أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلاً عن مسؤولين حاليين وسابقين، الأحد، بأن وكالة الاستخبارات الداخلية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية شككت في فكرة استعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتفاوض على إنهاء الحرب في أوكرانيا، وذلك خلافاً لتقييم أكثر تفاؤلاً قدمته وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بشأن فرص المحادثات المحتملة.

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن محللين في مكتب الاستخبارات والبحوث بوزارة الخارجية الأميركية، المعروف باسم (INR)، عبّروا عن هذا الرأي المعارض في تقييمات وإحاطات سبقت اجتماع الرئيس دونالد ترمب مع نظيره الروسي في أغسطس الماضي في أنكوراج بولاية ألاسكا.

كما ظهر هذا التباين في الموجز اليومي للرئيس الأميركي، وفقاً للمسؤولين الحاليين والسابقين، ولفتت الصحيفة إلى أن هذا الخلاف داخل وزارة الخارجية حول استعداد روسيا للتفاوض لم يُكشف عنه سابقاً، مضيفةً أن عدة محللين أُقيلوا لاحقاً في إطار توجيه إداري لتقليص حجم القوى العاملة الفدرالية، بحسب ما ذكرته الوزارة الأميركية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول في وزارة الخارجية قوله إن “عمليات الإقالة جاءت في سياق إعادة هيكلة للوزارة”، مؤكداً أن محللي “مجموعة روسيا- أوراسيا” في مكتب الاستخبارات والبحوث بالوزارة لم يكونوا مستهدفين، وأن المكتب لا يزال قادراً على إجراء تقييمات استخبارية مهمة.

وقال المتحدث باسم الوزارة، تومي بيجوت، إن مكتب الاستخبارات والبحوث “يقوم بعمل مهم لإنتاج تقييمات استخباراتية حاسمة”.

“خلاف روتيني”

وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن المحللين الاستخباريين يدركون أن الإدارات الأميركية تسعى غالباً للحصول على تقييمات تدعم سياساتها المفضلة، موضحةً أن اختلاف الوكالات في الاستنتاجات “أمر روتيني”.

وقالت متحدثة باسم مكتب مدير الاستخبارات الوطنية: “في مجتمع الاستخبارات، وجود وجهات نظر مختلفة ليس أمراً طبيعياً فحسب، بل هو ضروري”، مبينةً أن “هذا الجدل هو ما يضمن أن يحصل صانعو القرار على الصورة الأدق لحماية سلامة وحرية الشعب الأميركي”.

وذكرت الصحيفة أن جهود إنهاء الحرب في أوكرانيا توقفت بعد اجتماع ألاسكا، فيما قال ترمب، الشهر الماضي، إن بوتين “خيب آماله”، لكنه امتنع في البداية عن اتخاذ إجراءات فورية للضغط على موسكو، مثل فرض عقوبات جديدة.

وبعد نجاحه في التفاوض على وقف لإطلاق النار واتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين في غزة، عاد ترمب للضغط من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وأجرى ترمب اتصالاً وصفه بأنه “مثمرة جداً” مع بوتين في وقت سابق من هذا الشهر، وأعلن عن لقاء محتمل بينهما في العاصمة المجرية بودابست، إلا أن هذا الاجتماع وضع على قائمة الانتظار بسبب مخاوف من أن الرئيس الروسي ليس مستعداً للتفاوض، بحسب “وول ستريت جورنال”.

وشدد ترمب، السبت: “أعلم أننا سنتوصل إلى اتفاق، ولن أضيع وقتي.. لطالما كانت لدي علاقة جيدة جداً مع فلاديمير بوتين، لكن هذا كان مخيباً جداً”.

وفرضت الولايات المتحدة، الأربعاء الماضي، عقوبات على أكبر شركتين للنفط في روسيا، وهما “لوك أويل”، و”روسنفت”، في إطار أشد الإجراءات التي اتخذتها واشنطن ضد الشركات الروسية منذ بداية الحرب في أوكرانيا.

وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت في بيان، إن “الوقت حان لوقف القتال والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار”، معرباً عن استعداد الوزارة لـ”اتخاذ مزيد من الإجراءات إذا لزم الأمر لدعم جهود الرئيس ترمب لإنهاء الحرب”.

تباين في الاستنتاجات

وغالباً ما يكون للتقييمات الاستخبارية دور محوري في التأثير على قرارات الرؤساء خلال المفاوضات الدبلوماسية الحساسة، فيما أعرب بعض المسؤولين السابقين عن قلقهم من أن الإدارة قد لا تتلقى صورة دقيقة للأحداث إذا شعر المحللون بأن عليهم إعداد تقييمات تتماشى مع السياسة الرسمية.

وقال جون ويليامز، الذي شغل منصب المدير المسؤول عن قسم التحليل المتخصص في شؤون روسيا وأوراسيا في مكتب الاستخبارات بالوزارة قبل استقالته في وقت سابق من هذا العام: “الخطر الرئيسي هو أن صانع القرار يحصل على رؤية غير دقيقة”، مشيراً إلى أن هذا قد يؤدي إلى “سوء تقديرات قد تؤثر على أمننا القومي”.

وأفادت الصحيفة بأن مسؤولين أميركيين طلبوا منذ يناير الماضي تقييمات سرية عدة من المحللين الاستخباريين حول قضية أوكرانيا لتحديد أهداف بوتين، وتقدير مدى استعداده للتفاوض من أجل إنهاء الحرب.

ووفقاً لمصادر مطلعة على القضية، قدّم محللو وكالة الاستخبارات المركزية تقييمات تفيد بأن ترمب يمكن أن يجد فرصاً للتفاوض مع بوتين.

وأضافت الصحيفة أن تقييمات وكالة الاستخبارات المركزية كانت أحياناً متفائلة بشأن إمكانية إيجاد أرضية مشتركة مع القيادة الروسية، بحسب مسؤولين سابقين اثنين، فيما قال ويليامز: “واصلنا التمسك بموقفنا.. لم نرَ أن (بوتين) لديه حافز للتفاوض لإنهاء الحرب”.

وأشارت إلى أن محللي مكتب الاستخبارات في وزارة الخارجية استشهدوا بتصريحات بوتين نفسه، بما في ذلك تعليقاته العلنية التي أعطت الأولوية لـ”نزع السلاح”، و”إزالة النازية” في أوكرانيا، وهي موضوعات كررها منذ بدء الغزو الروسي في فبراير عام 2022. 

وخلصت تقييمات الوزارة إلى أن بوتين لن يتخلى في نهاية المطاف عن “مطالبه القصوى”، وهو استنتاج توصل إليه أيضاً محللون من خارج الحكومة في الأشهر الأخيرة.

“لا مسار دبلوماسي سهل”

ويرى أندرو وايس، الذي شغل منصب مدير شؤون روسيا في مجلس الأمن القومي، ويعمل حالياً في “مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي” في واشنطن أنه “لا يوجد مسار سهل للتوصل إلى حل دبلوماسي لإنهاء الحرب، فالأوكرانيون ليسوا في حالة يأس، والروس ما زالوا يعتقدون أنهم سيواصلون استنزاف الصراع”.

وأبلغ مسؤول في وزارة الخارجية المحللين خلال اجتماعات عقدت هذا الربيع أن استمرار معارضتهم يضر بمصداقية مكتب الاستخبارات في الوزارة لدى مسؤولي الإدارة الأميركية، بحسب ما ذكره مصدران مطلعان على الاجتماعات.

وفي يوليو، أُقيل 3 محللين يعملون في “مجموعة روسيا- أوراسيا” في المكتب، فيما استقال محلل آخر.

وأغلقت الوزارة مكتباً استخباراتياً كان يعمل مع خبراء من القطاع الخاص، وآخر كان مسؤولاً عن مراجعة المعلومات وتخفيض مستوى سريتها لتسهيل مشاركتها مع الحلفاء، كما دمجت مجموعتي “أوروبا” و”روسيا- أوراسيا” في المكتب، وأقيل أو نُقل عدد من المحللين الأوروبيين، وفقاً لمسؤولين سابقين.

وأوضحت الوزارة أن هذه الإجراءات جاءت بهدف معالجة تداخل المهام، وتكرار الأدوار داخل بعض المكاتب.

شاركها.