تحركات ترمب وماسك لخفض الإنفاق تهدد بكشف أسرار CIA

تراجع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA بشكل رسمي تقييم أي أضرار “محتملة” ناجمة عن رسالة بريد إلكتروني “غير سرية” أُرسلت إلى البيت الأبيض في أوائل فبراير الجاري، تضمنت الاسم الأول والحرف الأول من ألقاب بعض الضباط الذين تم تحديدهم لاحتمال تسريحهم، في كشف عن أدوار أشخاص يعملون بسرية، حسبما ذكر مصدر مطلع لشبكة CNN.
وقال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون مطلعون على المناقشات الداخلية إن “جهود الإدارة لخفض أعداد الموظفين ومراجعة الإنفاق في الـCIA ووكالات أخرى تهدد بإلحاق الضرر ببعض أكثر المهام الحكومية حساسية”، وفق الشبكة.
وعلى الجانب الآخر، قدّم مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأميركية مذكرة إلى الوزير سكوت بيسنت، يحذّره من أن منح مهندس برمجيات يبلغ من العمر 25 عاماً، يعمل لدى وزارة كفاءة الحكومة التابعة لإيلون ماسك، صلاحية الوصول إلى نظام المدفوعات “فائق الحساسية” للحكومة، قد يُعرّض عمليات الدفع السرية التي تقوم بها وكالة الـCIA عبر هذا النظام للخطر.
وفي الطابق السابع لـCIA، حيث مقر القيادة العليا، يجري بعض الضباط بهدوء مناقشات بشأن كيف أن عمليات التسريح الجماعي وبرامج التقاعد المبكر المعروضة على الموظفين قد تؤدي إلى “نشوء مجموعة من الموظفين السابقين الساخطين، للانتقام عبر تسريب معلومات لأجهزة استخبارات أجنبية”.
وتعكس هذه التطورات مجتمعة مدى القلق المتزايد بين المسؤولين المخضرمين من أن جهود ترمب لتقليص حجم الحكومة الفيدرالية بسرعة قد تجعل الأسرار الأميركية في متناول الجواسيس الأجانب والمخترقين الإلكترونيين.
“المنصب أصبح مكشوفاً الآن”
وفي محاولة للامتثال لأمر تنفيذي يقضي بتقليص حجم القوى العاملة الفيدرالية، أرسلت CIA، في وقت سابق من هذا الشهر، رسالة إلكترونية غير معتادة إلى البيت الأبيض، تضمنت قائمة بجميع الموظفين الجدد الذين انضموا إلى الوكالة منذ عامين أو أقل، وهي قائمة شملت ضباطاً في CIA كانوا يستعدون للعمل تحت غطاء سري، وذلك عبر خادم بريد إلكتروني “غير محمي”.
وقال مصدر مطلع إن “الوكالة تدرس ما إذا كان ينبغي تعليق أو إعادة تعيين بعض الموظفين المدرجين في البريد الإلكتروني المرسل إلى البيت الأبيض، الذين كانوا مخصصين مسبقاً لمهام سرية في مواقع حساسة بالخارج، وذلك بسبب ارتفاع مخاطر كشف هويتهم من قبل قراصنة تابعين لحكومات أجنبية”.
وهناك أيضاً مخاوف من أن بعض المناصب في السفارات الأميركية، التي يشغلها في الواقع ضباط من CIA تحت غطاء دبلوماسي، قد تصبح “مهددة بالكشف”، ما قد يؤدي إلى إثارة غضب الدولة المستضيفة، وكشف جهات متعاونة، أو تعريض عملاء CIA للخطر، خاصة أولئك الذين يُعرف أنهم التقوا بالأشخاص الذين شغلوا هذه المناصب سابقاً.
ووفقاً لمسؤولين استخباراتيين سابقين، فإن المراجعة الداخلية، المعروفة باسم “تقييم الأضرار”، ستشمل على الأرجح “تقييم المخاطر التي قد يتعرض لها الضباط في حال إرسالهم إلى مواقعهم المحددة، فضلاً عن تقييم ما إذا كانت تلك المناصب قد أصبحت مكشوفة لدرجة تحول دون شغلها مستقبلاً من قبل ضباط الوكالة”.
وقال ضابط سابق في CIA متحدثاً بشكل افتراضي، إن المنصب في السفارة كان يشغله في السابق ضباط من الوكالة، والآن باتت الدولة المستضيفة والجهات المعادية تعلم أن الشخص الجديد الذي سيتولى المنصب هو أيضا تابع للوكالة.
وبناء على ذلك، سيفترضون أن جميع من سبقوه في هذا المنصب كانوا أيضاً من الـCIA، وسيقومون بتحليل الماضي، وتتبع أنشطتهم وتحركاتهم السابقة، مما قد يؤدي إلى كشف عمليات وأفراد مرتبطين بالوكالة. وأضاف: “هذا المنصب أصبح مكشوفاً الآن”.
استغلال الموظفين السابقين
وفي غضون ذلك، وبينما تدرس CIA تقليص عدد موظفيها، قال مسؤولون استخباراتيون حاليون وسابقون إن “عمليات التسريح الجماعي قد توفر فرصة ثمينة لأجهزة الاستخبارات الأجنبية مثل الصين أو روسيا التي قد تسعى لاستغلال الموظفين السابقين الذين يعانون من ضائقة مالية، أو يشعرون بالاستياء”.
ووجّهت وزارة العدل في السنوات الماضية تهماً لعدة مسؤولين عسكريين واستخباراتيين أميركيين سابقين بتسريب معلومات استخباراتية أميركية إلى الصين.
وقامت وكالة الاستخبارات المركزية بفصل أكثر من 20 ضابطاً، بسبب عملهم في قضايا التنوع، حيث رفع العديد منهم دعاوى قضائية للطعن في قرار فصلهم.
وأشارت الحكومة، في ملفات قضائية، إلى أنها “لا تزال تدرس إمكانية إجراء تخفيضات إضافية امتثالاً لأمر ترمب بإنهاء جميع برامج التنوع عبر الحكومة الفيدرالية”.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن المسؤولين المخضرمين في الوكالة يعملون أيضاً على تقديم توصيات بشأن الموظفين الجدد الذين أُرسِلت أسماؤهم عبر البريد الإلكتروني إلى البيت الأبيض، لتحديد من يجب فصله منهم.
ولم يتم بعد تحديد العدد النهائي، وفقاً لما ذكره أحد المصادر. ولم يُتهم أي من هؤلاء الموظفين بسوء السلوك، كما لم يتم فصلهم لأسباب تأديبية.
الوصول إلى معلومات سرية
ولكن، على عكس معظم الموظفين الفيدراليين المفصولين، فإن هؤلاء الأفراد كانوا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى معلومات سرية تتعلق بعمليات وأساليب عمل الوكالة.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين: “إذا تم فصل موظف في وزارة الزراعة، حتى لو كان مستاءً، فما الخطر في ذلك طالما أنه لا يمتلك وصولاً إلى معلومات سرية؟”. أما في حالة CIA وغيرها من وكالات الاستخبارات، قال: “عندما تقوم بتسريح أي عدد من الموظفين الذين لديهم معرفة ببرامج حساسة، فإن ذلك يشكل بطبيعته تهديداً داخلياً”.
وأضاف: “أنت تراهن ببساطة على أنهم سيلتزمون باتفاقية السرية الخاصة بهم، ولن يعرضوا المعلومات لجهاز استخبارات أجنبي”.
ودرس بعض المسؤولين كيفية التعامل مع الموظفين الذين سيتم فصلهم، أو سيختارون المغادرة ضمن برنامج التعويضات، بما في ذلك ما إذا كان ينبغي السماح لهم بدخول مقرات الوكالة من الأساس، وفقاً لمصدر مطلع على المناقشات.
حوادث تسريب سابقة
وأشار مسؤولون سابقون إلى أن فكرة أن يقوم موظف مفصول من وكالة الاستخبارات المركزية (حتى لو تم فصله لأسباب تأديبية) بتسريب ما يعرفه إلى حكومة أجنبية ليست بالأمر الجديد.
ففي عام 2009، عندما وُجهت تهم احتيال لمساعد كبير لنائب مدير الـCIA، بسبب استخدامه بطاقة ائتمانية تابعة للوكالة في نفقات شخصية، وهي تهم كانت كفيلة بجعله غير قابل للتوظيف عملياً، أعرب كبار المسؤولين آنذاك عن قلقهم من احتمال أن يعرض خدماته لأعلى مزايد.
ومع ذلك، أكد المصدر الأول أنه “من الناحية القانونية، لا يوجد الكثير مما يمكن أن تفعله الوكالة لمراقبة الموظفين السابقين أو الحد من هذا الخطر”.
من جهته، أشار مسؤول آخر، متعاطف مع جهود ترمب، إلى أن الأشخاص الذين قد يتخذون مثل هذه الخطوة هم تحديداً النوع الذي ينبغي على الوكالة استبعاده من صفوفها، لكن هذا لا يعني أن التهديد غير قائم، إذ يرى بعض المسؤولين الحاليين والسابقين أن هذه المخاطر “ذاتية الصنع”.
كشف المدفوعات السرية
وتحرك المسؤولون الحكوميون المخضرمون للحد من المخاطر المحتملة على الأمن القومي، الناجمة عن عمل فريق وزارة كفاءة الحكومة التابع لإيلون ماسك.
وفور موافقة، سكوت بيسنت، على منح مسؤولي تلك الوزارة حق الوصول إلى نظام المدفوعات الحكومي، سارع مسؤولو الاستخبارات إلى التحذير من أن هذا النظام لا يُستخدم فقط لتحويل مدفوعات الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، بل يشمل أيضاً تحويل الأموال الخاصة بمجتمع الاستخبارات، بما في ذلك CIA، سواء عبر شركات وهمية أو كيانات تجارية حقيقية تتعاون مع أجهزة الاستخبارات في برامج حساسة.
وقال مصدر مطلع على الأمر لشبكة CNN: “كل دفعة مالية تقوم بها الحكومة الأميركية تمر عبر هذا النظام كل واحدة منها”.
وحذّر مسؤولون سابقون في وزارة الخزانة من أن “منح أشخاص غير مدربين أو ذوي خبرة في هذه الأنظمة حق الوصول إليها قد يكشف خريطة مدفوعات الحكومة الأميركية، مما يسهل على أجهزة الاستخبارات الأجنبية تتبع الجهات المستفيدة، والمبالغ المحولة، وأغراضها”.
نقل المخاوف
وتم نقل هذه المخاوف مباشرة إلى بيسنت بعد وقت قصير من التصديق على تعيينه في مجلس الشيوخ، عبر مذكرة رسمية من مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخزانة، وفقاً لثلاثة مصادر مطلعة.
وتضمنت المذكرة سلسلة من الإجراءات المقترحة للتخفيف من المخاطر، وافق عليها بيسنت بالكامل، بحسب أحد المصادر.
وأشار جوزيف جيولي، نائب مفوض مكتب الخدمات المالية للتحول والتحديث، أن البنية التحتية الأمنية قد تم تعزيزها حول المهندس من فريق وزارة كفاءة الحكومة ماركو إليز، الذي حصل على صلاحية للقراءة فقط داخل أنظمة المدفوعات.
وشملت الإجراءات الأمنية المضافة أدوات مراقبة إلكترونية صارمة تم تثبيتها على الكمبيوتر المحمول المخصص لإليز، ما سمح لمسؤولي الأمن بمتابعة نشاطه بشكل مستمر وتسجيل كل تحركاته داخل النظام.
كما تم تعطيل منافذ USB وأجهزة التخزين، وحظر الوصول إلى خدمات التخزين السحابي، ومراقبة أي أوامر أو تعليمات يقوم بتنفيذها، بالإضافة إلى ذلك، تم تضمين نظام اكتشاف عمليات تسريب البيانات، لتنبيه مسؤولي الأمن فوراً في حال محاولة نقل معلومات حساسة.