فيما بدا أنه استجابة لضغوط متصاعدة من داخل معسكره السياسي، دعا الرئيس الأميركي دونالد ترمب للكشف عن محاضر “هيئة المحلفين الكبرى” المتعلقة بـ”قضية إبستين”، أحد أكثر الفضائح الجنسية إثارة للجدل في التاريخ الأميركي، نزولاً على طلب أنصاره من حركة “اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً” المعروفة اختصاراً بـ”ماجا” (MAGA).
لكن محامين أميركيين، مثّلا إبستين وضحاياه، قالا إن المعلومات التي يبحث عنها أنصار ترمب، “ليست موجودة في المحاضر التي طلبت الإدارة كشف السرية عنها”.
وأثار رفض إدارة ترمب الكشف عن “كافة أوراق القضية”، التي اتهم فيها المليونير الراحل جيفري إبستين بإدارة “شبكة اتجار جنسي”، انتقادات واسعة للرئيس، إذ أشارت استطلاعات رأي أن قطاعاً كبيراً من الأميركيين، بمن فيهم مؤيدوه، يرون أن الإدارة “تخفي معلومات” بشأن الفضيحة ذائعة الصيت.
الاتهامات، عززتها تقارير عن “علاقة صداقة” مزعومة بين ترمب وإبستين، إذ نشرت “وول ستريت جورنال” محتوى رسالة تضمنت إيحاءات جنسية، نسبتها الصحيفة لترمب وقالت إنه أرسلها لإبستين عام 2003، وهو ما نفاه الرئيس قبل أن يرفع دعوى تشهير ضد الصحيفة.
الضحية الأولى.. و”هيئة المحلفين الكبرى”
بعد أسابيع من تمسك إدارة ترمب بعدم الكشف عن أوراق قضية “جيفري إبستين”، قال الرئيس الأميركي، إنه وجّه وزارة العدل للحصول على إذن قضائي، برفع السرية عن “كل الشهادات ذات الصلة من هيئة المحلفين الكبرى”، في القضية المثيرة للجدل.
وفي حوار مع “الشرق”، قال سبينسر كوفين، المحامي الذي مثّل 9 من ضحايا إبستين، إن “شهادات هيئة المحلفين الكبرى” تعود إلى مراحل مبكرة جداً من القضية التي واجهها إبستين في عام 2005، “عندما ظهرت ضحيته الأولى للعلن”.
وفي مارس عام 2005، تلقت شرطة “ويست بالم بيتش” بولاية فلوريدا، بلاغاً من أمّ أفادت أن ابنتها البالغة 14 عاماً، تعرّضت لاعتداء جنسي على يد رجل ثري يُدعى جيفري إبستين، لتبدأ تحقيقات دامت على مدار السنوات الثلاث اللاحقة.
وتوصّلت التحريات حينها، إلى أن إبستين استدرج فتيات أخريات وسهل “دعارة قاصرات” لشركاءَ وزوّارٍ ترددوا على قصره الفخم للحصول على “خدماته الجنسية”، ورغم ذلك لم تجرْ القضية على النحو الذي أراده الضحايا.
فبحسب كوفين، أفلت إبستين من المحاكمة، وبدلاً من ذلك “عُرضت نتائج التحقيقات على هيئة محلفين كبرى”، وهي آلية قانونية للفصل في “كفاية الأدلة” في قضية ما، قبل تحويلها رسمياً إلى المحكمة، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة.
أُغلقت القضية في عام 2008 بتسوية قضائية يصفها كوفين بـ”المثيرة للجدل”، حيث اعترف إبستين بموجبها بتهمتين بسيطتين على مستوى ولاية فلوريدا، مقابل عدم ملاحقته قضائياً، هو أو شركائه المزعومين على المستوى الفيدرالي.
ولم تشمل “محاضر هيئة المحلفين الكبرى” شهادات كل “ضحايا إبستين”، فبعد عشر سنوات، أثارت صحيفة “ميامي هيرالد”، القضية من جديد، حين نشرت شهادات ضحايا “لم يخرجن من قبل إلى العلن”، ما أجبر الحكومة على إعادة التحقيق ضد إبستين، واعتقاله لنحو شهر، قبل أن يُعثر عليه ميتاً في زنزانته بأحد سجون نيويورك في أغسطس عام 2019.
وقالت الشرطة حينها إن إبستين “مات منتحراً”، وهو ما يراه كوفين “إخفاقاً ثانياً”، فبموت المتهم الأساسي “دُفنت معه إلى الأبد معلومات سعى الجمهور لمعرفتها”.
وألقى وزير العدل الأميركي في إدارة ترمب الأولى، ويليام بار، باللوم على إدارة سجن ميتروبوليتان الإصلاحي في نيويورك، لفشلها في منع انتحار إبستين “الذي كان يواجه اتهاماً خطيراً”.
وفتح انتحار إبستين في محبسه باباً لمزاعمَ رافقت قضيته منذ بدايتها، كان أبرزها أنه احتفظ بـ “قائمة عملاء” تشمل نافذين وأثرياء حصلوا على خدماته الجنسية، وأن هؤلاء ضغطوا لاحقاً لإبقاء أوراق التحقيقات تحت السرية، وهو ما اعتبره مراقبون “نظريات مؤامرة”.
من جانبه، يرى محامي الضحايا، سبينسر كوفين، أن تلك المزاعم ينبغي التعامل معها بجدية، مشيراً إلى أن القضية بأكملها بدأت كنظرية مؤامرة، أن “مليونيراً يعيش في بالم بيتش كان يتحرّش بالفتيات الصغيرات، وهو ما لم يصدّقه الكثيرون حتى استطعنا، كمحامين، إثبات صحة تلك الاتهامات”.
قائمة العملاء “المزعومة”
منذ رحيل جيفري إبستين، ساد اعتقاد بين أنصار تيار MAGA، بوجود حلقة مفقودة في قضيته، التي أشرفت على تحقيقاتها إدارتا باراك أوباما، وجو بايدن الديمقراطيتان، لذا طالب مؤثرو الحركة مراراً بالإفراج عن أوراق القضية.
وخلال حملته الانتخابية في 2024، أبدى دونالد ترمب، استعداداً للكشف عن وثائق إبستين، وما أن وصل ترمب إلى السلطة، حتى تعالت دعوات مؤيديه للوفاء بوعده السابق.
وقال دانيال هالين، أستاذ الاتصال السياسي لـ”الشرق”، إن وسائل الإعلام المحسوبة على التيارين المحافظ والليبرالي، تتفق على مسألة واحدة في تغطية قضية إبستين، وهو وصفها بـ”الفضيحة”، مشيراً إلى أن الزخم الإعلامي الذي حظيت به مؤخراً أعادها بقوة لصدارة الاهتمام.
وتركز اهتمام أنصار MAGA، على كشف “قائمة العملاء”، التي زُعم أن إبستين وثق فيها أسماء “زبائنه” وساد اعتقاد بين مؤثري الحركة البارزين لوقت طويل، ومنهم كاش باتيل، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الحالي، أن الديمقراطيين لم ينشروها “نظراً لطبيعة الأسماء الواردة فيها”.
وفي فبراير الماضي، سُئلت وزيرة العدل الأميركية، بام بوندي، في حوار مع “فوكس نيوز”، عن تلك القائمة، فقالت إنها “موجودة على مكتبها” لإجراء “مراجعة شاملة”، بناءً على تعليمات الرئيس ترمب.
وفي اليوم التالي، وزّعت الوزارة مجلدات حملت عبارتي “ملفات إبستين: الدفعة الأولى”، و”رُفعت عنها السريّة”، ولكن سرعان ما اتضح أن السجلات المُوزعة تشمل إما معلومات قديمة، أو مستندات طُمس محتواها بشدة، فيما لم تضم تلك القائمة التي يزعم أنها تضم عملاء إبستين.
وفي أوائل شهر يوليو، أفادت مذكرة داخلية صادرة عن وزارة العدل بأن “إبستين مات منتحراً”، كما أن أوراق قضيته لا تشمل “قائمة العملاء” المزعومة.
لكن ذلك ارتد على إدارة ترمب سريعاً، فوفقاً لاستطلاع أجرته صحيفة “إيكونوميست” ومعهد YouGov أبدى 79% من الأميركيين رغبتهم في أن تفرج الولايات المتحدة عن “كل الوثائق المتعلقة بملف إبستين”، كما أبرز الاستطلاع نفسه أن 67% من الأميركيين يعتقدون أن الحكومة “تخفي عمداً” أدلة في تلك القضية، وأن 50% من قاعدة ترمب الانتخابية يتبنون ذلك الاعتقاد.
وقال محامي ضحايا إبستين، سبينسر كوفين لـ”الشرق” إن القضية وإن لم تضم “قائمة عملاء” بشكل صريح، فإن أوراقها تشمل أسماء شخصيات “لم يُعلن بعدُ عن ارتباطها بإبستين”، لكنه امتنع عن الإفصاح عن تلك الأسماء، باعتبارها معلومة تخضع “لامتياز السرية” بينه وبين موكلاته.
وبحسب بول موسجريف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج تاون في قطر، تمثل قضية إبستين “فضيحة كبيرة وواضحة المعالم”، وهو ما يسهّل على الناس متابعتها والمطالبة بالإفراج عن وثائقها، وهو ما يتعامل معه ترمب “باعتباره تهديداً حقيقياً” قد يضر به سياسياً.
الضرر السياسي، الذي أشار إليه موسجريف، في حديثه لـ”الشرق”، تمثّل في امتعاض حلفاء ترمب، من حركة MAGA، الذين طالبوا بإقالة بوندي، ورفع السرية عن ملفات القضية المثيرة للجدل.
كما اتسعت دائرة الاعتراض لتشمل مشرعين جمهوريين، من بينهم النائبات آنا بولينا لونا من فلوريدا، ومارجوري تايلور جرين من جورجيا، ولورين بويبرت من كولورادو، اللاتي قدمن دعوة للكونجرس لاتخاذ إجراءات إضافية من بينها استدعاء وزيرة العدل رسمياً للحصول على وثائق القضية أو “تعيين مستشار خاص” للتحقيق.
لكن الرئيس ترمب، رفض دعوات مؤيديه، وقال في تصريحات صحافية “إن القضية لا تضم أي معلومات مهمة”، كما دافع عن وزيرة عدله قائلاً إنها “تؤدي عملاً رائعاً”.
ورغم ذلك، واصل قادة حركة MAGA الضغط على إدارة ترمب، وطالب ستيف بانون، المستشار السابق لترمب، بإظهار مزيد من “الشفافية” والإفراج عن أوراق القضية، مشيراً إلى “انقسام محتمل” داخل صفوف الحركة، قد يؤثر على مستقبلها السياسي.
ونتيجة لذلك الضغط، قال الرئيس الأميركي في منشور عبر منصة Truth Social إنه “طلب من وزيرة العدل بام بوندي، بعد موافقة المحكمة، أن ترفع السرية عن محاضر هيئة المحلفين الكبرى” المتعلقة بالقضية.
هل تقدم محاضر “هيئة المحلفين” جديداً؟
ما أن أصدر ترمب توجيهات ببدء إجراءات رفع السرية عن “محاضر هيئة المحلفين الكبرى”، أشاد قادة حركة MAGA بقراره.
وقال ستيف بانون، في رسالة لشبكة CNN، إن قرار الرئيس الأميركي “نقل الحركة أخيراً إلى وضعية الهجوم”، وأضاف بانون في تصريحات منفصلة عبر الإنترنت أن “أنصار حركة MAGA متحدين خلف الرئيس” بعدما اتخذ قراره الأخير.
لكن سبينسر كوفين، الذي مثّل الضحايا خلال مرحلة “هيئة المحلفين الكبرى”، أشار إلى وجود معلومات كثيرة “لم يُتح له الاطلاع عليها”، مضيفاً أن تلك المعلومات “ربما تشمل ذكر اسم ترمب أو أحد مانحيه الماليين أو شخصيات من إدارته الحالية”، يسعى الرئيس إلى حمايتهم بعدم الكشف عن “كل أوراق القضية”.
وفي تصريح مماثل لشبكة “فوكس نيوز”، أوضح آلان ديرشوفسكي، محامي جيفري إبستين، أن الوثائق التي تكشف عن أسماء “عملاء إبستين المزعومين”، ويسعى أنصار MAGA للإفراج عنها “ليست موجودة في محاضر هيئة المحلفين الكبرى” من الأساس.
ولفت ديرشوفسكي، إلى أن تلك المعلومات وردت في تحقيق أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI، وشملت مقابلات مع “ضحايا مزعومات” أوردن أسماء شخصيات من بينهم “جورج ميتشل، السيناتور الديمقراطي السابق، وبيل ريتشاردسون، السفير السابق لدى الأمم المتحدة، وإيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وغيرهم”.
وكانت جولي براون، الصحافية في جريدة “ميامي هيرالد”، بينّت في تقرير لها أن أحد القضاة الفيدراليين رفع السرية عن وثائق من محاضر “هيئة المحلفين الكبرى” قبل عام كامل، في مطلع يوليو عام 2024.
وبحسب براون فقد شملت السجلات التي رُفعت السرية عنها حينها حوالي 200 صفحة، كما ضمّت شهادتي اثنتين فقط من ضحايا إبستين.
وكان تحقيقاً أجرته براون، في عام 2018، أضافت فيه شهادات من ضحايا أخريات، قلن إنهن “تعرضن لاعتداء جنسي” على يد رجل الأعمال النيويوركي، كما أبرز التحقيق أن “إفلات إبستين من العقاب” كان من بين أسبابه أن “الادعاء العام وصف الضحيتين بأنهما عاهرتان ومدمنتان على المخدرات”.
وأضاف محامي الضحايا سبينسر كوفين أن “كشف كل أوراق القضية ومحتوياتها”، هو السبيل الوحيد “لإنهاء اعتقاد الناس بنظريات المؤامرة التي لا تظهر إلا عندما يحاول أشخاص إخفاء الحقيقة”.
لكن المذكرة التي نشرتها وزارة العدل مطلع يوليو، دافعت عن إبقاء السرية على ملفات إبستين، “بغرض حماية الضحايا” وعدم تعريضهن للتشهير أو الخطر.
ويقول محامي الضحايا سبينسر كوفين إن موكلاته آثرن عدم الكشف عن هوياتهن في عام 2008، “خوفاً من الانتقام أو المضايقات”، ولكي لا ترتبط أسماؤهن بـ”متحرش مثل إبستين” لبقية حياتهن، مضيفاً أن السرية يمكن أن تكون “أمراً سلبياً” حين تستخدم “كأداة لحماية الجناة والمتحرشين المتسلسلين”.
وقال كوفين إن السلطات الفيدرالية “تمتلك آلاف الساعات من تسجيلات المراقبة من منازل إبستين المختلفة، وكلها لا تزال محفوظة لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي ولم تُعرض على العامة”، وذكر أن الرئيس يملك صلاحية الإفراج عن تلك الملفات عبر إصدار “أمر تنفيذي”، مع “طمس وجوه الضحايا وبياناتهن”.
ترمب.. والتنصل من “صداقة قديمة”
وفي عام 2020، نشرت سارة تشايس، الباحثة السابقة ببرنامج سيادة القانون في معهد كارنيجي، كتاباً عنوانه “عن الفساد في أميركا”، ضمّنت فيه تحقيقاً أولياً حول ما تصفه بـ”شبكة إبستين”، وما رافق القضية من “إخفاقات” منذ بدايتها.
وأشارت تشايس في حوار مع “الشرق”، إلى أنها توصّلت إلى أدلة مبدئية على وجود علاقة قديمة بين محاميي الدفاع والادعاء في قضية إبستين التي بدأت عام 2005، لافتة إلى أنهم تخرجوا “في نفس كليات القانون” أو عملوا معاً “في مكاتب المحاماة ذاتها”، ما دفع تشايس لاستنتاج أن الصفقة التي حصل عليها إبستين في عام 2008 “كانت تُدار بين مجموعة من الأصدقاء”.
لكن أكثر ما لفت انتباه تشايس حينها، كما تقول، هو ممثل مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي وقّع الاتفاق المثير للجدل مع إبستين نيابة عن الحكومة عام 2008، ويدعى “أليكس أكوستا”، وهو نفس المسؤول الذي عيّنه ترمب وزيراً للعمل في إدارته الأولى عام 2017.
لكن أكوستا لم يَبْقْ طويلاً في منصبه، إذ أُجبر على الاستقالة مع عودة قضية إبستين إلى دائرة الضوء من جديد، عام 2019، ووقتها، دافع الوزير المستقيل عن الصفقة التي أبرمها مع رجل الأعمال الراحل بأن التهم التي خلَصَت إليها هيئة المحلفين الكبرى، “لم تكن لتصمد أمام القضاء”.
وتقول سارة تشايس إن تحقيقها حدّد أشخاصاً بارزين، وسياسيين من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) جمعتهم علاقات متنوعة بجيفري إبستين، وكان من بينهم الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون.
وفي عام 2024، جاء اسم بيل كلينتون ضمن شخصيات بارزة وردت في سجلات تحقيقات ضد جيلاين ماكسويل، رفيقة إبستين السابقة، التي أدينت وسُجنت لمساعدته في إساءة معاملة الفتيات، ورغم إقرار الرئيس الأميركي السابق بأنه كان شريكاً تجارياً سابقاً لإبستين، إلا أنه نفى بشدة علمه بجرائمه.
وإضافة إلى كلينتون، فقد سلّط كتاب تشايس الضوء على “علاقة طويلة الأمد” جمعت دونالد ترمب مع جيفري إبستين، وهو ما تصفه الكاتبة الأميركية، بأنه “لم يكن أمراً خفياً حينها”.
وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فقد أشار مساعد ترمب السابق، سام نونبرج، إلى أن تلك العلاقة امتدت حتى عام 2014، عندما بدأ ترمب تحضيراته للترشح للرئاسة.
وتقول الصحيفة الأميركية إن سجلات رحلات جوية، أظهرت أن ترمب سافر مع إبستين 7 مرات على الأقل خلال تسعينيات القرن الماضي، إلا أن “نيويورك تايمز” استبعدت أن يكون ذلك “دليلاً على ارتكاب دونالد ترمب أي مخالفة للقانون”.
لكن تشايس ترى أن ما تراه على أنه إصرار ترمب على عدم الإفراج عن “كافة ملفات القضية”، رغم أنها تحتوي على الأرجح على فضائح تخص بيل كلينتون، الذي كان هو وزوجته، هيلاري كلينتون، “هدفاً لحملات ترمب السابقة”، يعزز افتراضات أن “الأوراق ربما تضم شيئاً خطيراً يتعلق بالرئيس شخصياً”.
ترمب قال في وقت سابق، إن علاقته برجل الأعمال المدان بفضيحة جنسية انتهت “قبل الألفينيات”، كما بيّن مساعدو ترمب أن خلافاً دبّ بين الرجلين في هذه الفترة “حول قطعة من الأرض” في ولاية فلوريدا، سعى كل منهما لشرائها.
لكن بنهاية الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” فحوى رسالة قالت إن ترمب كتبها لتهنئة إبستين، بيوم ميلاده الخمسين عام 2003، وكانت ضمن مجلد مغلف جمعت فيه رفيقة إبستين السابقة جيلاين ماكسويل عشرات الخطابات الأخرى من أصدقاء رجل الأعمال الراحل.
وبحسب التقرير، فقد تضمن الخطاب “رسماً لامرأة عارية”، وعبارات وصفتها الصحيفة بأنها “بذيئة”، ممهورة بتوقيع دونالد ترمب.
ولم تنشر وول ستريت جورنال صورة من الخطاب المزعوم، فيما علّق دونالد ترمب على تقريرها في منشور عبر منصة Truth Social نفى فيه أي علاقة له بتلك الرسالة، قائلاً: “لم أرسم أبداً في حياتي، لا أرسم صور نساء، وهذه ليست لغتي”. كما هدد الرئيس الأميركي بمقاضاة الصحيفة، وهو ما نفذه في اليوم التالي لنشر التقرير.
ورفع دعوى قضائية ضد “وول ستريت جورنال” ومالكيها، بمن فيهم روبرت مردوخ، مطالباً بتعويض لا يقل عن “20 مليار دولار”، على خلفية التقرير الذي شمل رسالة قال ترمب إنها “مزورة”.
ويأتي نشر تقرير الصحيفة الأميركية في وقت حساس لإدارة ترمب التي أعلنت الأسبوع الماضي، أنها خلصت إلى أنه لا توجد قائمة بعملاء إبستين، وذلك بعد أن كانت الإدارة قد وعدت بنشرها، ما أدّى لانقسامات داخل حركة MAGA، في أول انقسام بين الرئيس وقاعدته الشعبية.
“فخّ إبستين”
لم يكن أنصار MAGA فقط الذين طالبوا إدارة ترمب بالكشف عن ملفات إبستين، فقد أشار موقع “أكسيوس”، إلى أن زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، تبنى استراتيجية هجومية، مستفيداً من انتقادات الحركة لإدارة ترمب بشأن تعاملها مع ملفات القضية.
ونقلت الوكالة تصريحات عن نواب ديمقراطيين، قالوا إن جيفريز شجّع المشرعين الديمقراطيين لتبنى استراتيجية تقضي بانتقاد إدارة ترمب في أي ملف، كلما كان ذلك سيعزز فرضية “وجود فساد داخل الحزب الجمهوري”.
وقال النائبان الديمقراطيان مارك فيسي، ورو خانا، في تصريحات صحافية، إنهما تلقيا دعماً من حكيم جيفريز، بشأن مشاريع قرارات تُجبر وزارة العدل على نشر “جميع وثائق إبستين”.
وانتقدت الكاتبة الأميركية، سارة تشايس، أداء الديمقراطيين بشأن تلك القضية، مشيرة إلى أنهم “يصورون حزبهم باعتباره حزب النزاهة والحكم النظيف ومكافحة الفساد”، لكنهم غالباً ما يتحمّسون فقط عندما يكون الفساد موجوداً في “الطرف الآخر” من الطيف السياسي، وفق قولها.
وقالت تشايس إن تلك الاستراتيجية حوّلت “قضية فساد إلى سلاح حزبي لا يُستخدم إلا ضد الخصوم”.
ترمب اعتبر أن تسليط الضوء على قضية جيفري إبستين، لا تمثل بالنسبة له سوى “فخّ سياسي” هدفه إثارة الانقسام بين مؤيديه، عبر الإيحاء بأن الإدارة تسعى لإخفاء شيء ما.
ويرى بول موسجريف، أستاذ العلوم السياسية، أن ترمب اتبع بتلك التصريحات “أسلوباً دفاعياً” اعتاد استخدامه في السابق، موضّحاً أن الرئيس “يسعى إلى نزع المصداقية عن أي محاولة لربط اسمه أو أسماء من حوله بالقضية، من خلال التشكيك أو التقليل من أهمية تلك الادعاءات، بدلاً من التعامل مع الأسئلة أو الشكوك بوضوح”.
وقال موسجريف إن ترمب لجأ إلى تلك الاستراتيجية سابقاً في قضايا مثل “التحقيقات في التدخل الروسي في انتخابات 2016″، والتي وصفها ترمب بـ”خدعة روسيا”.