تركيا تجند سوريين للقتال في إفريقيا بإشراف “السلطان مراد”
باتت النيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا غربي إفريقيا محطات لمقاتلين من سوريا، بعدما بدأت أنقرة بتجنيدهم عبر فصائل في “الجيش الوطني السوري”، ونقلتهم من الشمال السوري إلى تلك الدول مقابل مبالغ مالية.
تحت راية فرقة “السلطان مراد” في “الجيش الوطني”، يجري تجنيد وضم مقاتلين ومدنيين من مناطق شمال غربي سوريا، ثم يدخلون إلى الأراضي التركية، ومنها إلى دول غربي القارة السمراء.
المسار لهذه الرحلة غامض في بعض تفاصيله، استطاعت استكشاف أجزاء منه، لأن المقاتلين ممنوعون من حمل أجهزة الهواتف، وتنتهي آخر محطة لهذه الأجهزة في قرية حوار كلس الحدودية مع تركيا بريف حلب، بعد تجميع المقاتلين لنقلهم.
تحت راية “السلطان مراد”
منذ نحو سبعة أشهر، بدأت فرقة “السلطان مراد” التي يقودها فهيم عيسى، العمل على إرسال مقاتلين من الشمال السوري إلى تلك الدول مرورًا بتركيا، مقابل مبالغ مالية تراوحت من 1000 إلى 1500 دولار أمريكي، وفق عائلات لمقاتلين تحدثت إليهم.
ولا يقتصر الأمر على مقاتلين ضمن صفوف الفرقة، إنما كل من يرغب بالانتساب، من مدنيين ومقاتلين في غير فصائل، لكن الإشراف على جميع تفاصيل التجنيد يتم من خلال فرقة “السلطان مراد”.
وتعد فرقة “السلطان مراد” من أبرز فصائل “الجيش الوطني”، والذي يتألف من ثلاثة فيالق، ولا يوجد عدد ثابت لعناصره، إذ قال “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة“، إن عددهم 80 ألف مقاتل في 2019، في حين ذكر تقرير لمعهد “الشرق الأوسط”، في تشرين الأول 2022، أن التشكيل يجمع من 50 ألفًا إلى 70 ألف مقاتل.
لباس داخلي فقط
مقاتل ممن التحق بالتجنيد في إفريقيا، قال ل قبل أن يصل إلى حوار كلس بريف حلب وينقطع التواصل معه، إن المطلوب ممن يريد الانتساب هوية أو أي إثبات شخصي (هوية شخصية من المجالس المحلية في ريف حلب) أو وجود إخراج قيد مثلًا، ويتم تسليم هذا الإثبات لذاتية الفرقة، إلى جانب الهاتف.
وليس مطلوبًا من العنصر أن يجلب أي شيء سوى لباس داخلي، لأن الفرقة ستمنحه متطلباته من لباس وغيره، مقابل مبلغ مالي 1500 دولار أمريكي لكل شهر، وفق المقاتل.
الشخص الذي قابلته لم يكن عسكريًا مع أي فصيل خلال العامين الماضيين، وذكر ل أنه سمع عن قصة التجنيد، وسأل عناصر يعرفهم في الفرقة، وبدورهم أضافوه إلى مجموعة تواصل عبر “واتساب” فيها عشرات الأشخاص، من أجل التنسيق للانتساب.
وأضاف أن العناصر الذين يرغبون بالذهاب إلى إفريقيا يتجمعون عند نقطة محددة في ريف حلب أو إدلب، قرب معبر “دير بلوط” الداخلي مثلًا، ثم تأتي سيارات تتبع لفرقة “السلطان مراد” وتنقلهم إلى مركزية الفصيل أو إلى نقطة عسكرية تابعة له.
وبالنسبة للعسكريين، طلبت منهم الفرقة ارتداء لباسهم العسكري مع اصطحاب لباس داخلي، أما المدنيين ممن انتسبوا، فليس مطلوب أن منهم ارتداء لباس عسكري حين الاجتماع عند نقطة محددة لنقلهم.
المهمة غير واضحة بالنسبة للمقاتل، لأن هناك روايتان وفق المعلومات لديه، الأولى هو حماية القواعد التركية في إفريقيا، أو حراسة لفرق التنقيب التركية التي أبرمت عقودًا مع تلك الدول للتنقيب عن الذهب هناك، والرواية الثانية هي القتال.
وذكر ل أن دافعه للذهاب هو المال لإعالة أسرته، فهو مهجر من ريف حماة إلى إدلب منذ ست سنوات، ولا يوجد فرص عمل لتأمين أدنى مقومات الحياة في الشمال السوري.
عقود بمدة محددة
مصدر في فرقة “السلطان مراد” قال ل إن من يدير عملية التجنيد في الشمال السوري هو قائد الفرقة فهيم عيسى.
وأوضح المصدر أن الالتحاق يكون حصرًا عن طريق “السلطان مراد”، حتى لو كان العناصر ضمن فصائل أخرى، فعليهم تقديم أوراقهم إلى ذاتية الفرقة، وحتى لو أراد فصيل كامل الالتحاق، فعليه أن ينتسب تحت مسمى “السلطان مراد”.
وذكر المصدر أن الفرقة تبرم عقودًا مع العناصر مدتها ستة أشهر وسنة وسنة ونصف، وأن الوجهة هي النيجر، دون تأكيد عن وجود وجهات أخرى للمقاتلين، وأن الغرض الأساس هو حماية القواعد التركية فيها.
رفض المصدر تقديم أي معلومات إضافية، لكنه لفت إلى أن التجنيد سيتوسع لضم عدد أكبر، كما أن الوجهة ستصبح إلى خمسة دول إفريقية متجاورة.
وفي كانون الثاني 2024، حصلت على قائمة تضم 62 اسمًا مرفقًا بمكان وتاريخ الولادة، ممن ذهبوا إلى حوار كلس ومنها إلى تركيا ومنها إلى إفريقيا، دون معرفة الوجهة الأخيرة.
وتتراوح أعمار العناصر من 20 عامًا حتى 43 عامًا، معظمهم في هذه الدفعة، كانوا من مناطق ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي (خان شيخون، الهبيط، الللطامنة، التريمسة، قلعة المضيق).
عائلة مقاتل ذكرت ل أنها حصلت على راتب شهرين من قبل فرقة “السلطان مراد”، بعد أن التحق ابنها للقتال في إفريقيا، وقال الأب إن ابنه خضع مع مقاتلين لفحص طبي في عفرين من قبل فصيل “السلطان مراد”، وبصم على عقد مدته ستة أشهر.
وأضاف الأب أن المكالمات مع المقاتلين في إفريقيا تتم عبر هواتف الضباط الموجودين هناك، لضمان عدم الاستفسار أو السؤال إلا على صحة وسلامة الشخص، والحرص على عدم الإدلاء بأي معلومة أخرى.
تواصلت مع المكتب الإعلامي لفرقة “السلطان مراد”، للحصول على توضيحات حول المعلومات الواردة، لكنها لم تتلقَ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.
رواتب مغرية
تعد الرواتب الممنوحة للمقاتلين مقابل خدماتهم في إفريقيا مرتفعة، مقارنة بما يحصلون عليه في الشمال السوري، أو حتى مقارنة بأجور العمال، إذ أجرة العامل يوميًا في أحسن الأحوال إلى 100 ليرة تركية (نحو ثلاثة دولارات أمريكية)، بينما وصل حد الفقر المعترف به إلى 10843 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع إلى 8933 ليرة.
وتختلف رواتب العناصر من فصيل لآخر ومن منصب لآخر أيضًا، وبطريقة تسليمها سواء عبر قائد الكتيبة أو المجموعة أو عن طريق التسليم باليد في المقار، وتصل الرواتب من الجانب التركي إلى غرفة العمليات في قرية حوار كلس بريف حلب الشمالي، وتضم الغرفة قيادات في “الجيش الوطني”، وتعمل بالتنسيق مع القوات التركية.
مطلع شباط الماضي، تداولت قنوات وغرف “تلجرام” (واسع الانتشار بالمنطقة) أخبارًا حول زيادة رواتب المقاتلين ضمن صفوف “الجيش الوطني” بنسبة 100%، ليصبح راتب العنصر 2000 ليرة تركية، دون قرار رسمي بذلك.
وبحسب ما علمته من مقاتلين التقتهم فإن الزيادة كانت متفاوتة، وتراوحت بين 80 و90%، كما تواصلت مع وزير الدفاع في “الحكومة المؤقتة” للتأكد من هذه الزيادة وتوضيح آلية منح الرواتب للمقاتلين، لكنها لم تتلقَّ ردًا حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
القيادي في “الجيش الوطني السوري”، مصطفى سيجري، (معتقل حاليًا) قال إن مقاتلي “الوطني” مُنحوا زيادة 100% للمنح المالية الشهرية الثابتة، بالإضافة لموارد مالية وعائدات شهرية من المعابر الداخلية والخارجية بعد توحيد الصندوق المالي وتسليم المعابر الداخلية لإدارة الشرطة العسكرية.
وأضاف أن حصة الفرد الواحد لمقاتلي “الجيش الوطني” على سبيل المثال لا الحصر في كانون الثاني الماضي كانت 3800 ليرة تركية للفرد الواحد، موزعة على النحو التالي 2000 ليرة تركية للمقاتل وهي منحة شهرية ثابتة، بالإضافة إلى 40 دولارًا أمريكيًا حصة المعابر الخارجية، و17 دولارًا حصة للمعابر الداخلية (الدولار الأمريكي يعادل 33 ليرة تركية).
ولا تصل الرواتب بعد الزيادة إلى المبلغ الذي ذكره سيجري، بحسب ثلاثة مقاتلين من فيالق مختلفة التقتهم، وكانت الزيادة من 600 إلى 1000 ليرة، ومن 700 إلى 1300 ليرة تركية.
ليس جديدًا
وسبق أن أرسلت فصائل “الجيش الوطني” برعاية تركية، عناصر للقتال إلى جانب قوات “حكومة الوفاق” الليبية، ضد قوات اللواء خليفة حفتر.
ورغم نفي “الجيش الوطني” ل، في 2019، المعلومات الواردة عن عرض تركي لإرسال مقاتلين من قواته إلى ليبيا، ونفي الحديث عنه مع الجانب التركي، إلا أن تأكدت من وصول مقاتلين إلى ليبيا، وإلى أذربيجان أيضًا.
وتدعم تركيا قوات حكومة “الوفاق” المعترف بها دوليًا في ليبيا، وأذربيجان في معاركها ضد أرمينيا.
ونفذت تركيا بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري” ثلاث عمليات عسكرية داخل سوريا، هي “درع الفرات” وشملت مناطق اعزاز وجرابلس والباب ومارع والراعي، وعملية “غصن الزيتون” وشملت عفرين ونواحيها، و”نبع السلام” وشملت مدينتي تل أبيض ورأس العين.
مرتبط
المصدر: عنب بلدي