اخر الاخبار

“تجاوزات قانونية” في خطة لبنان لإعادة اللاجئين السوريين

– عبير الأيوبي

تواجه خطة لبنان لإعادة لاجئين سوريين إلى بلدهم بالتنسيق مع دمشق انتقادات قانونية، في الوقت الذي أجمع فيه السياسيون اللبنانيون بمختلف توجهاتهم على تطبيق هذه الخطة.

واستأنفت السلطات اللبنانية، في 14 من أيار الحالي، تنظيم ما وصفتها بـ”العودة الطوعية” لنحو 330 لاجئًا سوريًا عبر معبرين حدوديين في عرسال وبلدة القاع، بعد توقف لنحو عام ونصف العام، بحسب “الوكالة الوطنية للإعلام” (اللبنانية الرسمية).

ويأتي استئناف ترحيل اللاجئين السوريين مع تصديق المجلس النيابي اللبناني على التوصيات التي رفعها للحكومة اللبنانية بشأن “ملف النازحين السوريين”، والتي تضمنت تشكيل لجنة حكومية وأمنية لإعداد برنامج زمني وتفصيلي لإعادة اللاجئين وتسليم السجناء إلى دمشق .

تنسيق مع الأمن السوري

أكد وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، صحة المعلومات الإعلامية التي تحدثت عن تواصل مباشر بين حكومة النظام السوري والحكومة اللبنانية حول ملف النزوح.

وكشف شرف الدين بتصريح لصحيفة “الوطن“، المقربة من النظام السوري، أن لوائح جديدة يجري العمل عليها الآن، تضم أسماء نحو 2500 لاجئ سوري، قُدمت للأمن العام اللبناني وسترسل لمكتب الأمن الوطني السوري لمتابعتها، مشيرًا إلى أن اتصالًا جرى مؤخرًا بين رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، ورئيس الوزراء السوري، حسين عرنوس.

استكمال ملف عودة اللاجئين يبقى بانتظار القيام بزيارة رسمية لدمشق، بحسب الوزير للبحث في قضايا مرتبطة بالملف ومنها مسائل متعلقة بمكتومي القيد وخدمة العلم وتبادل المساجين وضبط الحدود وغيرها، على حد تعبيره.

ونقلت صحيفة “الديار” اللبنانية عن الوزير أن هناك إجماعًا لبنانيًا لأول مرة على هذا الملف، وأن هناك توصيات لتشكيل لجنة ستحاسب كل ثلاثة أشهر وتقدم تقريرًا كل ثلاثة أشهر، في هذا الإطار.

ملف يشغل لبنان

خلال مشاركته في القمة العربية بالمنامة، في 16 من أيار، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، إن من الملفات التي تشغل لبنان، تزايد أعداد “النازحين” السوريين، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والموارد المحدودة للبنان.

وأضاف، “لبنان يعول على ما تم تحقيقه من تطور في الموقف العربي الجامع مع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في قمة جدة العام الماضي”.

كما أعرب عن أمله بتفعيل عمل لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا بما يساعد في تحقيق رؤية عربية مشتركة متفق عليها، وبلورة آلية تمويلية لتأمين الموارد اللازمة لتسهيل وتسريع عودة “النازحين” السوريين إلى بلدهم.

انتهاك لحقوق الإنسان

في مواجهة الخطة اللبنانية، جددت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا التأكيد على أن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة، ولا يزال المدنيون يتأثرون بغياب سيادة القانون وانعدام الأمن.

وقال المدير التنفيذي للمؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان (لايف)، المحامي نبيل الحلبي، ل، إنه استنادًا إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان والقوانين الدولية المتعلقة باللاجئين، لا يجوز بأي شكل من الأشكال ترحيل أي لاجئ سوري إلى بلده.

و⁠لا يمكن للسلطات اللبنانية أن تتذرع بعدم توقيع لبنان على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 كمبرر للترحيل، لأن ذلك يعتبر انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، ومخالفة لـ”المادة 14″ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أعده لبنان وصدق عليه، وللمادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب التي صدق عليها لبنان أيضًا.

أما ما يتعلق بترحيل السوريين غير اللاجئين، ويمكن اعتبار السوريين الموالين للنظام السوري في هذا الإطار، فهذا لا يعتبر مخالفة للقانون الدولي ولا للقانون المحلي، بحسب الحلبي، طالما أن سبب الترحيل يعود إلى مخالفات شروط وقواعد الإقامة.

“العودة الطوعية” بالإجبار

تبدو العودة للسوريين من الأراضي اللبنانية بظاهرها “عودة طوعية”، كما تسميها السلطات، لكنها تضمنت إجراءات قسرية دفعت اللاجئين لاتخاذ هذا القرار.

وكان مركز “وصول لحقوق الإنسان” قال، في 26 من نيسان الماضي، إن بلديات لبنانية شهدت، في 19 من نيسان، حملة لتشديد الإجراءات ضد اللاجئين السوريين، إذ أصدرت بلديات في محافظات جبل لبنان والشمال والبقاع قرارات تمييزية وإنذارات، وصولًا إلى طرد اللاجئين وإغلاق محالهم التجارية.

كما شهدت مخيمات اللاجئين خلال الفترة ذاتها تهديدات بالهدم.

ويطلق المسؤولون اللبنانيون على السوريين تسمية “نازحين”، في غياب الاعتراف الرسمي باللجوء، إذ يعتبرون أن لبنان بلد عبور وليس إقامة للاجئين.

وبحسب “المفوضية السامية لشؤون اللاجئين” فـ”النازحون” داخليًا على عكس اللاجئين، هم أشخاص لم يعبروا حدودًا دولية بحثًا عن الأمان، إنما بقوا مهجرين داخل أوطانهم، ويمنح القانون الدولي صفة “اللاجئ” للإنسان وليس السلطات المحلية، حتى لو كانت سلطات الدولة غير موقعة على الاتفاقية الدولية للاجئين.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى مفوضية “الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” في لبنان نحو 789 ألفًا.

وأطلقت منظمات حقوقية دولية، من بينها “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية، تحذيرات ضد حملة العودة للاجئين السوريين، وقالت الأخيرة عبر منصة “إكس“، في 13 من أيار، إن “سوريا لا تزال غير آمنة، وسبق أن وثّقنا ما واجهه اللاجئون السوريون من تعذيب وعنف جنسي واختفاء قسري واعتقال تعسفي بعودتهم”.

المنظمة  أضافت أن “لبنان اعتمد سلسلة من السياسات التقييدية المصممة للضغط على اللاجئين للعودة إلى سوريا، بما فيها القيود على الإقامة والعمل والتنقل”، معتبرة أن “مثل هذه القيود تثير مخاوف بشأن قدرة اللاجئين على تقديم موافقتهم الحرة والمستنيرة”.

واعتبرت أن “السلطات اللبنانية بتسهيلها عمليات العودة هذه تتعمّد تعريض اللاجئين السوريين لخطر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.

 من يحق له البقاء في لبنان؟

شهدت الأيام التي سبقت تسيير الدفعة الجديدة لعودة السوريين، زيادة غير مسبوقة في جرعة التضييق وتقييد نشاطات السوريين في لبنان، لأسباب وضعها مسؤولون ونواب في نطاق “الحل الجذري لمشكلة النزوح السوري”، على حد تعبيرهم.

بينما قال المحامي نبيل الحلبي، إن “كل سوري يملك إقامة صادرة عن جهاز الأمن العام اللبناني يمكنه البقاء في لبنان، وإذا كان يعمل فعليه استخراج الأوراق المطلوبة لمباشرة العمل على الأراضي اللبنانية”.

ولكن ما يحصل على أرض الواقع هو أن الأمن العام اللبناني “يتعاطى بشكل استنسابي في تطبيق هذه المعايير، فهناك العديد من اللاجئين السوريين المعارضين يمتنع الأمن العام عن إعطائهم إقامات، رغم أنهم مسجلون لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين”.

وفي هذه الحالة “يصبح اللاجئ مخالفًا وفق القانون اللبناني، وبالتالي يصدر الأمر بترحيله، فيبقى حبيس خيمته أو بيته ولا يستطيع التنقل أو العمل”، وهذا “انتهاك كبير ومخالفة مختلقة من السلطات اللبنانية المعنية لتحويل مجتمع اللاجئين إلى حالة هشّة قانونيًا، يسهل اعتقالهم لاحقًا بتهمة الإقامة غير المشروعة”.

ويفتقر ملف اللاجئين إلى التنظيم، وقال المحامي نبيل الحلبي، إن السلطات لم تصنف السوريين بين من هو لاجئ معارض، وبين من هو مهاجر اقتصادي جاء ليعمل، وبين من يقيم مثل أي مواطن غير لبناني ويؤدي فروض القانون المتوجبة عليه.

واعتبر الحلبي “الحكومة اللبنانية غير جادة في معالجة هذه الأزمة بطريقة علمية وعملية، سعيًا منها لترك الباب مفتوحًا أمام الاستثمار في الأزمات، لجهة تعليق كل الأزمة الاقتصادية على ملف اللاجئين، أو لجهة ابتزاز دول الاتحاد الأوروبي لاستدراج المزيد من الهبات والمساعدات المالية”.

وفي ذات الوقت، يجب ألا نغفل الجانب الأمني في المسألة، بحسب الحلبي، فالحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها تقوم بتنسيق أمني مع أجهزة النظام السوري، وسلّمت لاجئين سوريين معارضين في أوقات سابقة، كما أنها تتبادل المعلومات معها حول نشاطهم واتصالاتهم.

استثمار في ملف اللجوء

تكررت التهديدات أخيرًا للاتحاد الأوروبي بفتح البحر أمام اللاجئين، في الوقت الذي يسعى فيه لبنان للحصول على مساعدات أوروبية أممية.

ودعا الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، في كلمة متلفزة السلطات اللبنانية إلى “فتح البحر” والحدود البحرية أمام اللاجئين السوريين، في محاولة للضغط على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لإعادة اللاجئين إلى بلادهم وتقديم المساعدات لهم هناك.

كما اقترح وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، فتح المنافذ البحرية على مصراعيها، وتجهيز السفن التي تحمل اللاجئين السوريين إلى أوروبا.

تأتي هذه التهديدات بالتزامن مع منحة أوروبية قيمتها مليار يورو للبنان تصرف على مدار ثلاث سنوات، وقبيل مؤتمر المانحين في بروكسل، الذي يقدم تعهدات للسوريين في الداخل ودول الجوار.

سفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان، ساندرا دو وال، قالت إن حزمة المساعدات المقدمة للبنان حتى عام 2027، ستسمح بمواصلة تمويل قطاعات رئيسة مثل الحماية الاجتماعية والصحة والمياه والتعليم، ولا تشمل اللاجئين السوريين فحسب، بل إن اللبنانيين أيضًا يستفيدون من برامج المساعدة الاجتماعية الممولة من الاتحاد الأوروبي.

وأشارت إلى العمل مع مفوضية اللاجئين لتطوير نهج أكثر تنظيمًا للعودة الطوعية إلى سوريا، ودعمها للجيش اللبناني والأمن العام وقوى الأمن الداخلي من خلال تزويدهم بالمعدات والخبرات اللازمة لإدارة الحدود البرية والبحرية اللبنانية.


المصدر: عنب بلدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *