كشف تحقيق لوكالة “رويترز” أن مقربين من بشار الأسد فروا من سوريا بعد سقوط النظام يحولون ملايين الدولارات إلى عشرات الآلاف من المقاتلين المحتملين على أمل إثارة انتفاضات ضد الحكومة الجديدة واستعادة بعض نفوذهم المفقود.
وبينما استسلم رئيس النظام المخلوع بشار الأسد للعيش في منفاه بموسكو، لم يستسلم شقيقه ماهر بل يسعى إلى النفوذ في سوريا، كما أن ماهر لم يستوعب “كيف يُجبر أبناء حافظ الأسد، مؤسس النظام الدكتاتوري، على مغادرة سوريا”، بحسب التحقيق الذي نشرته الوكالة اليوم، الجمعة 5 من كانون الأول.
وأضاف التحقيق أن العائلة تعتبر حافظ الأسد “إلهًا”، وماهر يحاول البناء على ذلك، “لكنه لم يتحرك إلى هذا الحد”.
وجد التحقيق أن اثنين من أقرب المقربين للأسد، وهما اللواء كمال حسن والملياردير رامي مخلوف، يتنافسان على تشكيل ميليشيات في الساحل السوري ولبنان، تضم أفرادًا من طائفتهما العلوية المرتبطة منذ زمن بعائلة الأسد.
وفي المجمل، يُموّل الرجلان، إلى جانب فصائل أخرى تتصارع على السلطة، أكثر من 50 ألف مقاتل على أمل كسب ولائهم.
وقال أربعة أشخاص مقربين من الأسد إن، ماهر الأسد لا يزال يسيطر على آلاف الجنود السابقين، ولم يقدم أموالًا أو أوامر حتى الآن.
واستند التحقيق إلى مقابلات مع 48 شخصًا مطلعين مباشرة على الخطط المنافسة، جميعهم تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، كما راجعت “رويترز” السجلات المالية والوثائق التشغيلية وتبادل الرسائل الصوتية والنصية.
خلاف بين حسن ومخلوف
حسن ومخلوف، وفق الوكالة، يسيطران على شبكة من 14 غرفة قيادة سرية بُنيت حول الساحل السوري قبل نهاية حكم الأسد، بالإضافة إلى مخابئ أسلحة.
وأكد ضابطان ومحافظ سوري وجود هذه الغرف السرية، التي تظهر تفاصيلها في صور اطلعت عليها “رويترز”.
كمال حسن، رئيس المخابرات العسكرية في عهد بشار، لا يكلّ من إجراء اتصالات هاتفية وإرسال رسائل صوتية إلى القادة والمستشارين. في هذه الرسائل، يغضب بشدة من فقدان نفوذه، ويرسم رؤى طموحة لكيفية حكمه لساحل سوريا، موطن أغلبية العلويين في سوريا، وقاعدة نفوذ الأسد السابقة.
أما مخلوف، ابن خال بشار الأسد، فاستخدم إمبراطوريته التجارية لتمويل الدكتاتور خلال الحرب في سوريا، ليصطدم بأقاربه الأكثر نفوذًا، وينتهي به الأمر تحت الإقامة الجبرية لسنوات، وهو الآن يصور نفسه في الأحاديث والرسائل كشخصية ستعود إلى السلطة بعد أن تُعلن عن معركة نهائية كارثية.
من منفاهما في موسكو، يتصور حسن ومخلوف سوريا ممزقة، ويسعى كل منهما للسيطرة على المناطق ذات الأغلبية العلوية.
وقد أنفق كلاهما، بحسب الوكالة، ملايين الدولارات في جهود متنافسة لبناء قوات، ويوجد نوابهما في روسيا ولبنان والإمارات العربية المتحدة.
ولمواجهة المتآمرين، تستعين الحكومة السورية الجديدة بموالٍ سابق آخر للأسد، صديق طفولة الرئيس أحمد الشرع، خالد الأحمد، حيث إن مهمة هذا الرجل، أصبحت إقناع الجنود السابقين والمدنيين العلويين بأن مستقبلهم يكمن في سوريا الجديدة.
ونقلت الوكالة عن محافظ طرطوس، أحمد الشامي، أن السلطات السورية على دراية بمخططات هذه المخططات ومستعدة لمواجهتها، وأكد وجود شبكة غرف القيادة، لكنه أشار إلى إضعافها.
وقال الشامي، “نحن على يقين من أنهم لا يستطيعون فعل أي شيء فعال نظرا لافتقارهم إلى الأدوات القوية على الأرض وضعف قدراتهم”.
لم تستجب وزارتا الداخلية اللبنانية والخارجية الروسية لطلبات التعليق، وصرح مسؤول إماراتي بأن حكومته ملتزمة بمنع استخدام أراضيها “لجميع أشكال التدفقات المالية غير المشروعة”.
المخططان الرئيسان، حسن ومخلوف، على خلاف شديد وتتضاءل آمالهما في كسب دعم روسيا، التي كانت في السابق أقوى داعم سياسي وعسكري للأسد، ويشكك العديد من العلويين في سوريا، الذين عانوا أيضًا في عهد الأسد، فيهما.
وتعمل الحكومة الجديدة على إحباط مخططاتهما.
رامي مخلوف: يمول ويخطط
باستخدام مديري أعمال موثوق بهم في لبنان والإمارات وروسيا، يحول رامي مخلوف الأموال إلى ضباط علويين مقابل رواتب ومعدات، بحسب مدير مالي وإيصالات وجداول رواتب اطلعت عليها “رويترز”.
وتُظهر الوثائق أن الأموال تُنقل عبر ضابطين سوريين بارزين اجتمعا مع مخلوف في موسكو، هما سهيل حسن وقحطان خليل، وكلاهما برتبة لواء.
وادّعى حسن وخليل أنهما قاما بإنشاء قوة لمخلوف يبلغ قوامها 54,053 مقاتلًا مستعدًا، من بينهم 18,000 ضابط ضمن 80 كتيبة ومجموعة في مدن حمص وحماة وطرطوس واللاذقية ومحيطها.
وقال مسؤول إماراتي، إن الحكومة تفرض رقابة صارمة على قطاعاتها الاقتصادية وتدعم بشكل كامل “جهود سوريا لحماية أمنها واستقرارها وسيادتها على جميع أراضيها”. وصرح مدير مالي لمخلوف أنه أنفق ما لا يقل عن ستة ملايين دولار على الرواتب.
وتشير جداول الرواتب وإيصالات الرواتب التي أعدها مساعدوه الماليون في لبنان إلى أنه أنفق 976,705 دولارات في أيار، وأن مجموعة من 5000 مقاتل استلمت 150 ألف دولار في آب الماضي، حيث يتراوح أجر كل مقاتل بين 20 و30 دولارًا شهريًا.
ووفقًا لخمسة قادة مجموعات عسكرية في سوريا يتقاضون رواتبهم من مخلوف، سعى فريق مخلوف إلى توفير الأسلحة، وقد حددوا مواقع محتملة لعشرات مخازن الأسلحة المخبأة خلال عهد الأسد، والتي يبلغ مجموعها بضعة آلاف من الأسلحة النارية.
كما أجرى هؤلاء القادة مناقشات مع مهربين في سوريا للحصول على أسلحة جديدة، وقال أشخاص مطلعون على هذه المناقشات إنهم لا يعلمون ما إذا تم شراء أو تسليم الأسلحة الجديدة بالفعل.
إجمالًا، قال القادة العسكريون المحليون، إنهم يقودون نحو 12 ألف جندي في مراحل مختلفة من الجاهزية، وصرح أحدهم لـ”رويترز” بأن الوقت لم يحن بعد للتحرك.
وأكد القادة الخمسة أنهم تلقوا أموالًا من رامي مخلوف وكمال حسن، رئيس المخابرات، ولم يروا أي مشكلة في تداخل مصادر التمويل.
كمال حسن: أعمال إغاثية وقرصنة
بعد أن تخلى عنه جيش الأسد، فر كمال حسن أولًا إلى سفارة الإمارات العربية المتحدة في دمشق، ثم لجأ إلى السفارة الروسية في كانون الأول 2024 لمدة أسبوعين تقريبًا، حيث قوبل بمعاملة سيئة من مضيفيه، الذين وفّروا له غرفة واحدة بكرسي صلب واحد فقط للجلوس.
واستقر حسن في نهاية المطاف في فيلا من ثلاثة طوابق بضاحية موسكو، وفقًا لضابط التقى به خلال الصيف. ومنذ ذلك الحين، التقى ماهر الأسد مرة واحدة، ويحافظ على علاقات وثيقة مع أنصار بشار الروس، وفقًا لشخصين مطلعين على تحركات حسن.
وبحسب منسق عمليات حسن في لبنان، أنفق 1.5 مليون دولار منذ شهر آذار على 12 ألف مقاتل في سوريا ولبنان.
قال رئيس المخابرات العسكرية في رسالة صوتية عبر “واتساب” في نيسان الماضي، بدا أنها موجهة للقادة، “اصبروا يا شعبي، ولا تُسلّموا سلاحكم. أنا من سيعيد لكم كرامتكم”. وأكد اثنان من المتلقين أن الرسالة منه.
في منتصف العام، أعلنت جمعية خيرية تُدعى “تنمية غرب سوريا” عن تأسيسها، وقالت إنها تتلقى تمويلها من “المواطن السوري اللواء كمال حسن”، وفقًا لأحد منشوراتها الأولية على “فيسبوك”.
ووصف ثلاثة ضباط مرتبطين بحسن، ومسؤول في المنظمة، الأمر بأنه غطاء إنساني يُمكّنه من بناء نفوذ بين العلويين.
في آب، دفعت المؤسسة الخيرية 80 ألف دولار لإيواء 40 عائلة سورية علوية، وفقًا لإعلان عن أولى خطواتها.
وفي الشهر نفسه، أرسل حسن 200 ألف دولار نقدًا إلى 80 ضابطًا في لبنان، وفقًا لوثيقة رواتب اطلعت عليها “رويترز”.
خلال الصيف، جنّد حسن أيضًا نحو 30 قرصانًا إلكترونيًا كانوا تابعين سابقًا لفرعه في الاستخبارات العسكرية، وفقًا لمساعد في موسكو وأحد القراصنة، وهو مهندس حاسوب. كانت أوامرهم تنفيذ هجمات إلكترونية ضد الحكومة الجديدة وزرع برامج تجسس في أنظمتها الحاسوبية.
بحلول أيلول، كانت مجموعات بيانات الحكومة السورية التي قال المهندس إن فريقه سرقها معروضة للبيع على الإنترنت المظلم مقابل مبالغ تتراوح بين 150 و500 دولار.
وعثرت “رويترز” على العديد من المجموعات التي حددها على الإنترنت، بما في ذلك قواعد بيانات تتضمن تفاصيل موظفي وزارتي الاتصالات والصحة.
وقال المهندس، إن رئيس المخابرات السابق حسن يخطط لهجوم متعدد الجوانب لاستعادة مكانته في سوريا. وأضاف، “اللواء كمال يعلم أن الحرب ليست على الأرض فحسب، بل على كل جبهة”.
امتناع روسي عن الدعم
حتى الآن، امتنعت روسيا عن دعم حسن ومخلوف، وفقًا لستة أشخاص مطلعين مباشرة على محاولات المنفيين كسب ود الكرملين.
وبينما تؤوي موسكو المنفيين، أوضحت الحكومة الروسية أن أولويتها هي استمرار الوصول إلى القواعد العسكرية التي لا تزال تديرها على الساحل السوري، وفقًا لدبلوماسيين مطلعين على الموقف الروسي.
في سعيها للحصول على مساعدة روسية، كانت إحدى الشخصيات الرئيسة الضابط السوري الكبير أحمد الملا، الحاصل على الجنسية الروسية منذ بداية الحرب في سوريا.
وتوسط الملا في اجتماعات غير رسمية منفصلة في موسكو، بدءًا من آذار، بين مسؤولين روس ونائبي حسن ومخلوف المقيمين في روسيا، وفقًا لمحضر مكتوب بخط اليد لأحد الاجتماعات ووفقًا للملاحظات، قال الروس للمنفيين، “نظّموا أنفسكم، ودعونا نرى خططكم”.
لكن الاجتماعات بين المسؤولين الروس وأتباع الأسد أصبحت نادرة، وفقًا لشخصين مطلعين على جدولها.
وأوضحا أنها لم تُعقد منذ زيارة الرئيس الشرع لموسكو في تشرين الأول الماضي.
خلال الزيارة، ناقش الشرع قضية حسن ومخلوف مع الحكومة الروسية، وفقًا لما ذكره، محافظ طرطوس. وأضاف الشامي أن روسيا ولبنان، على نحو منفصل “أعربتا عن استعدادهما لزيادة التنسيق ومنع أي نشاط لهؤلاء الأفراد داخل أراضيهما”.
ولم يكن على علم بأي اجتماعات قد يكون عقدها المخططون مع مسؤولين روس.
وقال أحد الدبلوماسيين، إن اجتماع الشرع في الكرملين “أرسل إشارة إلى المتمردين العلويين: لم يكن هناك أحد في الخارج قادم لإنقاذهم”.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي
