يستعد إيمانويل ماكرون إلى زيارة الصين لمدة ثلاثة أيام تبدأ، الأربعاء، في وقت عادت فيه تايوان التي تطالب بها بكين إلى دائرة الاهتمام الدولي، حيث اعتبرت تصريحات الرئيس الفرنسي خلال زيارته الأخيرة قبل عامين ونصف العام “مقيدة” بشأن الجزيرة، بحسب “بلومبرغ”.
وتسعى الصين للحصول على دعم فرنسا، إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، في نزاعها الأخير مع اليابان حول وضع تايوان.
وانتقدت بكين رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي، الشهر الماضي، بعدما ألمحت إلى أن أي صراع محتمل حول الجزيرة قد يشكل خطراً وجودياً على اليابان.
ووفقا لـ”بلومبرغ”، استخدم وزير الخارجية الصيني، وانج يي، مكالمة هاتفية، الخميس، مع مستشار ماكرون الدبلوماسي، إيمانويل بون، للتأكيد على ضرورة دعم الطرفين لبعضهما البعض وإدانة “التصريحات الاستفزازية” لتاكايتشي.
من جهته، دعا مسؤول في قصر الإليزيه إلى احترام الوضع القائم والعمل على تهدئة التوترات.
وذكرت “بلومبرغ” أن تصريحات قائدة اليابان الجديدة تشكل تحدياً لبكين على مستويين، أولاً، لأنها توحي بأن مستقبل تايوان قد يتحول إلى نزاع دولي، بينما تؤكد سياسة “الصين واحدة” أن مستقبل الجزيرة شأن داخلي. ثانياً، تشير تصريحات تاكايشي إلى أن أي صراع محتمل قد يكون جاد بما يكفي لتبرير استخدام الجيش الياباني لدعم التايوانيين.
وخلال زيارة ماكرون السابقة للصين في أبريل 2023، تحولت تايوان إلى محور أساسي للنقاش، بعدما قال للصحافيين في طريق العودة إن على أوروبا ألا تتبع السياسة الأميركية بشكل أعمى في دعم الحكومة التايوانية، وهو تصريح أثار انتقادات واسعة في القارة، ورآه البعض مكسباً دبلوماسياً لبكين.
التوازن مع بكين والتحديات الاقتصادية
تشكل موازنة التوترات مع بكين تحدياً مألوفاً لماكرون، خصوصاً مع استعداداته لعقد اجتماع ثنائي مع الرئيس الصيني، شي جين بينج، لاحقاً هذا الأسبوع.
وكان ماكرون قد لعب دوراً أساسياً في إقناع الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية، العام الماضي، وردت بكين بفرض رسوم على بعض المنتجات.
ومنذ ذلك الحين، ضغط ماكرون على الاتحاد الأوروبي لاستخدام أقوى أدواته التجارية رداً على قيود الصين على توريد المعادن النادرة، مما أثار قلق منتجي اللحوم ومنتجات الألبان الفرنسية بشأن احتمال تأثرهم.
وأشارت صحيفة “جلوبال تايمز” الصينية، استناداً إلى خبراء، إلى أن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع فرنسا وأوروبا قد يكون محوراً رئيسياً في زيارة ماكرون.
وسيكون لدى ماكرون وقت كافٍ لمناقشة هذه القضايا مع الرئيس الصيني. وبعد الاجتماعات الرسمية في بكين، الخميس، سيتوجه الرئيسان إلى مدينة تشنجدو جنوب غرب الصين، بحسب مكتب الرئيس الفرنسي، وهو أمر نادر يشير إلى قوة العلاقة بين الرئيسين.
وفي عام 2023، زار ماكرون وشي مدينة أخرى في الصين، وهي مركز جوانجتشو الاقتصادي في جنوب البلاد، حيث أقام والد شي هناك سابقاً. وفي تلك الزيارة، رافق ماكرون رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لكنها لم تُدع هذا العام، رغم أن ماكرون سيواصل التنسيق معها ومع قادة أوروبيين آخرين.
لقاءات مع قيادات صينية أخرى
إلى جانب شي، من المتوقع أن يلتقي ماكرون بقيادات صينية رفيعة المستوى أخرى، بما في ذلك رئيس مجلس الدولة لي تشيانج وتشاو ليجي، رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب، وفقاً لوزارة الخارجية الصينية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، خلال مؤتمر صحافي منتظم في بكين، الاثنين: “للعلاقات الصينية-الفرنسية تاريخ وقيمة فريدة، وهي ذات دور محوري”.
وكان ماكرون حريصاً بدوره على تعزيز التقارب مع شي، وسعى إلى إبقاء فرنسا والاتحاد الأوروبي على مسافة من النزاع التجاري الدائر بين واشنطن وبكين.
ففي العام الماضي، دعا الرئيس الفرنسي نظيره الصيني إلى بلدة جدته في جبال البيرينيه، حيث تقاسما الجبن المحلي واللحوم المُعالجة، وشاهدا عروضاً فلكلورية برفقة زوجتيهما.
“الاختلالات العالمية”
وتعتبر باريس أن أحد أهدافها الرئيسية هو معالجة ما يسميه ماكرون “الاختلالات العالمية”، بما يشمل فائض الإنتاج في الصين واعتمادها الواسع على التصدير، وهو ما يرى أنه يفاقم التوترات التجارية.
وبحسب الإليزيه، قد يجري توقيع عقود جديدة لشركات فرنسية في قطاعي الطاقة والنقل على هامش اجتماعات الأعمال، فيما تجرِي شركة China Aircraft Leasing Group مفاوضات لشراء طائرات من شركة “إيرباص” الأوروبية.
ومن بين الملفات الأساسية بالنسبة لماكرون أيضاً الدفع باتجاه إقناع شي باستخدام نفوذه لدى فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. فرغم التواصل المنتظم بينهما منذ اندلاع الغزو في 2022، لم يتمكن الرئيس الفرنسي من ثني بكين عن تزويد روسيا بمواد ذات استخدام مزدوج.
وكان وزير الخارجية الصيني قد زار موسكو، الاثنين، فيما استقبل شي الرئيس بوتين في سبتمبر خلال إحياء الذكرى الثمانين لانتصار الصين على اليابان.
وقد يشمل الحوار كذلك ملف المعادن الحيوية، بعد القيود الأخيرة التي فرضتها الصين على صادرات تلك المواد.
