تذبذب الليرة السورية يسبب تخبطًا في سوق الصاغة

يعيش سوق صاغة الذهب في سوريا تراجعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، نتيجة للأزمات الاقتصادية التي أثرت على جميع القطاعات وتدهور قيمة الليرة السورية، ما جعل تجار وحرفيي الصاغة أمام تحديات لمواجهة هذه الأزمات.
ويعاني حرفيو صاغة الذهب ركودًا في عمليات بيع وشراء الذهب، ورغم الانخفاض الملحوظ في سعر الذهب بعد سقوط نظام الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، لم يسهم ذلك في تحسن حال البيع والشراء، بحسب بعض الحرفيين في دمشق.
وصلت قيمة غرام الذهب اليوم، الأربعاء 19 من آذار، “عيار 18” قيراطًا إلى 765 ألف ليرة للبيع، أما الشراء فبلغ 755 آلاف ليرة، في حين سجل “عيار 21” للمبيع 890 ألف ليرة، أما الشراء 880 ألف ليرة، وفق نقابة الصاغة في دمشق.
ويقابل سعر صرف الدولار 10000 ليرة سورية وسطيًا في السوق السوداء، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات.
وكان سعر غرام الذهب، في نيسان 2024، تجاوز حاجز المليون ليرة لأول مرة، إذ سجل حينها مليونًا و19 ألف ليرة سورية لـ”عيار 21″، و874 ألف ليرة سورية لـ”عيار 18″، بحسب موقع الليرة اليوم.
تخبط في المبيع والشراء
الصائغ شادي، مالك محال “مجوهرات كاتيا” في دمشق، قال ل، إن حالة المبيع والشراء في أغلب الأوقات تشهد ركودًا، إذ تراجع عمله وانخفض نسبة المبيعات إلى 40% منذ شهرين.
ورجح شادي تراجع الشراء لانخفاض دخل الفرد، فـ”نحن في وضع يبحث فيه الناس عن لقمة الأكل، والأكيد أن شراء الذهب في هذا الوضع المتردي خارج عن تفكيرهم”.
بالمقابل، يرى مالك مجوهرات “اللؤلؤة” في منطقة القصاع بدمشق، أن أغلب الزبائن لجؤوا إلى شراء قطع الذهب مع انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي، فعندما وصل الدولار إلى 8500 ليرة، شهد عدد من الصاغة حركة في الشراء استغلالًا لفرصة انخفاص قيمة الذهب.
المواطن أحمد، أحد الزبائن الذي صادفته في محل للصاغة بمنطقة القصاع، أوضح أنه يلجأ لتحويل الدولار إلى ذهب، تجنبًا لخسارة بقيمة الدولار.
وقال إنه يتعرض للاستغلال عند تحويل الدولار إلى الليرة السورية، لأن الصرافين المتجولين في الشوارع يصرفون على سوق السوداء وبأقل من تسعيرة المصرف المركزي المثبتة عند 13200 ليرة.
تذبذب سعر الصرف
تشهد الليرة السورية تحسنًا أمام العملات الأجنبية، فقبل سقوط النظام استقر سعر صرف الدولار لأشهر عند 15000 ليرة، في السوق السوداء، بينما يسجل الدولار اليوم 10000 ليرة.
هذا الانخفاض الملحوظ بسعر الصرف وحصر المواطن السوري بالتصريف في السوق السوداء، لامتناع المصرف المركزي عن التصريف واتباع سياسة حبس السيولة، دفع العديد من تجار الصاغة، للامتناع عن بيع الذهب والاكتفاء فقط بالشراء، تجنبًا للخسارة.
في حين يرى بعض التجار أن هذه فرصة لكسب مزيد من الأرباح، فيعوضون خسارة التصريف برفع أجور الصياغة لقطعة الذهب، فمثلًا إذا أراد أحد الزبائن شراء محبس ذهب، يضيف الصاغة أجور صياغة من 500 ألف إلى 700 ألف ليرة تقريبًا، وهناك تجار يتقاضون تكلفة أكبر.
ويعتمد تحديد تكلفة الصياغة لقطع الذهب على نوعه، فالصاغة يتقاضون أجورًا أكبر عن الذهب “الطلياني” مقارنة بأنواع أخرى.
تدني مستوى المعيشة
سعد فلوح، خريج هندسة مدنية ويعمل في مكتب هندسي، عبر عن معاناته في تأسيس أسرة باتت حلمًا بالنسبة له، فتكاليف الخطوبة وشراء المحابس، وصعوبة تأمين إيجار المنزل، تحديات تقف في وجهه وتجعله يعزف عن اتخاذ هذه الخطوة.
“كان الحل المنقذ لنا بيع صيغتي بالكامل لننقذ أسرتنا من الفقر”، بهذه العبارات تحدثت المواطنة أمينة خولاني، عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي مرت بها مع زوجها، إذ اضطرت لبيع مقتنياتها من الذهب لتساعد زوجها في تحسين حالتهما المعيشية، ودفع تكاليف المعالجة الفيزيائية بعد أن تعرض زوجها لإصابة عمل جعلته عاجزًا عن المشي.
أدى الوضع الاقتصادي المتردي والظروف التي عاشها السوريون في ظل الحرب والتهجير والنزوح واللجوء إلى تغير أولوياتهم، وباتوا يقتصرون على توفير الحاجات الأساسية.
أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرًا، في 20 من شباط الماضي، قال إن 9 من كل 10 أشخاص في سوريا يعيشون في فقر، وإن واحدًا من كل أربعة عاطل عن العمل.
وبحسب تقرير نشره البنك الدولي، طال الفقر 69%، أي نحو 14.5 مليون سوري لعام 2022، أي واحد من كل أربعة سوريين، مما يزيد من الضغوط الاقتصادية على الأسر.
غياب الأمان
“واجهات فارغة” للعديد من محال صاغة الذهب في دمشق، مشهد اعتاده المواطنون في دمشق، إذ لجأ العديد من الصاغة لترك واجهة محالهم فارغة، تخوفًا من الاعتداء عليهم والسرقة.
ففي شباط الماضي، ضجت محافظة دمشق بجريمة قتل صاحب محل المجوهرات الصائغ فراس البحرة في حي العفيف بمنطقة الجسر الأبيض.
وبحسب رئيس قسم شرطة الصالحية بدمشق، العقيد مهند جرقوم، فإن التحقيقات تُفيد بأن الجريمة حدثت بدافع القتل، وليس بدافع السرقة، لأنه لم يحدث أي سرقة من ممتلكات المحل.
وتوقع أن تكون دوافع الجريمة إما بهدف الانتقام من الصائغ، أو أن المتهم قام بجريمته بناء على طلب أحد أو جهة ما، أي أنه “قاتل مأجور”.
وبلغ عدد الجرائم الجنائية والقتل ضد مجهول منذ مطلع عام 2025 في محافظات سورية متفرقة ما يقارب 40 جريمة، حسب ما نشرته وزارة الداخلية السورية في قنواتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما شهدت عدة مناطق سورية جرائم مختلفة، بدوافع السرقة والمشاجرات العائلية والثأر وتجارة المخدرات، وأخرى سجلت ضد مجهول.

واجهة فارغة لأحد محلات صاغة الذهب في دمشق- 13 آذار 2025 (/كريستينا الشماس)
تداعيات الأزمة الاقتصادية
شهد سوق الذهب في سوريا تقلبات حادة نتيجة الاضطرابات الاقتصادية المتلاحقة، فمنذ عام 2011، تعرض الاقتصاد السوري لانكماش حاد، ما أدى إلى عجز متزايد في الميزانية العامة وتراجع الإيرادات الحكومية، الأمر الذي أثر على استقرار الأسواق، بما في ذلك سوق الذهب.
أحدث ذلك تراجعًا في نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من 25% لعام 2011 إلى 7.5% لعام 2020، وأسهم هذا العجز في عدم قدرة الحكومة على سد احتياجات الأفراد، بحسب دراسة للباحث محمد علي عبد الله، عن “الآثار الاقتصادية والاجتماعية المحتملة للأزمة السورية”.
وبحسب تقدير موقف لمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” بعنوان: “الموازنة العامة في سوريا لعام 2019: أداة لتمويه الواقع الاقتصادي”، فإن هنال العديد من العوامل التي أثرت على انهيار سعر الصرف الليرة السورية تتمثل بـ:
- انهيار الناتج القومي الإجمالي.
- تقليص الإيرادات العامة.
- زيادة الدين العام.
- تخصيص الموارد على الإنفاق العسكري.
- استنزاف الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية
أرسل/أرسلي تصحيحًا
مرتبط
المصدر: عنب بلدي