تحقيق: مشتريات الأمم المتحدة تتراجع داخل سوريا لكن خطورتها تزداد
كشف تحقيق نشره “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية السوري” انخفاضًا واسع النطاق في المشتريات من سوريا عبر مختلف وكالات الأمم المتحدة في الفترة ما بين عامي 2021 و2022، مقارنة بتحقيق سابق راقب حركة المشتريات خلال عامي 2019 و2020.
وفقًا لبيانات مشتريات الأمم المتحدة، في الفترة بين عامي 2021 و2022، تم شراء ما مجموعه نحو 309 مليون دولار من موردين مقيمين في سوريا.
وأوضح التحقيق الذي نشر اليوم، الأربعاء 22 من أيار، أن 10 وكالات أممية من أصل 14 وكالة أبلغت عن انخفاض مشترياتها في هذه الفترة، ما قد يشير إلى تحول في سياسة الأمم المتحدة حول مصادر توريد لوازم الاستجابة الإنسانية في البلاد.
وأشار التحقيق إلى أنه على الرغم من أن تجنب المشتريات من داخل الدولة المستهدفة يضر بالاقتصاد المحلي في الظروف العادية، فإنه مرحب به في السياق السوري في ضوء النهب الممنهج للمساعدات.
في 25 من تشرين الأول 2022، كشف تحقيق صادر عن “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية السوري” و”البرنامج السوري للتطوير القانوني”، عن إنفاق الأمم المتحدة ما يقارب 47% من مشترياتها بسوريا في عامي 2019 و2020 على شركات سورية، أصحابها من منتهكي حقوق الإنسان ومنتفعي الحرب والأشخاص المقربين من النظام على لوائح العقوبات الغربية، وغيرهم من المرتبطين بالنظام السوري.
وأوضح التحقيق عبر وثائق أن الأمم المتحدة قدّمت نحو 137 مليون دولار أمريكي من إنفاقها على المشتريات لهذه الشركات المملوكة لكل من: هاشم العقاد، سمير حسن، فادي صقر، سامر فوز، أحمد صابر حمشو، علي حمشو، عمرو حمشو، رانيا الدباس، وغيرهم، وشكّلت نسبتها 94% من إجمالي الإنفاق على المشتريات.
الخطورة أعلى
رغم انخفاض قيمة المشتريات من داخل سوريا، لكنها بالمقابل أصبحت أكثر خطورة نسبيًا من حيث احتمالية تورط المورد بانتهاكات لحقوق الإنسان.
ولاحظ التحقيق ارتفاع نسبة المشتريات من المورّدين ذوي مستويات الخطورة “المرتفعة” و “المرتفعة جدًا” خلال الفترة 2021-2022 مقارنة بالفترة 2019-2020، وهو ما قابله انخفاض بنحو ست نقاط مئوية في المشتريات من المورّدين ذوي الخطورة المتوسطة.
وشكّل المورّدون ذوو المخاطر المرتفعة جدًا والمرتفعة 52% خلال الفترة 2021-2022، مقارنة بـ 47% في العامين السابقين.
من غير الواضح ما إذا كان هذا التحول ناتجًا عن خروج المورّدين ذوي المخاطر المنخفضة من السوق في ضوء تزايد ممارسات النظام في مضايقة رجال الأعمال، وأيضًا ينعكس ارتفاع المشتريات من المورّدين الخطرين على زيادة حصّة المشتريات من المورّدين المملوكين لأفراد خاضعين للعقوبات: من 23% في الفترة 2019-2020، إلى 31% في الفترة 2021-2022.
وأوضح التحقيق أن معظم هؤلاء المورّدين الخاضعين للعقوبات هم من المقربين من النظام السوري، مثل سمير حسن، سامر فوز، محمد حمشو، وبلال النعال.
استنادًا إلى دليل كتبه “البرنامج السوري للتطوير القانوني” ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، مطلع عام 2022، قسم التقرير الموردين إلى أربعة مستويات من المخاطرة.
وشمل تصنيف الشركات “عالية المخاطر للغاية”، تلك التي لها صلات بانتهاكات حقوق الإنسان، والجماعات شبه العسكرية، وقطاع الأمن الخاص، وتدمير الممتلكات المدنية، وتطوير الأراضي التي تم فيها تهجير الناس قسرًا، ودعم القوات المسلحة وحكومة النظام السوري منذ عام 2011.
وشملت الشركات “عالية المخاطر” تلك التي حصلت على عقود من حكومة النظام، أو احتكرت قطاعات معينة، أو كانت مملوكة لأعضاء مجلس الشعب أو غيرهم من المسؤولين المحليين، أو تبرعات لكيانات سورية، أو شاركت في الحصار الاقتصادي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
لا شفافية من قبل الأمم المتحدة
للتحقيق في مشتريات الأمم المتحدة من المؤسسات الحكومية، قام معدو التحقيق بمراجعة قاعدة بيانات المشتريات وحددوا جميع المورّدين الحكوميين منذ عام 2015 وحتى 2022.
من بين 727 موردًا مختلفًا خلال الفترة بين عامي 2021 و2022، تبين أن 20 منهم مؤسسات حكومية، مما يعكس صغر حجم التوريدات من المؤسسات الحكومية مقارنة بالاستجابة الإنسانية بشكل عام، فيما تراوحت قيمة تلك التوريدات بين مليون ومليوني دولار سنويًا بين عامي 2015 و2021.
واعتبر التحقيق أنه يتم منح بعض الموردين عقودًا دون قيود، وذلك بسبب عدم توفر البدائل، كما في حالة شركة الكهرباء، وهي المورد الوحيد للكهرباء في سوريا.
في عام 2022، تجاوزت مشتريات المنظمات الحكومية والقطاع المشترك مثل الهلال الأحمر العربي السوري و”محروقات-سادكوب” ثلاثة ملايين دولار، كذلك ارتفعت مشتريات المحروقات في عام 2022 ومن المرجح أن ترتفع أكثر، حيث بدأ النظام في فرض أسعار أعلى بكثير من التكلفة في أعقاب زلزال شباط 2023 دون أي معارضة علنية من الدول المانحة والأمم المتحدة.
ومما يثير القلق بشكل خاص هو افتقار الأمم المتحدة إلى الشفافية، ففي عام 2022، سجلت سوريا أعلى حصة من المشتريات من الموردين الذين تتحفظ الأمم المتحدة على هوياتهم في قاعدة بيانات مشترياتها لأسباب “الأمن” أو “الخصوصية” مقارنة بأكبر خمس دول في العالم من حيث حجم الاستجابة الإنسانية.
وتظهر البيانات أن الوكالات الأممية التي تشتري من موردين لم يتم الإعلان عن هوياتهم تميل إلى أن تكون متهمة بارتكاب المزيد من الانتهاكات.
ووفق التحقيق، لا تشكل المشتريات بكل حال سوى حصة صغيرة من الإنفاق الإنساني الإجمالي للأمم المتحدة، وتشمل البنود الكبيرة الأخرى الحصول على مشتريات من خارج سوريا، رواتب الموظفين، والشراكات المحلية مع منظمات المجتمع المدني.
أسماء الأسد وجلبوط من الشركاء
حصل معدو التحقيق على مجموعة من البيانات المسربة في تموز 2023 من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية.
تحدد البيانات لكل شراكة، المنظمة السورية الشريكة، وكالة الأمم المتحدة الشريكة، المبلغ المخصص من قبل الأمم المتحدة بالدولار الأمريكي والليرة السورية، نوع الأنشطة الممولة، وعدد المستفيدين نظريًا من المساعدات، محافظة التنفيذ، وقرار الدائرة الحكومية المسؤولة حول السماح بالبدء (أو عدم البدء) بالشراكة والاستمرار (أو التوقف).
يشير سعر الصرف الذي تشي عنه المبالغ المقررة بالدولار والليرة في مجموعة البيانات هذه، إلى أن البيانات تغطي الفترة من حزيران 2020 إلى نيسان 2022.
بالنسبة للمنظمات غير الحكومية التي تمولها الأمم المتحدة والتي تظهر في القائمة المسربة، فقد أظهر العديد منها دعمًا صريحًا وقويًّا للنظام السوري، الذي تسبب بجزء كبير من الكارثة الإنسانية على السوريين في المقام الأول وارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
تسلط مجموعة البيانات الضوء على التمويل التفصيلي لـ”الأمانة السّورية للتنمية” التي تقودها أسماء الأسد، ومنظمات غير حكومية عديدة دعت بقوة إلى إعادة انتخاب الأسد مؤخرًا.
وتكشف مجموعة البيانات أيضًا أنه بين حزيران 2020 وشباط 2021، تلقت منظمة غير حكومية تدعى “نور للإغاثة والتنمية” ما يقارب 1.8 مليون دولار من صندوق الأمم المتحدة للسكان وأكثر من 170 ألف دولار من منظمة الصحة العالمية، إلى جانب شراكات سابقة أخرى مع اليونيسف ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
تنشط هذه المنظمة غير الحكومية في عدة مناطق مثل مخيم اليرموك ويلدا وبيت سحم، ويرأس “نور للإغاثة والتنمية” محمد جلبوط، المتهم بالتعاون مع أجهزة الأمن السورية وتسهيل الإجراءات الأمنية ضد نشطاء المعارضة، بما في ذلك انتزاع الاعترافات القسرية والتعذيب الذي أدى بحسب مصادر إلى مقتل المصور الفلسطيني نيراز سعيد.
جلبوط أيضًا مرتبط بميليشيا “لواء القدس” الموالية للنظام، و”الجبهة الشعبية- القيادة العامة” المدرجة على لوائح الإرهاب في عدد من الدول، وتظهر علاقات جلبوط الدولية أيضًا من خلال فعالياته مع المسؤولين الروس ومشاركته في حوارات سياسية سورية رفيعة المستوى.
بالإضافة إلى تمويله من قبل العديد من وكالات الأمم المتحدة على الرغم من الاتهامات الموجهة له بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، يواصل جلبوط المشاركة في الاجتماعات التي تقودها الأمم المتحدة وآخرها تمثيل المجتمع المدني السوري في جنيف في “غرفة دعم المجتمع المدني” في 29 من كانون الثاني 2024.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي