تحرّك إماراتي سريع في سوريا.. 3 ملفات بملايين الدولارات وخبراء يوضحون الهدف

تشهد سوريا في الآونة الأخيرة موجة من الاستثمارات الإماراتية، تُعد الأبرز منذ رفع العقوبات الغربية عنها، في مقدمة هذه الاستثمارات يبرز مشروع تطوير ميناء طرطوس، الذي أعلنت الإمارات عن شراكة فيه عبر شركة “موانئ دبي العالمية”، إلى جانب دخول رجل أعمال إماراتي في استثمار شركة الطيران السورية الخاصة “فلاي شام”، فضلًا عن تقارير حول طباعة عملة سورية جديدة في كل من الإمارات وألمانيا، ما يشير إلى بداية تحول اقتصادي كبير في البلاد.
ميناء طرطوس.. البوابة الاقتصادية الجديدة لسوريا
وقعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية مذكرة تفاهم مع شركة موانئ دبي العالمية (دي بي ورلد) بقيمة 800 مليون دولار لتطوير محطة في ميناء طرطوس، وذلك بعد أن أتاح رفع العقوبات الأميركية الفرصة لإبرام الاتفاق.
ويرى الخبير الاقتصادي السوري رامي شراق، خلال حديث لوكالة ستيب نيوز أن تطوير ميناء طرطوس يُعد “خطوة استراتيجية تحمل مدلولات عميقة على بداية نهوض اقتصادي حقيقي”، مؤكدًا أن الميناء سيكون بوابة لوجستية حيوية لإعادة الإعمار، ورفع جاهزيته سيمنح سوريا قدرة تنافسية إقليمية في مجالات التوريد والتصدير.
وحول اختيار شركة “موانئ دبي العالمية” لإدارة المشروع، يعلّق شراق: “الاختيار موفق. موانئ دبي العالمية تمتلك خبرة عالمية قوية في تشغيل الموانئ، وستُسهم في تسريع عمليات الشحن والتفريغ، ورفع كفاءة الخدمات البحرية واللوجستية بميناء طرطوس، مما سينعكس مباشرة على النشاط الاقتصادي المحلي وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار في البلاد”.
وتشمل المذكرة تطوير وإدارة وتشغيل محطة متعددة الأغراض في ميناء طرطوس، مما يسهم في رفع كفاءة الميناء وزيادة طاقته التشغيلية وتعزيز دوره كمركز محوري لحركة التجارة الإقليمية والدولية.
واتفق الجانبان أيضًا على التعاون في تأسيس مناطق صناعية ومناطق حرة، إضافة إلى موانئ جافة ومحطات عبور للبضائع في عدد من المناطق الاستراتيجية داخل سوريا.
دوافع الاستثمار الإماراتي.. ما بعد رفع العقوبات
وما كنت سوى أيام قليلة على إعلان الرئيس الأمريكي رفع العقوبات عن سوريا، حتى تحركت الشركات الإماراتية في خطوة مهمّة للاستثمار بقطاعات حيوية في سوريا.
وفي حديثه عن التحرك الإماراتي السريع نحو الاستثمار في سوريا، يوضح شراق أن هذا التحرك كان متوقعًا: “الإمارات دولة عربية شقيقة ولها سجل استثماري مهم. تحركها السريع متوقع، خاصة بعد رفع العقوبات، فكل الدول كانت تنتظر هذا القرار. سوريا اليوم تمثل فرصة استثمارية واعدة بفضل موقعها الاستراتيجي وسوقها المتعطشة للتنمية والكفاءات الإدارية الموجودة”.
من جهته، يرى المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية رامي الخليفة علي، خلال حديث لـ”ستيب نيوز” أن للاستثمار الإماراتي السريع في سوريا بُعدين رئيسيين: “الأول هو الرغبة العربية، والإماراتية تحديدًا، في دعم الإدارة الجديدة لسوريا ومساندتها في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر فيها البلاد بصعوبات كبيرة. والثاني هو الاستفادة من رفع العقوبات والمناخ الاستثماري الجديد في سوريا، التي تحتاج إلى رؤوس أموال في قطاعات متعددة”.
طباعة العملة الجديدة.. خطوة نقدية ذات أبعاد
ونقلت وكالة “رويترز” عن ثلاثة مصادر قولها إن سوريا تخطط لطباعة عملة جديدة في الإمارات وألمانيا بدلاً من روسيا، مما يعكس تحسنًا سريعًا في العلاقات مع دول الخليج والغرب.
يشير شراق إلى أن موضوع طباعة العملة الجديدة هو “خطوة ضرورية في سياق السياسة النقدية الحالية”، ويضيف: “طباعة العملة، إذا تمت بشكل مدروس، ستُسهم في إصلاح المنظومة المالية للبلاد؛ وتثبيت العدالة الانتقالية فيما يتعلق بالمعاملات المالية السابقة”.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن طباعة دفعات جديدة من العملة السورية ستتم في الإمارات وألمانيا، ما يساهم في إعادة بناء الثقة بمنظومة النقد السورية.
وتولت روسيا، أحد الداعمين الرئيسيين للأسد، مهمة طباعة العملة السورية خلال أكثر من عقد من الحرب بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات أدت إلى إنهاء عقد مع شركة أوروبية.
وذكر مصدران ماليان سوريان أن السلطات السورية تجري محادثات متقدمة بشأن صفقة طباعة عملة مع شركة (عملات للطباعة الأمنية) الإماراتية، التي زارها حاكم مصرف سوريا المركزي ووزير المالية خلال زيارة إلى الإمارات في وقت سابق من هذا الشهر.
وقال مصدر سوري ومسؤول أوروبي إن شركة (بوندسدروكيراي) الألمانية المدعومة من الدولة وشركة (جيسيك بلس ديفرينت) الخاصة أبدتا اهتمامهما، لكن لم يتضح بعد أيهما قد تطبع العملة.
مؤشرات تعافٍ اقتصادي وتفاؤل مشروط
حول توقعاته لتحسن الوضع الاقتصادي، يعبّر شراق عن تفاؤله الحذر قائلًا: “بشكل تدريجي ومتزن. هناك بوادر إيجابية ظهرت فور الإعلان عن رفع العقوبات، مثل تحسن قيمة العملة. الحكومة حاليًا تتبع نهجًا متوازنًا بين مصلحة المواطن ومتطلبات التعافي، وهو توجه مشجع”.
أما رامي الخليفة علي، فيقول إن “سرعة التعافي من الناحية الاقتصادية هي مسألة نسبية، ولكن بالتأكيد أتوقع أن تكون أسرع مما كان متوقعًا قبل رفع العقوبات”. ويضيف: “الآن بما أن القرار اتُّخذ من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فهذا سوف يسرّع عملية التعافي. لكن ما زال هناك طريق طويل أمام سوريا من أجل إعادة الإعمار ودفع البلاد نحو الاستقرار الاقتصادي”.
إعادة ترتيب العلاقة مع روسيا.. لا قطيعة ولكن إعادة توازن
حافظت الحكومة السورية الجديدة على علاقاتها مع موسكو حتى بعد فرار الأسد إلى روسيا في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ تلقّت عدة شحنات من أوراق نقدية في الأشهر القليلة الماضية بالإضافة إلى الوقود والقمح، بينما تسعى موسكو إلى الاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين في منطقة الساحل السوري.
يشير “رامي الخليفة علي” إلى أن العلاقة مع روسيا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي تمر بمرحلة إعادة تعريف، مؤكدًا أن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى مواجهة مع موسكو، لكنها أيضًا لا ترغب في استمرار النفوذ الروسي غير المتوازن.
ويقول: “لا شك بأن هناك رغبة للاستمرار في بعض العقود والاتفاقيات العسكرية، لكن لا أتوقع تغييرًا ملموسًا في الوجود الروسي، ووجود موانئ دبي لن يكون معارضًا لروسيا، خاصة وأن العلاقات الإماراتية الروسية مستقرة”.
وحول التوجهات الخارجية للإدارة السورية الجديدة، يوضح الخليفة علي أن “الإدارة لا تنحاز لطرف على حساب طرف آخر، بل تبني علاقات متوازنة مع الدول العربية، الخليجية، وتركيا، والغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية”. ويؤكد أن العلاقة مع واشنطن تُعد مفتاحًا أساسيًا لبناء علاقات دولية متوازنة.
ويختم بالقول: “حتى الآن، تشهد سوريا علاقات جيدة ومتقدمة مع السعودية والإمارات وقطر، وأيضًا مع تركيا. الإدارة تسعى للحفاظ على هذا التوازن بين علاقاتها العربية والإقليمية والدولية، وهو أمر ضروري لدفع البلاد نحو الاستقرار والنمو الاقتصادي”.
ويبدو أن التحرّك الإماراتي السريع من خلال صفقات الاستثمار في سوريا سيكون البوابة التي ينطلق منها المستثمرون العرب، حيث أبدت الحكومة السورية تطلعها لمزيد من الشراكة مع المحيط العربي بما يسهم في دفع عجلة التطور والتعافي بالاقتصاد السوري المتعطّش بعد سنوات من الحرب والدمار.

المصدر: وكالة ستيب الاخبارية