تجربة “مجلس دير الزور العسكري” تهدد مركزية “قسد”
– خالد الجرعتلي
وعدت “الإدارة الذاتية”، وهي المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بإصلاحات في مناطق سيطرتها بمحافظة دير الزور على خلفية مواجهات عسكرية شهدتها المنطقة، وحددت مدة ستة أشهر لإنجاز تلك الإصلاحات، لكنها لم تطبق على أرض الواقع رغم مرور سبعة أشهر على إطلاق هذه الوعود.
الوعود بإصلاحات أطلقتها “الإدارة”، في 22 من تشرين الأول 2023، على خلفية مواجهات مسلحة شهدتها المنطقة، ولّدتها معارضة عدد من أبناء العشائر لوجود “قسد”، ونشبت في سبيل حل هذه المعارضة.
وعقدت “الإدارة المدنية” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” في دير الزور حينها مؤتمرًا أطلقت عليه اسم “تعزيز الأمن والاستقرار نحو تطوير وترسيخ التشاركية بدير الزور”، بمشاركة وفد من “الإدارة الذاتية” وآخر من “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، وأعضاء من المؤسسات المدنية والعسكرية وشيوخ ووجهاء العشائر والأحزاب السياسية في المحافظة.
أبرز الوعود التي طُرحت على الساحة حينها إعادة هيكلة “مجلس دير الزور العسكري” التابع لها، الذي تسبب اعتقال قائده أحمد الخبيل من قبل “قسد” بمواجهات مسلحة امتدت لنحو شهر، ولا تزال تداعياتها ظاهرة في المنطقة حتى اليوم.
وفي الوقت الذي تحاول “قسد” إبراز اسم “المجلس” على أنه حاضر في ساحة المحافظة مجددًا، وأنه لا مشكلة داخلية لديها، لم تتمكن حتى اليوم من إنجاز إعادة الهيكلة، ويبقى الفصيل الذي كان يسيطر على أجزاء من دير الزور، ويمثل عشائر المنطقة، مقوّض النفوذ.
إلى أين وصل الطرح؟
وفق معلومات حصلت عليها من قادة سابقين في “مجلس دير الزور” ممن يحضرون اجتماعات مع قادة “قسد” بهدف إعادة الهيكلة، فإن مسار المفاوضات لا يزال غير واضح، إذ تهدف “قسد” للحفاظ على “المجلس” فقط، دون نفوذ حقيقي على الأرض.
مصدران عسكريان حضرا مفاوضات إعادة الهيكلة قالا ل، إن المسار لا يزال غير واضح، وتوقعا الخروج بإعلان إعادة الهيكلة خلال الأسبوع المقبل، دون الإدلاء بمعلومات عن شكل الفصيل الجديد، أو القادة المرشحين لشغل مناصب قيادية فيه، في حال نجحت الجولة المقبلة من المفاوضات في 12 من أيار الحالي.
قيادي ثالث في “المجلس” رفض الإدلاء بمعلومات ل قبل عقد الاجتماع المقبل بين الطرفين، لكنه أشار إلى أن الاجتماع المقبل محدد لإنجاز إعادة الهيكلة الجديدة، ومن المتوقع أن يصل الأطراف لنتيجة نهائية في حال لم تحاول قيادة “قسد” فرض إملاءات على قادة “المجلس” السابقين الحاضرين للاجتماع، وتركوا لهم حرية التصرف والاختيار.
وأضاف أن ثقة الأطراف المحلية من جانب “المجلس” ليست عالية بالممثلين عن قادة الفصيل الأم (قسد)، لكن وجود منسق من التحالف الدولي مسؤول عن الوصول لنتائج ترضي الطرفين هو ما يراهن عليه قادة “المجلس”.
ورفض القيادي الإدلاء بأي تفاصيل حول دور المنسق، أو حجم التأثير الذي يملكه على مسار المفاوضات.
أحمد الأحمد، ناشط سياسي يقيم في دير الزور، وهو وسيط سابق في ملف الأسرى والمعتقلين بين أهالي دير الزور و”الإدارة الذاتية” ومطلع على المفاوضات الهادفة لهيكلة “المجلس”، قال ل، إنه وآخرين توجهوا لـ”قسد” و”مسد” بمجموعة مطالب.
وتضمنت مطالب الأطراف المحلية هيكلة “المجلس العسكري”، وتفعيل دور أبناء المنطقة في المجالات كافة، وإشراك أبناء دير الزور بشكل حقيقي في إدارة المؤسسات الخدمية والمدنية والصحية وغيرها، إلى جانب مطالب أخرى.
وأضاف أنه رغم مرور سبعة أشهر على إطلاق الوعود لم يتحقق أي جزء منها بشكل فعلي، بسبب التركيز على شخصيات وشيوخ يصادرون حقوق الناس خلال سعيهم لتحقيق مصالحهم الشخصية.
بدأ الأحمد مع أشخاص آخرين من أبناء المنطقة بمبادرة لإيصال صوت أبناء دير الزور لإعادة الثقة بين السكان وقيادة المنطقة، وتعزيز الأمن فيها.
وأضاف أن قيادة “قسد” أبلغت الأطراف المحلية، وهو منهم، تقديم الأكاديميين للتعامل بشكل جدي وتصحيح الأخطاء التي ارتكبتها في المنطقة في الفترة الأخيرة، وهو ما تسعى الأطراف المحلية لتحقيقه اليوم.
وتواصلت مع المركز الإعلامي لـ”قسد” للحصول على إجابات حول أسباب تأخر إعادة هيكلة “مجلس دير الزور”، ولم تحصل على رد حتى لحظة تحرير هذا التقرير.
دير الزور مهمّشة
أكثر من تسعة أشهر مرت على المواجهات المسلحة بمحافظة دير الزور، قدمت خلالها “قسد” وعودًا عديدة للإصلاح بغية امتصاص غضب عشائر المنطقة، الذين اصطفوا إلى جانب “مجلس دير الزور العسكري”.
وعلى مدار الأشهر الماضية، لم يحدث أي تغيير في المنطقة، رغم أن قائد “قسد”، مظلوم عبدي، اعترف، في أيلول 2023، بتقصير “الإدارة الذاتية” في إدارة المنطقة خلال لقاء مع وكالة “رويترز“، وأقر بوجود عيوب “على نطاق واسع” في مدى شمول المجالس المحلية لمختلف القبائل.
وخلال نفس الفترة، تحدث عبدي لقناة “المشهد” (مقرها دبي) عن وجود أخطاء في إدارة “قسد” لدير الزور ذات الطبيعة العشائرية، بعد انتفاضة قادها أبناء المنطقة، بينهم عناصر بـ”قسد” ضد الفصيل الكردي المسيطر على شرق الفرات.
الشرخ الذي تسببت به سياسة “قسد” في المنطقة، رافقته محاولات استقطاب من قبل النظام السوري وإيران، لاستمالة العشائر، باستغلال المظلومية العربية بدير الزور.
ومنذ سنوات، يتمثّل المكوّن العربي في مؤسسات “الإدارة الذاتية” بشخصيات عربية موالية للأخيرة، لم تحقّق تطلّعات سكان المنطقة من العشائر العربية على مدار سنوات سيطرة القوات الكردية على المنطقة.
وتواجه “قسد” و”الإدارة” اتهامات بإقصاء المكون العربي، وإجراء عمليات تغيير ديموغرافي شمال شرقي سوريا، منذ بداية تأسيسها عام 2016، لكن الأخيرة نفت على لسان القيادي فيها محمود برقدان جميع هذه الاتهامات، مشيرة إلى أنها “اتهامات مُغرضة”.
تهديد لـ”مركزية قسد”
تعكس حالة الوقوف على أعتاب إتمام إعادة الهيكلة بشكل متكرر مزيجًا من عدم الرغبة وعدم إمكانية إتمامها نظرًا إلى العديد من العوامل والسياقات التي تلعب دورًا مؤثرًا بشكل مباشر على إعادة “المجلس” لواجهة دير الزور.
الباحث المتخصص بشؤون شمال شرقي سوريا في مركز “عمران للدراسات”، سامر الأحمد، قال ل، إن المواجهات المسلحة بين “قسد” و”مجلس دير الزور” التابع لها نهاية آب 2023، أعطت “مؤشرًا خطيرًا” لقيادة “قسد” على أن سلطتها المركزية مهددة.
وأضاف أن الصلاحيات الواسعة التي منحتها “قسد” لـ”مجلس دير الزور” و”المدني” صارت تهدد وجود مركزيتها، وسيطرتها الكاملة على المناطق التي تنتشر فيها قواتها، بعد أن تحول “المجلس” إلى عدو مباشر.
ويرى الأحمد أن مخاوف “قسد” جاءت أولًا كون “مجلس دير الزور” ظهر على أنه يستقل بقراره بعيدًا عن الفصيل الأم، حتى إنه صار يشاور التحالف الدولي بقضايا قتال الميليشيات الإيرانية في بلدات شرق الفرات التي تتمركز فيها الأخيرة، ومواضيع أخرى متعلقة بالمنطقة.
وبشكل رئيس، تركزت مخاوف “قسد” حول احتمالية توجه التحالف الدولي لدعم “المجلس العسكري” ككيان مستقل على غرار الآلية التي يدعم بها “جيش سوريا الحرة” في قاعدة التنف العسكرية شرقي حمص، وهي القوات الوحيدة المدعومة من التحالف في سوريا خارج مظلة “قسد”، ولا تربطها بها علاقة أو تنسيق، وفق ما قاله قائد الفصيل في حديث سابق ل.
الباحث سامر الأحمد اعتبر أن المخاوف لا يمكن حصرها بـ”مجلس دير الزور” وحده، فاحتمالية تنسيق الأخير مع التحالف تعني أن مجالسها الأخرى قد تحذو حذو “مجلس دير الزور” وتسعى للتنسيق مع التحالف والاستقلال عن الفصيل الأم.
وتتكون “قسد” من مجالس عسكرية ينتشر كل منها في منطقة أو “مقاطعة” كما تسميها “قسد”، مثل “مجلس منبج العسكري” و”مجلس تل رفعت” وغيرهما.
ثلاثة احتمالات
في إطار المشهد العسكري والأمني وحتى الخدمي المعقّد ضمن مناطق سيطرة “قسد” من دير الزور، لخّص الباحث المتخصص بالشأن الكردي في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ أسباب عرقلة إعادة هيكلة “المجلس” بثلاثة احتمالات.
شواخ قال ل، إن من المحتمل أن تكون عدم قدرة “قسد” على إنشاء محاصصة عشائرية ترضي بها مكونات دير الزور لإعادة تشكيل “المجلس” أحد الأسباب، خصوصًا أن “مجلس دير الزور” بشكله القديم كانت تشوبه العديد من الخلافات العشائرية، لكن قائده أحمد الخبيل تمكن من موازنة الخلافات، رغم معارضة مكونات عديدة لوجوده على رأس “المجلس”.
وأضاف أن التحركات الإيرانية الطامحة للتغلغل في مناطق سيطرة “قسد” شرقي دير الزور، قد تكون أيضًا أحد الأسباب لعرقلة المسار، إذ تمكنت الميليشيات الإيرانية المتمركزة غرب نهر الفرات من التغلغل بين مكونات المنطقة، وقد تلعب دورًا في التأثير على إعادة الهيكلة.
أما الاحتمال الثالث فهو قديم- جديد، ويتلخص باعتراض كوادر حزب “العمال الكردستاني” على إنشاء كيان عسكري جديد في دير الزور، بعد القديم الذي نشبت معارك بينه وبين “قسد”، وفق شواخ.
ويتحكم حزب “العمال الكردستاني” بمفاصل القرار في “قسد”، لكن قادة الأخيرة دائمًا ما ينفون ارتباطهم بالحزب الكردي.
وإلى جانب ما سبق، يحمل أبناء ير الزور مخاوفهم السياسية من عودة النظام السوري للسيطرة على المحافظة، كون عشائر شرق نهر الفرات بمحافظة دير الزور كانوا من المشاركين بالثورة السورية منذ اندلاعها عام 2011.
وفي إطار هذه المخاوف من الجهات الثلاث التي تسيطر على المساحة الجغرافية المحيطة بهذه العشائر، يحاول أبناء المنطقة التوجه للتحالف الدولي (مشكل من 86 دولة، وتقوده أمريكا) بغية تحقيق تعاون معه، والسعي لإدارة منطقتهم بأنفسهم.
وتطالب هذه العشائر بتعاون التحالف الدولي معها، كما يتعاون مع فصيل “جيش سوريا الحرة”.
ويحاول المطالبون بهذا التعاون إقناع التحالف الدولي بأن أبناء المنطقة قادرون على محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وعلى عكس “قسد”، يمكنهم أيضًا محاربة الميليشيات المدعومة من إيران المتمركزة على الضفة الغربية لنهر الفرات، على تخوم قراهم وبلداتهم.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي