في زيارة نادرة، يستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب نظيره السوري أحمد الشرع، الاثنين، ليصبح أول رئيس سوري يدخل البيت الأبيض. لقاء هو الثالث بين الرئيسين، لكنه يتجاوز دلالته التاريخية بعد سنوات من القطيعة بين واشنطن ودمشق؛ إذ تحفل طاولة ترمب والشرع بمفاوضات مفصلية في ملفات شائكة.

وتوقع دبلوماسيون أميركيون وخبراء في الشأن السوري، تحدثوا لـ”الشرق”، أن أجندة الرئيسين قد يتصدرها مناقشة اتفاق بين دمشق وتل أبيب.

وفيما ظهرت بوادر إيجابية للاجتماع حتى قبل بدايته، تمثلت في تمرير مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً قدّمته إدارة ترمب لرفع اسم الشرع، ووزير داخليته أنس خطاب من قوائم العقوبات الأممية، لكن الشرع يزور واشنطن وعيناه نصب هدف أبعد، وهو إزالة كل العقوبات الاقتصادية عن بلاده.

مسألة يجمع الخبراء أنها لا تقع بيد الرئيس ترمب وحده، وإنما تحتاج إلى موافقة الكونجرس الأميركي، الذي يسعى بعض مشرعيه للحصول على ضمانات من دمشق بشأن مخاوف متعلقة بملفات داخلية، على رأسها حقوق الأقليات في سوريا.

صفحة جديدة ودلالات رمزية

في منتصف مايو الماضي، وخلال زيارة الرئيس الأميركي إلى العاصمة السعودية الرياض، فجّر دونالد ترمب مفاجأة بالإعلان عن عزم بلاده رفع العقوبات المفروضة على سوريا، استجابة لطلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وكان لسوريا سجل طويل مع العقوبات الأميركية يمتد لأكثر من 45 عاماً مضت.. عقوبات تنوعت بين أوامر تنفيذية صادرة عن البيت الأبيض وتشريعات أقرّها الكونجرس، بدأت في عام 1979، بإدراج دمشق على لائحة “الدول الراعية للإرهاب”.

كما شملت إجراءات واشنطن عقوبات اقتصادية بموجب “قانون محاسبة سوريا وحماية سيادة لبنان”، الذي شرّعه الكونجرس في عام 2003، قبل أن تدخل العقوبات أكثر مراحلها زخماً في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية السورية، بتشريع “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، والذي ضم أشد حزمة عقوبات أميركية صرامةً ضد دمشق.

ولم يكتفِ ترمب بإعلان نيته إزالة تلك العقوبات، وإنما استجاب أيضاً لدعوة قدمها ولي العهد السعودي، لعقد لقاء بينه وبين الرئيس السوري أحمد الشرع.

اجتماع كان الأول من نوعه بين رئيس أميركي ونظيره السوري خلال 25 عاماً.

وفي سبتمبر الماضي، تكرر اللقاء بين الرئيسين الأميركي والسوري، على هامش زيارة الأخير إلى الولايات المتحدة، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في زيارة نادرة لرئيس سوري إلى الأراضي الأميركية، منذ زيارة الرئيس السوري الراحل نور الدين الأتاسي إلى الولايات المتحدة في عام 1967 للمشاركة في دورة استثنائية للجمعية العامة.

بحسب جاستن دارجن، الباحث في جامعة أوكسفورد، فإن زيارة الشرع إلى البيت الأبيض تحمل “دلالة رمزية”، إذ تؤكد على تحوّل العلاقة بين البلدين، بعد “قطيعة كبرى” دامت لسنواتٍ، كما تأتي في وقتٍ تسعى فيه القيادة السورية الجديدة إلى “ترسيخ سلطتها، وإعادة رسم صورتها في الخارج”.

ويرى دارجن، أن الإشارة التي ترسلها الإدارة الأميركية، بعقد لقاء ثالث بين الشرع وترمب، مفادها أن تخفيض دمشق مستوى تحالفها مع إيران، وتقليص علاقاتها مع الجماعات المسلحة غير الحكومية، هو طريق اقترابها من “الحاضنة الغربية”.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، حملت تصريحات الشرع نبرة قوية تجاه طهران، حيث قال إن سوريا “لن تكون منصة أو ممراً للنفوذ الإيراني أو سلاحه إلى أي جهة، مثل حزب الله”، مشدداً على أن بناء أي علاقات مع إيران يجب أن يكون على أساس “السيادة وعدم التدخل في الشؤون السورية”.

ومع خروج دمشق من “معسكر إيران” وتقاربها مع واشنطن، يبقى ملف “الجماعات المسلحة” في سوريا معلّقاً. ويرى جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى، أن ترمب يمنح الشرع “فرصة لإثبات حسن نواياه”.

وقال الدبلوماسي الأميركي السابق لـ “الشرق”، إن ترمب يبدو مقتنعاً بقدرة الرئيس السوري على تحويل بلدٍ كان تاريخياً “مصدر إزعاج” للمصالح الأميركية إلى “صديقٍ حقيقي” لواشنطن، بما يسمح للولايات المتحدة بسحب قواتها من منطقة شرق الفرات.

وبدأت واشنطن وجودها العسكري في منطقة شرق الفرات، الواقعة شرقي سوريا، ضمن عملية “العزم الصلب”، التي أطلقتها الولايات المتحدة في عام 2014 لمكافحة تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، وبلغ قوام القوات الأميركية في ذروته نحو 2000 جندي، لتقديم الدعم والتدريب والإسناد لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تقودها فصائل كردية مسلحة.

ومثلما تنظر واشنطن لـ”الشرع” باعتباره “شريكاً” يمكنه أن يجنّبها الاستمرار في صراع عسكري “مكلّف”، كما يصفه وليام روبوك، نائب المبعوث الأميركي للتحالف ضد “داعش” سابقاً، فإن الدبلوماسي الأميركي السابق، يشير إلى أن ترمب يرى في الرئيس السوري الشاب “شخصية مثيرة للإعجاب” يشجع واشنطن على اتباع نهج جديد تجاه سوريا.

العلاقات مع روسيا

قبل أيام من وصول الرئيس السوري إلى واشنطن، بادرت إدارة الرئيس الأميركي ترمب، بطرح مشروع قرار أمام مجلس الأمن الدولي، برفع العقوبات المفروضة عليه ووزير داخليته أنس خطاب.

وأشاد الرئيس السوري أحمد الشرع، في مقابلة مع “الشرق”، بالقرار الذي صاغته واشنطن، بتأييد 14 دولة من بينها روسيا، في حين امتنعت الصين عن التصويت، معرباً عن أمله في إجراء المزيد من النقاشات بشأن مستقبل العلاقات مع واشنطن خلال لقائه مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض.

ويرى جاستن دارجن، الباحث بجامعة أوكسفورد، أن روسيا حريصة على التأكد من أن عملية إعادة إعمار سوريا “لن تُترجم إلى مكسب جيوسياسي لمصلحة الولايات المتحدة”، بينما اعتبر ستيفن هايدمان، مدير برنامج الشرق الأوسط في كلية “سميث” الأميركية، أن واشنطن لديها مخاوف بشأن “التقارب السوري الروسي”.

“الاتفاق الأمني” مع إسرائيل

يستبعد الباحث الأميركي جاستن دارجن، أن تحمل زيارة الشرع “صفقة كبرى”، فيما يرجح أن يتباحث خلالها الرئيسين “ملامح مسار مشروط للتطبيع” بين سوريا، وإسرائيل.

وكان الرئيس ترمب قد أبدى حرصاً في مناسبات متفرقة على دعوة شركاء واشنطن في الشرق الأوسط، من الدول التي ليس لديها علاقات مع إسرائيل، إلى الانضمام لـ”اتفاقيات أبراهام”.

وفيما يشبه السفير الأميركي السابق، وليام روبوك، المصالح الأميركية في سوريا بـ”الفسيفساء”، التي تتألف من مجموعة ملفات متشابكة، فإنه يشير إلى “تلبية الاحتياجات الأمنية لإسرائيل”، بوصفها واحدة من تلك المصالح، التي تسعى إدارة ترمب لتحقيقها عبر اتفاق أمني مع دمشق، وربما في النهاية “الانضمام لاتفاقات أبراهام”.

وصرّح المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان، توم باراك، في تصريحات لـ”الشرق”، مطلع الشهر الجاري، بأن “اتفاقاً أمنياً” بين إسرائيل وسوريا حول الحدود بات “قريباً”.

بحسب ما يرجح ستيفن هايدمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بكلية “سميث” الأميركية، فإن الترتيب الأمني السوري الإسرائيلي، الذي تسعى الولايات المتحدة للتوسط لإبرامه، هو “إعادة تفعيل اتفاق فض الاشتباك الموقع بين البلدين منذ عام 1974”.

وتعطّل اتفاق “فض الاشتباك”، وظيفياً في أعقاب اندلاع الحرب الأهلية، مع تراجع سيطرة القوات الحكومية السورية على المنطقة العازلة في محافظة القنيطرة المتاخمة للجولان، والتي شهدت وجود بعثة أممية لمراقبة فصل القوات عُرفت باسم “قوات أندوف” UNDOF.

كما أعلنت الأمم المتحدة، سحب “قوات أندوف” مؤقتاً من مواقعها على الجانب السوري إلى الجانب الإسرائيلي، بعدما تعرض عدد من جنودها على يد جماعات مسلحة في عام 2014، وهو ما عطًل مهامها عملياً.

وفيما ناقش وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إعادة تفعيل الاتفاق مع وفد إسرائيلي، في باريس، في أغسطس الماضي، تبقى آليات مراقبة الاتفاق غير واضحة، بعدما نفى مصدر في وزارة الخارجية السورية تقريراً نشرته وكالة “رويترز”، عن استعداد الولايات المتحدة لاستخدام قاعدة جوية في العاصمة السورية، للمساعدة في مراقبة أي اتفاق محتمل بين إسرائيل وسوريا.

حماية الأقليات في سوريا

منذ سقوط نظام الأسد، شهدت محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، اشتباكات دامية بين فصائل درزية مسلحة، وقوات حكومية وجماعات مسلحة تسعى لفرض سيطرتها على المنطقة، وهو ما تفاقم إلى ما يصفها السفير الأميركي السابق، جيفري فيلتمان، بأنها “أعمال عنف طائفي” شهدتها المناطق الساحلية، ومحافظة السويداء هذا العام.

وفي تصريحات لـ”الشرق”، أشار فيلتمان، إلى أن تلك الأحداث تجعل مهمة الشرع في سوريا “أصعب مما تأمله واشنطن”، إذ يواجه الرئيس السوري تحدياً في طريق “الموازنة” بين طموحات قاعدته السياسية، بعد سنوات من “قمع وبطش” الرئيس السابق بشار الأسد، وما تحتاجه الأقليات السورية “كي تثق” في السلطات الجديدة.

قانون قيصر 

رغم استخدام ترمب سلطته الرئاسية في تعليق عقوبات ضد سوريا لفترات تمتد إلى 180 يوماً، فإن الدبلوماسي الأميركي السابق، جيفري فيلتمان، يرى أن هناك شكوكاً تساور كافة الأطراف فيما إذا كان الرئيس الأميركي سيجدد ذلك التعليق أم لا، مشيراً إلى بعض هذه العقوبات، وخاصة المفروضة بموجب “قانون قيصر”، “لا يمكن إلغاؤها نهائياً” إلا بواسطة الكونجرس نفسه.

لكن نائب المبعوث الأميركي للتحالف ضد “داعش” سابقاً، وليام روبوك، رجّح أن تُرفع العقوبات عن سوريا خاصة مع الحرص، الذي أبداه ترمب في ذلك السياق، بل ودفعه الكونجرس لاتخاذ “إجراء حاسم” بهذا الشأن، فضلاً عن تصريحات إدارته المتكررة في الاتجاه نفسه.

من جانبه، قال المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك  في مقال مطول نشره على حسابه بمنصة “إكس”، أكتوبر الماضي، تحت عنوان “منظور شخصي: سوريا ولبنان هما القطعتان التاليتان في مسار سلام المشرق” إن “قانون قيصر أدى غرضه، وحان الوقت لإعطاء فرصة لسوريا”، معتبراً أن العقوبات التي فُرضت عام 2019 لمعاقبة النظام السابق “لم تعد تواكب الواقع الجديد، بل أصبحت تعرقل عملية إعادة الإعمار، وتثقل كاهل الشعب السوري”.

وفي حديثه لـ”الشرق”، لفت الدبلوماسي الأميركي السابق، وليام روبوك، إلى تصريحات ترمب وباراك، باعتبارها مؤشراً على اقتناعهما بأن الحكومة السورية الحالية “تبذل كل ما بوسعها لمعالجة المخاوف التي أثيرت في السابق” بشأن سوريا.

وقال جاستن دارجن، الباحث في شؤون الشرق الأوسط بجامعة أوكسفورد لـ”الشرق”، إن تخفيف العقوبات وإعادة دمج سوريا في النظام المالي العالمي “قد يوقف الانهيار الاقتصادي السوري المتسارع، لكنه لن يعيد الازدهار الذي كانت عليه سوريا قبل سنوات الحرب”؛ بعدما دمّر الصراع البنى التحتية والقطاع المصرفي وشبكة الكهرباء في البلاد.

كما يرى وليام روبوك أن الولايات المتحدة تبدو “مستعدة لممارسة ضغوط على أوروبا” في اتجاه رفع العقوبات، مضيفاً أن الأوروبيين قد تجاوزوا واشنطن بالفعل في هذا السياق.

وفتحت دمشق قنوات اتصال مع دول أوروبية في وقت مبكر من العام الجاري، كما زار الرئيس الشرع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه في باريس، أوائل مايو الماضي.

وفي أعقاب تلك الزيارة، رفع الاتحاد الأوروبي عقوباته الاقتصادية عن سوريا في 20 مايو 2025، في خطوة متزامنة مع تحركات مشابهة من الولايات المتحدة، بهدف دعم عملية التحول السياسي وتعافي البلاد بعد الإطاحة بنظام الأسد.

وفي حين أن الرئيس ترمب ما يزال حتى الآن “منخرطاً بالكامل” في دعم الشرع، كما يصفه الدبلوماسي الأميركي السابق جيفري فيلتمان، يبقى بعض أعضاء الكونجرس “متشككين وحذرين”.

ورغم أن مجلس الشيوخ الأميركي أقرّ في أكتوبر الماضي، نسخة موازنته الدفاعية السنوية NDAA، متضمنة مادة نصّت على إلغاء قانون قيصر للعقوبات على سوريا دون قيد أو شرط، فإن إلغاء “قانون قيصر”، رهن بتصويتٍ ثانٍ في مجلس النواب، شريطة أن يتوصل مشرعو الغرفتين البرلمانيتين لنسخة موحّدة يوقع عليها الرئيس الأميركي بنهاية الأمر.

من جانبه، أعرب النائب برايان ماست، الجمهوري من ولاية فلوريدا، والذي يرأس لجنة العلاقات الخارجية عن مخاوفه بشأن رفع العقوبات عن دمشق “دون شرط”، قائلاً إن مخاوفه مبنية على ما يحدث في سوريا، دون أن يوضح مزيداً من التفاصيل.

ويرجح السفير السابق جيفري فيلتمان، أن يوقّع الشرع خلال زيارته إلى واشنطن اتفاقاً للانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، بما يساعد الولايات المتحدة في مهمتها التي بدأتها في عام 2014.

ويرى ستيفن هايدمان، أن انخراط الشرع في اتفاق للانضمام رسميا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، والموافقة على دمج المنطقتين “الشمالية الشرقية والجنوبية” وفق ترتيبات تضمن قدراً من الحكم المحلي الذاتي، سيمثلان مؤشرين إيجابيين للمشرعين في الكونجرس.

لكن التعامل مع “قضايا الإرهاب، وأعمال العنف الطائفي”، لا تمثل مصدر القلق الوحيد لدى مشرعي الكونجرس الأميركي، بحسب الباحث في شؤون الشرق الأوسط، سامويل هيلفونت؛ إذ تشغل ملفات أخرى اهتمام السياسيين الغربيين على وجه العموم، ومنها ملف المخدرات والحدود.

ولذلك، يرى هيلفونت في تصريحاته لـ”الشرق”، أن المؤشرات التي يمكن لدمشق تقديمها لإقناع الكونجرس برفع العقوبات عن سوريا تشمل “السيطرة على تجارة الكبتاجون وتعزيز الأمن على الحدود”، فضلاً عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء سوريا، و”محاسبة الفاعلين الطائفيين” الذين استهدفوا الأقليات الدينية.

شاركها.