ترخيص المصارف يثير تساؤلات حول قدرة وأهداف “الإدارة الذاتية”
– جنى العيسى
أصدرت “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا خلال الفترة الماضية سلسلة قرارات اقتصادية، تهدف لتنظيم قطاع الأموال في مناطق سيطرتها.
أحدث هذه القرارات صدر نهاية كانون الثاني الماضي، تمثل بتنظيم ترخيص عمل المصارف المحلية والأجنبية في المنطقة، وفق 40 مادة شملت بنودًا متعددة.
ووفق القرار، يحظر على أي شخص أن يباشر أيًا من الأعمال المصرفية في مناطق “الإدارة” دون الحصول على ترخيص خطي مسبق وفق عدة شروط.
وعرّف القرار الأعمال المصرفية بالنشاط الذي يتضمن قيام المصارف المرخصة بقبول الودائع من الجمهور أو من مصادر التمويل الأخرى واجبة الدفع، وذلك بغرض الاستثمار ومنح الائتمان، والأنشطة التي تمارسها المصارف المتخصصة والأعمال التي تمارسها المصارف الإسلامية، أو أي عمل يسمح به القانون.
ويفتح القرار الباب أمام التساؤلات حول ما وراء رغبة “الإدارة الذاتية” بتنظيم عمل المصارف، ومدى قدرتها على ذلك.
حاجة لمستودعات نقدية
يعتقد الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” مناف قومان، أن ما يدعو لإنشاء المصارف في شمال شرقي سوريا عدة أسباب، أبرزها وفرة الموارد الطبيعية ومبيعات النفط والتجارة مع مناطق سيطرة النظام السوري والمعارضة في شمال غربي سوريا، والحصول على النقود بالدولار الأمريكي والليرة.
ويرى قومان في حديث إلى، أنه في ظل المعطيات الحالية، قد تكون هناك حاجة لوجود مستودعات نقدية لحفظ الأموال، ومن ثم توزيع الرواتب والأجور على المواطنين، لذا قد تضطلع المصارف بأدوار كهذه، وفق قوله.
شكّلت عائدات مبيع النفط النسبة العظمى من إيرادات “الإدارة الذاتية” لعام 2022، بنسبة وصلت إلى 77.3%، بحسب ما أعلنه الرئيس المشترك لـ”هيئة المالية”، أحمد يوسف، في أيلول 2023، موضحًا أن إجمالي الإيرادات من العائدات النفطية وصل إلى نحو 604 ملايين دولار أمريكي، مشيرًا إلى أن النسبة المتبقية من الإيرادات جرى تحصيلها بالاعتماد على الجمارك والعائدات الضريبية وإيرادات أخرى.
وفي 2021، كانت نسبة الاعتماد على النفط في موازنة “الإدارة” 92% من إجمالي الإيرادات، بينما بلغت نسبة إيرادات الجمارك 7%، وبقية الإيرادات 1%.
نحو المركزية
سبق هذا القرار قرارات متشابهة تهدف إلى ضبط الاقتصاد وقطاع الأموال، ما يشير إلى توجه واضح لدى “الإدارة الذاتية” بدفع أمريكي نحو مركزية الإدارة المالية في المنطقة، كنوع من أنواع الشروط للتمويل الاقتصادي لها، والتوجه نحو عمل مؤسساتي أكثر من كونها “ميليشيا” تسيطر على المنطقة، بحسب حديث سابق لعدة خبراء مع.
اقرأ أيضًا: أمريكا “تدير“.. “الإدارة الذاتية” تملأ خزائنها من جيوب التجار
وفي كانون الأول 2023، أصدرت “الإدارة” قانونًا يضبط عمليات نقل الأموال من وإلى مناطق سيطرتها شرق نهر الفرات، سواء عبر مناطق السيطرة الأربع، أو عبر حدودها مع كردستان العراق.
سبقه، في آب 2023، تحديد الحد الأدنى لرأسمال شركات ومكاتب الصرافة العاملة في مناطق سيطرتها، وفق قانون “تنظيم أعمال الصرافة والحوالات” الصادر عنها.
كما أصدرت “الإدارة” قانونًا يهدف لتنظيم تجارة المعادن الثمينة وتصنيعها، تضمن إجراءات الترخيص ومزاولة المهن المتعلقة بهذه التجارة.
لا جدوى فعلية
من يقوم بهذه الخطوات المتعلقة بتنظيم الاقتصاد في شمال شرقي سوريا وسط عدم التوصل لحل سياسي لعموم سوريا أو لتفاهمات ثنائية على أقل تقدير، يدرك أنه يلعب على وتر الترويج الإعلامي للمنطقة، والقيام بأدوار حوكمية في الاقتصاد ولو كانت شكلية، واستباق أي خطوة في المستقبل قد تمهّد لحلول سياسية، وفق ما يرى الباحث الاقتصادي مناف قومان.
وأوضح قومان أن هناك رصيدًا من خمس سنوات في عهدة “الإدارة الذاتية” منذ تسلمها حكم المنطقة بعد إنهاء سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، لم يتحسن خلالها الاقتصاد، ولم تتحسن إدارة الموارد الطبيعية بالشكل الذي ينتفع فيه السكان.
كما لم تلحظ في النموذج الاقتصادي المتبع والقائم على الاشتراكية والمؤسسات الاستهلاكية والتعاونيات أي تجربة فريدة أو نجاح يمكن الاعتداد به في المستقبل، لهذا كله، لا يمكن التعويل على قوانين لإنشاء وترخيص بنوك ومؤسسات مالية، بحسب قومان.
لا رقابة بغياب المصارف
يصعب تعقّب كيفية تحصيل وإنفاق إيرادات الميزانية الخاصة بـ”الإدارة الذاتية”، إلا أن الموارد الأساسية لها تأتي من مبيعات النفط، والضرائب والرسوم على الدخل، والرسوم على المواد والبضائع المستوردة، بحسب دراسة أجراها الباحث الاقتصادي سنان حتاحت، نُشرت ضمن برنامج “مسارات الشرق الأوسط” في كانون الثاني 2020.
وأوضحت الدراسة أن “هيئة المالية” هي المؤسسة المركزية في “الإدارة الذاتية” المسؤولة عن إدارة مالية المنطقة، علمًا أن للمجالس المحلية أيضًا الحق في جباية الضرائب وفرضها، وجمع الإيرادات التي تفرض على معظم المهن والحرف، بما في ذلك المؤسسات الصغيرة مثل الباعة المتجولين، والمحال التجارية، والنقل العام.
تبرر “الإدارة الذاتية” هذه التدابير على أنها تهدف إلى تمويل الخدمات العامة، ولكن يوجد اعتقاد عام بأن نوعية تقديم الخدمات لا تتناسب مع كمية الضرائب المُحصَّلة.
وتقع الضرائب التي تجبيها “الإدارة” والمجالس المحلية في فئتين رئيستين، أولاهما الرسوم على تسجيل الشركات، أو مزاولة مهنة، أو رخص البناء، أو الخدمات التي تقدمها الإدارات على المستوى المحلي، ومستوى “الكانتون” (التقسيم الإداري للمنطقة)، والثانية ضريبة الدخل على الرواتب.
أشارت الدراسة إلى أن التقارير الواردة من داخل “الإدارة الذاتية” تتضارب حول كمية الرسوم التي تفرضها المؤسسات التابعة لها، ما يثير الشكوك حول طابعها التعسفي، أو العجز عن تطبيق المعايير نفسها على المنتجات أو القطاعات الجغرافية كافة، وعلى الرغم من وضوح الضريبة، تكاد آليات المراقبة تكون غير موجودة، في ظل غياب نظام مصرفي أو مالي موحد يمكن السلطات المالية من تتبع معاملات المواطنين المالية.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي