تسعى تايوان لإظهار قدرتها على الصمود في مواجهة التهديدات المتزايدة بشأن غزو صيني محتمل، من خلال مناورات “هان كوانج” الدفاعية السنوية، التي أُعيد تصميمها هذا العام لتصبح أطول زمناً وأكثر شمولًا من أي وقت مضى، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وقالت الصحيفة الأميركية، الجمعة، إن هذا الحدث العسكري الواسع، الذي انطلق، الأربعاء، يأتي بالتزامن مع ما تصفه السُلطات الأمنية في تايوان بـ”تهديد متزايد” تمثله القوات المسلحة الصينية، التي تكثّف جهودها لفرض مطالبها الإقليمية، وتسعى لمنع الولايات المتحدة وحلفائها من تقويض نفوذ بكين في المنطقة.
ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم وزارة الدفاع في تايوان، اللواء سون لي فانج، قوله: “علينا أن نجعل الصين تدرك أن أي تحرك عسكري ستقوم به سيحمل الآن درجة أعلى من الشكوك، وأنها ستواجه مقاومة أقوى من جانبنا”.
مناورات غير مسبوقة ورد صيني
بدأت تايبيه مناوراتها العسكرية التي تمتد إلى 10 أيام، باستدعاء غير مسبوق لـ22 ألفاً من جنود الاحتياط، وشهدت تدريبات هذا العام إدخال منظومة إطلاق الصواريخ الأميركية Himars، التي تسلّمتها تايوان أواخر العام الماضي، ما يضع أهدافاً على طول الساحل الجنوبي الشرقي للصين في مرمى نيرانها، كما أصبحت الطائرات المسيّرة محوراً أساسياً جديداً في المناورات.
وعلى هامش المناورات، الخميس، أشرف الرئيس التايواني لاي تشينج تي، على أول عرض بالذخيرة الحية لدبابات Abrams الأميركية الحديثة من طراز M1A2، في خطوة تُعد ترقية طال انتظارها مقارنة بدبابات Patton، التي تعود إلى حقبة حرب فيتنام، التي ظل الجيش التايواني يعتمد عليها طيلة عقود.
وفي ميدان للرماية الساحلية بمدينة هسينشو، اصطفت فصيلة من الدبابات مقابل مياه مضيق تايوان المتلاطمة، وأطلقت قذائف حية على أهداف ثابتة ومتحركة، في استعراض لقدراتها القتالية المطوّرة.
وخلال الأسابيع التي سبقت المناورات، عزز الرئيس التايواني رسالته السياسية بجولات ومحاضرات قدّم خلالها عروضاً تقديمية مفصلة، أوضح فيها موقفه القائل إن تايوان، رغم مزاعم بكين بأنها جزء من الأراضي الصينية، دولة مستقلة ولم تكن يوماً جزءاً من الصين.
لكن هذا الطرح قوبل بهجوم من السُلطات في بكين، التي دأبت على التقليل من شأن الرئيس التايواني، واتهامه بمحاولة “تحريف التاريخ وتشويه الحقائق” لبثّ الخوف من الصين في أوساط الرأي العام التايواني لخدمة أجندته السياسية، وفقاً لما قاله المتحدث العسكري الصيني، العقيد جيانج بين، الذي وصف المناورات العسكرية التايوانية بأنها “ليست سوى خدعة”.
وبالتزامن مع انطلاق المناورات، أعلنت وزارة التجارة الصينية، الأربعاء، فرض عقوبات على شركات دفاع تايوانية تعمل في تصنيع مقاتلات وغواصات وغيرها من المعدات العسكرية، عبر منع 8 كيانات تايوانية من الحصول على إمدادات من الصين سواء للاستخدام المدني أو العسكري.
في المقابل، أكّد مجلس شؤون البر الرئيسي في تايبيه، أن هذه الخطوة لن تُغيّر سياسة تايوان في تطوير صناعتها الدفاعية الذاتية.
2027.. سيناريو هجوم محتمل
وتواصل بكين تهديدها باستخدام القوة العسكرية لضم تايوان، فيما تحاكي مناورات تايبيه هذا العام سيناريو لهجوم صيني محتمل بحلول عام 2027، وهو الإطار الزمني ذاته الذي ورد في تصريحات لمسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية.
ولأكثر من 4 عقود، كانت مناورات “هان كوانج” السنوية تحاكي غزواً صينياً، وغالباً ما تنتهي بعد 5 أيام من التوتر بانتصار افتراضي للقوات التايوانية، يتجلى في صدّ هجمات برمائية عبر الدبابات والمدفعية، وطلعات جوية للطائرات الحربية.
لكن مع تطور طبيعة الصراع المحتمل، لم يعد المخططون العسكريون يرون أن النصر مضمون، بل بات السؤال الأساسي يتمحور حول مدى قدرة القوات التايوانية على الصمود لفترة كافية تسمح للولايات المتحدة بالتدخل لإنقاذها.
وكان الرئيس التايواني، أشاد، في إحدى محاضراته الأخيرة، بالدعم والمساعدة الأميركية لبلاده في مجال الدفاع، فيما يتعلق بالتسليح والتدريب.
وقالت الصحيفة، إن تنوّع التدريبات التي نُظمت هذا العام يهدف، جزئياً، إلى تحذير بكين من مغبة الإقدام على أي هجوم عسكري.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن مسؤول أمني تايواني قوله: “عندما نمتلك قوة عسكرية قوية، ودعماً دولياً فعّالاً، ومجتمعاً متماسكاً يدعم قواته المسلحة، فإن (الرئيس الصيني) شي جين بينج سيرى أن اختراق تايوان سيكون بمثابة مهمة صعبة للغاية”.
وتتضمن مناورات هذا العام، عملية بحرية لزرع ألغام في أحد الموانئ، ضمن استراتيجية تايوان في الاعتماد على أسلحة أصغر حجماً وأكثر مرونة في الحركة.
كما تشمل السيناريوهات، احتمال نجاح القوات الصينية في تنفيذ عملية إنزال بري، ما يدفع القوات التايوانية إلى خوض معارك داخل بيئة حضرية معقدة، تشمل الدفاع عن البنية التحتية الحيوية، مثل مراكز النقل، ومنع وصول القوات الغازية إلى قلب العاصمة.
جيش “غير كاف”
وبحسب إيان إيستون، الأستاذ المساعد في كلية الحرب البحرية الأميركية، فإن حجم الجيش التايواني النظامي “غير كافٍ” لخوض حرب كبرى، ما يجعل تعبئة قوات الاحتياط أمراً حاسماً للدفاع عن الجزيرة.
وأوضح أن “قوات الاحتياط تتمتع بمهارات متخصصة، وتوفر عدداً كبيراً من الأفراد، وتسهم في سدّ الثغرات الدفاعية في مختلف أنحاء البلاد”.
وفي أحد مقار المدارس الإعدادية، الأربعاء، أجرى مئات من جنود الاحتياط، التابعين للواء مشاة في شمال تايوان، تدريبات شملت استخدام البنادق وقذائف الهاون، والقراءة التكتيكية للخرائط، والاشتباك القريب في القتال.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُستدعى فيها لواء كامل من جنود الاحتياط، يضم بين 2000 إلى 3 آلاف فرد، ضمن محاولة لتقييم سرعة التدريب والتعبئة على نطاق واسع.
وتشمل مناورات هذا العام أيضاً، تدريبات للدفاع المدني تهدف إلى تذكير السكان، البالغ عددهم 23 مليون نسمة، بأن خطر اندلاع حرب، حقيقي. ففي تمرين أجري، الخميس، هرع عشرات المتسوقين في أحد متاجر تايبيه إلى القبو بحثاً عن مأوى خلال محاكاة لضربة صاروخية.
وخلال الأيام الثلاثة الأولى من المناورات، تدربت القوات التايوانية على التصدي لما يُعرف بـ”الأنشطة الرمادية”، التي تقوم بها الصين؛ وتشمل هجمات الإلكترونية، وحملات تضليل إعلامي. ويرى مسؤولون في تايوان أن هذه الأنشطة تشكل تهديداً بتحويل المناورات العسكرية الصينية حول الجزيرة إلى هجوم فعلي في أي لحظة.
مع ذلك، حذر الأكاديمي العسكري، إيان إيستون، من أنه “بالنظر إلى خطر وقوع هجوم برمائي مفاجئ، من المرجح أن تتآكل باستمرار الفترات الزمنية التي تعتمد عليها تايوان للتحذير المبكر من غزو محتمل”، مضيفاً: “لذا، من الضروري أن تطور تايوان عقلية (الاستعداد للقتال الليلة)، وأن تخطط وتدرّب وفق ذلك”.