدقيق القانوني، وبريتاني كايزر، وهي مديرة تنفيذية في CA أصبحت أكبر مُبلغ عن المخالفات ضد الشركة.
تلقت شركة “فيسبوك” صفعة قوية في هذا الفيلم، فنرى شهادة زوكربيرج أمام لجنة بالكونجرس، حيث يقول: إن الشركة لم تكن تعلم أن شركة CA تحتفظ ببيانات قالت إنها حذفتها.
Inside Facebook: Secrets of the Social Network
هذا الوثائقي الاستقصائي المعروض في 2018، للمخرج توبي باتون، يقدم تحقيقاً سرياً أجرته قناة Channel 4 البريطانية للكشف عن الكيفية التي تدير بها فيسبوك المحتوى المثير للجدل على منصتها، بما في ذلك خطاب الكراهية، العنف، والمعلومات المضللة.
اعتمد الفيلم على لقطات سرية تم تصويرها داخل شركة متعاقدة مع فيسبوك، تُعنى بمراقبة المحتوى وحذفه وفقاً للسياسات التي تضعها الشركة.
من خلال هذا التحقيق، كشف الوثائقي كيف يتم أحياناً التساهل مع بعض أنواع المحتوى التي قد تنتهك سياسات المنصة، سواء لأسباب تجارية أو لصعوبة مراقبة الكم الهائل من البيانات.
أوضح الفيلم أيضاً التناقضات في سياسات فيسبوك، حيث يتم حذف بعض المحتويات بسرعة بينما يُسمح لأخرى بالبقاء رغم مخالفتها للمعايير.
كما تناول الوثائقي الضغوط النفسية التي يتعرض لها موظفو مراقبة المحتوى، الذين يُطلب منهم مشاهدة مقاطع عنيفة أو مروعة يومياً لتقييم مدى ملاءمتها للعرض، هذا الجانب يسلط الضوء على تكلفة العمل خلف الكواليس في منصات التواصل الاجتماعي الكبرى.
أثار الفيلم جدلاً واسعاً بعد عرضه، حيث دفع فيسبوك إلى الدفاع عن سياساتها وإجراء تغييرات على طريقة مراقبة المحتوى، وقد ساهم في زيادة الضغط العالمي على الشركة لتحسين شفافيتها وتطوير آليات رقابتها على المحتوى.
Facebookistan
سلط هذا الوثائقي للمخرج جاكوب جوتشاو، الضوء على سياسات فيسبوك المتعلقة بالرقابة والخصوصية، مستعرضاً كيف تتحكم الشركة في المحتوى الذي ينشره المستخدمون، وكيفية إدارتها لحرية التعبير على منصتها.
كما تناول الفيلم، المعروض في 2015، الطريقة التي تفرض بها فيسبوك قواعدها الخاصة على المستخدمين حول العالم، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الشركة تمارس نوعاً من الرقابة العالمية التي تتجاوز حدود الدول والقوانين المحلية.
وثق الفيلم شهادات لمستخدمين تعرضت حساباتهم للحظر أو حذف منشوراتهم بسبب انتهاكهم “المزعوم” لسياسات فيسبوك، حتى عندما لم تكن هذه الانتهاكات واضحة أو منطقية.
كما استعرض الوثائقي الطريقة التي تجمع بها الشركة بيانات المستخدمين، ما أثار مخاوف تتعلق بالخصوصية واستغلال المعلومات الشخصية.
Facebookistan قدم نقداً لاذعاً لدور فيسبوك كمنصة تتحكم في تدفق المعلومات، وهو ما جعلها ليست مجرد شبكة تواصل اجتماعي، بل لاعباً رئيسياً في السياسة والمجتمع، مع تأثيرات بعيدة المدى على حرية التعبير في العالم الرقمي.
Take This Lollipop
هو فيلم تفاعلي قصير من إخراج جيسون زادا، يستمر لحوالي 2-3 دقائق ويقدم تجربة رقمية مرعبة باستخدام بيانات حسابات فيسبوك للمشاهدين.
عند الدخول إلى الموقع الخاص بالفيلم ومنح الإذن للوصول إلى بياناتك، يتم دمج معلوماتك الشخصية مثل الصور والموقع الجغرافي وقائمة الأصدقاء في سيناريو مخيف يظهر فيه رجل غامض ومهووس، يؤدي دوره الممثل بيل أوبيرست جونيور، يتصفح تفاصيل حياتك بطريقة مرعبة توحي بأنه يقترب منك، ما يخلق تجربة تفاعلية تشعر المشاهد بالخطر الوشيك.
رغم قصر مدته، يهدف الفيلم إلى تسليط الضوء على مخاطر الخصوصية، محذراً من التهديدات الرقمية مثل سرقة الهوية والتتبع عبر الإنترنت.
من خلال هذه التجربة، يبرز الفيلم كمية المعلومات التي يشاركها المستخدمون دون وعي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعتمد على عنصر الصدمة لإيصال رسالته.
نال Take This Lollipop إشادة واسعة بفضل فكرته المبتكرة وأسلوبه الفريد في رفع الوعي حول مخاطر مشاركة البيانات الشخصية.
أصبح الفيلم ظاهرة على الإنترنت وشارك فيه ملايين المستخدمين، مما ساهم في تعزيز النقاش حول قضايا الخصوصية.
في عام 2020، صدر جزء ثانٍ بعنوان Take This Lollipop 2 ركز على تهديدات الذكاء الاصطناعي والاجتماعات الافتراضية خلال جائحة كورونا.
* ناقدة فنية